ما من شك أن مجالات تطبيق القوانين الخاصة بالنظام الضريبي تعرف تباينا اعتبرته اليوم المديرية العامة للضرائب حيفا وإجحافا وتعسفا في حق فئات مجتمعية على حساب أخرى. لقد ساد على مستوى الرأي العام وجود خلل في التعاقد الاجتماعي بسبب منطق التضريب ببلادنا. فهناك من المهن من تذر على أصحابها مداخيل تتجاوز مداخيل الأجراء بعشر مرات، ولا يساهمون في ميزانية الدولة إلا بثمان مرات أقل على المستوى الوطني، لتبقى اعتمادات الباب المتعلق بمداخيل هذه الأخيرة بعيدا كل البعد عن واقع فضاء الأعمال وعدد صفقاته وعملياته التجارية بشقيها السلعي والخدماتي وأرباحه المحققة.
إنه تشخيص صادر من داخل مديرية الضرائب في شخص مديرها العام وليس من خارجها، الشيء الذي يؤكد اليوم أن هناك إرادة سياسية واضحة من طرف الدولة المغربية لإعطاء الانطلاقة الفعلية لمشروع تحقيق العدالة الضريبية ببلادنا. فبعدما تجاوزت البلاد مرحلة الصراع السياسي وما ميزها من احتكاكات واصطدامات وسباق لاقتناص الفرص وتنافس على الموارد القليلة والمحدودة، لم يبق ما يبرر مساهمة قطاع الأجراء ب أكثر من 75 بالمائة من مجموع مداخيل ضريبة الدخل (I.R.)، واستمرار المهنيين والأشخاص الذاتيين الخاضعين لنظام التصريح بالمساهمة بمجموع لا يتجاوز 5 بالمائة، ليبقى خمس هذه المداخيل (20 بالمائة) مرتبطا بالضرائب المفروضة على الأرباح العقارية.
لقد جاء في تصريحات السيد المدير العام، السيد عمر فراج، أن هذا الوضع لا يجب أن يستمر لأنه، في نظر المتتبعين داخليا وخارجيا، يضر بسمعة الدولة المؤسساتية والسياسية. والحالة هاته، لقد حان الوقت موضوعيا لمواجهة الاحتجاجات غير المبررة للخاضعين، وتقوية الحرص الإداري والمجتمعي على خلق شروط احترام الميثاق الوطني للضرائب، وتحويل مبدأ إنصاف الطبقة الوسطى إلى رافعة لرهان التنمية وآلية لتنشيط الاقتصاد الوطني. لم يعد مسموحا في إطار حرص الدولة على الحفاظ على التوازنات العامة الضغط على طبقة الأجراء الخاضعين للاقتطاع من المنبع. إن تخفيف الضغط على هذه الطبقة، التي تلعب أدوارا ريادية في الوساطة المجتمعية والمؤسساتية والسياسية والحقوقية والاقتصادية والثقافية، لا يمكن أن يتم إلا من خلال التسلح بالحزم المطلوب من أجل توسيع الوعاء الضريبي. فإذا أضفنا واقع اللامساواة في التضريب إلى الواقع المالي للدولة، يصبح تنفيذ القرار المؤسساتي لمواجهة التهرب الضريبي بالصرامة اللازمة ذا أولوية قصوى، سواء تعلق الأمر بمواجهة التصاريح الكاذبة أو بالحد من الاستفادة من الضريبة على القيمة المضافة بالباطل، أو مقاومة التمادي والاستمرار في التصريح بالعجز المزمن المخالف لواقع المداخيل المحققة.
لقد أكدت وزارة المالية مؤخرا في هذا الشأن أن النقص الواجب ربحه في هذا المجال ضخم جدا. وعليه، وكما جاء في حديث المدير العام للضرائب، فإن الاستعدادات مستمرة لإحداث ثورة صغيرة سنة 2018، تدشن انطلاقة جديدة لمنظومة ضريبية طموحة السنة المقبلة. حسب تقديرات هذه المديرية، الذي تم اعتبارها خيارا متشائما، يمكن أن يساهم المهنيون ب 7 ملايير درهم في السنة مقابل 2 ملايير درهم التي تعودت الدولة على عدم تجاوزها في السنوات الماضية (لقد تم إقرار تبخر أكثر من 5 ملايير درهما سنويا نتيجة سوء تدبير هذا القطاع).
فإضافة إلى الحاجة إلى التعبئة الشاملة للموارد البشرية ترابيا ومركزيا، ركزت التصريحات الرسمية مؤخرا على كون الدولة اليوم أصبحت مستعدة تكنولوجيا لجعل منظومتها المعلومياتية للإعلام في المجال المالي والضريبي آلية ناضجة بمقاييس دولية لربح رهان تحقيق العدالة الضريبية ببلادنا. لقد أصبح بمقدور الدولة استخراج كل أنواع المعلومات واستغلالها بالشكل الذي يمكنها من إعداد برامج طموحة ودقيقة في مجال المراقبة بالاستهداف. إن إمكانية الاستناد أوتوماتيكيا (معلومياتيا) على معطيات مرجعية وعلى تقاطعات ومقارنات وطلبات شرطية (Requêtes)، سيمكن الإدارة المختصة من إعادة حساب أرقام مبيعات المهنيين كيف ما كان قطاع تحقيقها. لقد أصبح يسيرا بحكم القانون الحصول على كل المعلومات الخاصة بدافعي الضرائب سواء تعلق الأمر بمصاريفهم أو ممتلكاتهم أو مداخليهم. إن إمكانية الوصول إلى كل أنواع المعلومات المفيدة عبر هذه المنظومة المتطورة سيدفع المصرحين إلى التحلي بالواقعية. لقد أصبح في متناول مصالح مديرية الضرائب مثلا الولوج إلى معطيات مؤسسات التغطية الصحية، والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والخرائطية والمسح العقاري، والمحاكم، وقاعدة معطيات هوية الأشخاص، …إلخ.
إن الحاجة إلى تحقيق نوع من العدالة الضريبية أصبح من الأولويات في السياسات العمومية. وكما يروج هنا وهناك، فإن الدولة مستعدة كامل الاستعداد لدعوة كل الخاضعين، المتوفرة فيهم شروط الأداء، إلى المرور إلى صناديق الأداء للإسهام في تقوية مداخيل الدولة. إن ثقافة الوفاء بالالتزامات الضريبية يجب أن تترسخ في أذهان المواطنين بصفتها مقوم أساسي من مقومات الوطنية، ترسيخ لا يمكن تقويته إلا في حالة التقدم في قطع الأشواط الضرورية في مجال تحقيق العدالة في توزيع الثروات.
الاثنين : 10دجنبر 2018.