لقد اقترح المغرب خطوة يمشي فيها الجدل المغاربي على رجليه، حسب التسلسل التاريخي الحديث للمنطقة، لكن المقترح الشقيق يسعى إلى جعله يمشي على رأسه!
ردت الديبلوماسية الجزائرية، على دعوة المغرب بخلق آلية ثنائية سياسية للتشاور، بأن دعت إلى اجتماع وزراء دول اتحاد المغرب العربي، يدعو إليه الأمين العام لهذا الاتحاد …
لِنلْغِ الإطار الدولي لفهم الأحداث،
لننس قليلا اقتراب موعد جنيف،
ولنُسِّلم، بكل ما في القلب من محبة للأشقاء الجزائريين، أن الوقت ليس وقت إصدار أحكام نهائية على هامش التكتيك والاستراتيجية على ما تقدمت به وزارة عبد القادر مساهل، لكن لا بد من العودة إلى التاريخ القريب لكي توضع الدعوة في سياقها الممكن والمستحيل.
وذلك بالانتباه إلى ملاحظات تالية:
(1)تدعو الجزائر إلى عقد لقاء جماعي، بالمغرب الكبير، لتجاوز الوضع القائم، من جمود ثنائي وجماعي في شمال إفريقيا، في حين يدعو المغرب إلى لقاء ثنائي للنظر في واقع التفرقة الحالية والجمود الملحوظ بالعين المجردة.
والحال أن التاريخ القريب ومنطق الأحداث منذ منتصف الثمانينيات يشيران إلى ما يلي:
* ميلاد اتحاد المغرب العربي- أي الإطار الذي يجمعنا نظريا- لم يكن ممكنا لولا لقاءان اثنان سبقاه، الأول بين الراحل الحسن الثاني والرئيس الجزائري المستقيل الشادلي بن جديد في 1983، تم على الحدود المغربية الجزائرية برعاية الملك السعودي المرحوم فهد بن عبد العزيز.. وهذا اللقاء بذاته كان الراحل الحسن الثاني قد اقترح فيه لجن مشتركة لحل المعضلات الثنائية بين البلدين..* لقاء ثلاثي حضرته السعودية في ماي 1987، سمح بعودة التطبيع في علاقة البلدين وفتح الحدود .
* هذان اللقاءان سمحا بلقاء خماسي حضرته القيادات التونسية والليبية والموريتانية من بعد، وهو ما يعني أن الدول الأخرى التحقت بأجواء الانفراج، في لقاء زرالدة الذي جمع المغرب والجزائر في يونيو 1988، وهنا ولدت فكرة الاتحاد المغاربي، أحيت حلم مؤتمر طنجة في أبريل 1958 والذي أحال عليه خطاب الملك في حديثه عن اللجنة الآلية المشتركة..
* إعلان ميلاد الاتحاد جاء في قمة مراكش يوم 17 فبراير 1989 التي توجت اللقاءات الثنائية والخماسية.
(2)…يتضح إذن أن المغرب الكبير واتحاده كانا نتيجة للحرارة الديبلوماسية الثنائية، وليس العكس، وعليه يبدو إذن أن الجزائر أرادت أن تتجه إلى النتيجة، -أي اتحاد المغرب العربي – لكي تناقش وترد على أصلها- أي العلاقة المغربية الجزائرية.
(3) بهدوء، فهل يمكن أن نعول على تجمع، هو بذاته نتيجة لتقارب المغرب والجزائر في أن يخلق جوا بدون العودة إلى الأصل في خروجه إلى الوجود،لا سيما وأن الجميع يعرف بأن جمود هذا التكتل سببه الرئيس إن لم يكن الوحيد هو سوء العلاقة بيننا وبين دولة الجيران؟..
(4) في الوضع الحالي للمغرب الكبير، أليس اللائق هو أن تقدم الدولتان الأكثر استقرارا، وقربا لبعضهما، عرضا جيو سياسيا يجعلهما الدينامو في منطقة مفتوحة على المجهول عوض انتظار عرض من تكتل إقليمي، تغيرت فيه كثير من المعطيات الجيواستراتيجية الخاصة بكل بلد من البلدان في الاتحاد؟
إنها أسئلة لا ترفض المقترح الجزائري بالضرورة، لكنها في الواقع تبين حدوده، وربما لا جدليته التامة.. وتأزمه بقساوة المعطيات وصعوبة الممكن من المستحيل فيها… .
لقد اقترح المغرب خطوة يمشي فيها الجدل المغاربي على رجليه، لكن المقترح الشقيق يسعى إلى أن يجعله يمشي على رأسه!