إستهلال:
“صحيح أنه يمكن تحديد الأنثربولوجيا الاجتماعية بشكل كلي ومجرد، بأنها العلم الذي يحدد المجتمعات الإنسانية، إلا أن مجال هذا العلم ظل محصورا بماضي المجتمعات المتوحشة ثم البدائية… أما الآن فقد بدأ العلم الثالث يتكلم ويفكر بذاته وبدأنا نحن نعلم أنه يتوجب علينا إعادة النظر بعدد كبير من حقائقنا”1
يعتقد الكثير من المتابعين للدراسات الاجتماعية أن التطور الذي حصل في العلوم التي تتناول الظواهر البشرية من الأثنوغرافيا إلى الأثنولوجيا وبعد ذلك الإقلاع إلى مستوى تأسيس الأنثربولوجيا قد ساعد على منح العلوم الإنسانية منزلة متقدمة في مستوى معرفة الشعوب المغايرة ونشر الثقافة العقلانية والتقنية فيها وغير العلاقة بين المركز والمحيط من الهيمنة الاستعمارية إلى المثاقفة والتأثير والتنوير والإدارة الذاتية. لقد برز العديد من العلماء الأنثربولوجيين ونالوا شهرة كبيرة في العالم على الرغم من دراستهم لحقول متنوعة ومتداخلة سواء تهم المعاملات الاقتصادية أو تتناول الطقوس والشعائر الدينية واللهجات والعادات الاجتماعية ولقد انقسمت المدارس الأنثربولوجية إلى مادية ومادية تاريخية والى اسمية جديدة ووظيفية وبنيوية وانتشارية ثقافية ومابعد ثقافية وتوسطية والأنثربولوجيا الفلسفية والوجودية والديناميكية والمركبة. لقد ساد تصور مشترك على الفائدة الكبيرة التي تحققت من قيام هذا العلم الإنساني سواء للثقافة المتطورة على صعيد العالم أو بالنسبة للمجتمعات التقليدية والثقافات القديمة بعد أن أمكن التعرف عليها واستكشافها. غير أن هذا الاعتقاد يحتاج إلى تدقيق وتحري ومراجعة للوظيفة التي تؤديها الأنثربولوجيا في مستوى علاقة المعرفة بالسلطة وبخصوص موازين القوى بين الشمال والجنوب وتكريسها للهيمنة الاستعمارية . فماهو الغرض الحقيقي من بناء الأنثربولوجيا؟ هل كان لها دور تونيري؟ وكيف تحولت إلى أداة للهيمنة الاستعمارية؟ ما المقصود بالأنثربولوجيا الاستعمارية؟ وهل كانت الأنثربولوجيا الأداة المميزة والصالحة لفهم العالمية؟ ومتى تتشكل أنثربولوجيا جديدة؟ ولماذا تنخرط في جبهة مناهضة الاستعمار وتعمل على الخروج منه وإزالته والقضاء عليه جذريا في مستوى العلاقات الدولية؟ وماهو رد الفعل الأنثربولوجي؟ ماذا يرتب عن القيام بتحليل تاريخي للخطاب الأنثربولوجي؟ وكيف تتمكن المجتمعات من التفكير بذاتها؟ في الواقع يمكن المراهنة على الأنثربولوجيا في مستوى الإدارة والتنوير والتثاقف والبناء التطوري للمجتمعات متأخرة النمو بشرط العمل على تلخيصها من آفة الاضطهاد غير المباشر والايديولوجيا الاستعمارية.
1-نشأة الأنثربولوجيا :
” لكي تؤدي هذه المعارف دورا أكثر ايجابية، ولتساهم في تطوير المؤسسات الإدارية والسياسية ، عليها أن تغطي مجالا أكثر اتساعا. ان الاحاطة بهذه المعارف الأنثربولوجية أو ادراك كيفية تنظيم المجتمع أمر لا يكفي بل يجب التنبؤ بوضوح ما سيقع … كما يجب تحديد نمط المجتمع المرغوب فيه مستقبليا”2
تتكون كلمة الأنثربولوجيا من جذرين: هما anthroposالإنسان وlogos العلم أو الخطاب، وتضم الأبحاث التي يجريها علم الاجتماع وعلوم الأحياء وعلم السلالات على النوع البشري وبالتالي تشير إلى معرفة الإنسان ومجموع العلوم الوضعية التي تتعلق بالظواهر الإنسانية سواء من جهة اللغة أو التاريخ. لقد بحث كانط في كتاب بعنوان “الأنثربولوجيا من وجهة نظر براغماتية”عن تأسيس أنثربولوجيا فلسفية محاولا إنتاج معرفة بالإنسان من وجهة نظر براغماتية ودارسا الكائن الإنساني بوصفه كائن طبيعي وحر وساعيا إلى تنميته ليس فقط من ناحية الوجود الأحسن بل من ناحية انجاز ذاته وبلوغ مقصده الأخلاقي3 . لقد حاول مارتن هيدجر في الوجود والزمان 1927 وفي كانط ومشكلة الميتافيزيقا 1929 تخليص الفلسفة من النزعة الأنثربولوجية على غرار محاولة أدموند هوسرل الفنومينولوجية من أجل تخطي النزعة النفسانية ولكن البحوث الأنثربولوجية ما لبثت أن عادت بقوة إلى المجال الفلسفي بعدهما مع شلر وأرنست كاسرر وجان بول سارتر وأدغار موران وكلود ليفي شترواس وفرنسوا شاتلي ورنيه جيرار.
لقد دافعت الأنثربولوجيا الأساسية في البداية عن استحالة اختزال معرفة الإنسان في المعرفة الوضعية وبحثت عن المكاسب التي تجنيها عدة علوم عندما تقوم بدراسة الظواهر البشرية في مستوى ضمنياتها.
إذا كانت الأنثربولوجيا الفيزيائية تمثل مجموعة من العلوم الطبيعية التي تدرس الإنسان بوصفه ينتمي إلى الأنواع الحيوانية وتحديدا تهتم بطباعه ومزاج جسمه وأبعاده المورفولوجية ومختلف الأعراق البشرية فإن الأنثربولوجيا الاجتماعية والثقافية تتناول بالدرس الأوجه الثقافية التي تقوم بمقارنة بين مختلف الثقافات وتعمل على تصنيفها حسب انتشار القراءة والكتابة والتدوين وحضور البعد الشفوي والجمود والتجديد4 .
الأنثربولوجيا هي العلم الذي يحدد طبيعة المجتمعات البشرية من أشكال السلطة وأنماط الإنتاج والبنيات الأولية للقرابة وعلاقة النخبة بالجمهور ويدرس الموروث الثقافي والرمزي والمعتقدات الدينية المتبعة.
لقد شهد هذا العلم الكثير من التحولات ودفعت بالأنثربولوجيا الاجتماعية الكلاسيكية التي كانت مقتصرة على دراسة البشر وسلوك الإنسان والمجتمعات الماضية والحاضرة لكي تصير بعد ذلك أنثربولوجيا سياسية واقتصادية وظهرت الأنثربولوجيا التطبيقية المعاصرة التي شملت عدة ميادين جديدة مثل لغة وقيم ومعايير المجتمعات والأبعاد الثقافية والرمزية والتطور البيولوجي للبشر والجوانب الحيوية وتأثير اللغة . لكن كيف تضمنت الأنثربولوجيا التنويرية نزعة التسلط والهيمنة التي ارتبطت بالنزعة الاستعمارية؟
2-دور الأنثربولوجيا في انتشار الاستعمار:
” وهكذا بدأ الانقلاب على ما كان يعتبر أسس الأنثربولوجيا الكلاسيكية وفي تلك الفترة بالذات بدأ الاستعمار أيضا…وثمة مبادئ توحي بأن هذا التوافق لم يكن محض صدفة، فمما لاشك فيه أن ثمة توافقا في تلك المرحلة بين الايديولوجيا الاستعمارية وايديولوجية هذه الأنثربولوجيا الجديدة”5
لقد خدمت الأنثربولوجيا بكل مقولاتها وعدتها المنهجية ومقاصدها السيطرة الغربية على العالم ومثلت المعرفة التي أنتجتها عن الشعوب الأخرى الحقيقة الاستعمارية والموضوع المفضل للاستحواذ والهيمنة وتجلى ذلك في العديد من العبارات على غرار التبشير الحامل للمدنية والانتشار والاحتكاك والصدمة ووصل الأمر إلى نعت هذه العملية بالتثاقف والتغيير الاجتماعي والتحديث والتنمية والتنوير والتطوير.
بهذا المعنى فقدت الأنثربولوجيا استقلاليتها العلمية وحيادها وموضوعيتها التي ادعت امتلاكها في البداية أثناء دراستها الظواهر الاجتماعية والسياسية والدينية واللغوية والثقافية وصارت إيديولوجيا استعمارية وقامت الأنثربولوجيا الوضعية والوظيفية باستعمار علمي للمجتمعات غير الغربية عن طريق إرسال رحلات تضم مجموعة من العلماء قصد الاستكشاف والتعرف وجمع المعلومات على البلدان التي يتم لاحقا غزوها والاستيلاء عليها بعد التعمق في دراستها وتحليل ثقافتها وفهم مزاج شعوبها وقيس قدراتهم.
لقد حصل تواطؤ خفي بين الأنثربولوجيين والمستعمرين في مستوى الإدارة غير المباشرة للبلدان التي تم احتلالها والاضطهاد غير المباشر للشعوب التي وقع ترويضها وإدخالها بيت الطاعة في العلوم الغربية.
لقد مهدت الأنثربولوجيا الطريق نحو الاحتلال والاستعمار والغزو والاستيلاء وبررت كل الممارسات التي حصلت على مستوى الاستعباد للبشر والاستغلال للثروات والتخريب للطبيعة وتحدثت عن اللحاق بالركب ونقل التمدن إلى مجالات مظلمة ونشر العقلانية وعقلية التصنيع وتقسيم العمل ومنافع الاستعمار.
لقد تم التحقير على مستوى الجهاز المفاهيمي والنعوت المستعملة من شأن الشعوب والمجتمعات التقليدية ووصفها الأنثربولوجيون بالهمجية والبربرية والبدائية والتخلف والتأخر والعاطفية والسذاجة والانفعالية.
لقد سلبتها الدراسات الأنثربولوجية من كل قيمة معيارية ذاتية وخلعت عنها الكرامة والهوية والعراقة في التاريخ وأطلقت عليها مجموعة من الأحكام المسبقة المتحاملة وأسقطت عليها أمراض المركزية الغربية.
لقد حافظت الأنثربولوجيا على نظرة تمييزية تفاضل بين الأسياد والعبيد وبين الذكر والأنثى وبين الأبيض والملون وبين المركز والهامشي وبين المتمدن والريفي وبين المتعلم والأمي وبين الأصلي والغريب وبين المطور والمتأخر وبين المتقدم و التقليدي وبين العصري والقديم وبين المجدد التحديثي والمقلد المتخلف. لكن هل يمكن للأنثربولوجيا أن تتحول الى سلاح ثوري مقاوم للاستعمار والامبريالية؟
3-الأنثربولوجيا بين مناهضة الاستعمار وإزالته:
” تغير الأنثربولوجيا السياسية بلا ريب آفاق الأنثربولوجيا الاجتماعية وقد بدأت تشوش اللوحة النظرية وتبدل الصورة المألوفة : إنها تفرض تصورا أكثر دينامية وأكثر تأييدا لمراعاة التاريخ وأكثر وعيا للاستراتيجيات التي ينطوي عليها كل مجتمع حتى التقليدي.”6
لقد حاولت الأنثربولوجيا التحرر من الثقافة الأوروبية المتمركزة على ذاتها والمتورطة في الربط بين التنوير والاستعمار وبين الديمقراطية والشمولية وبين التمدن والهمجية ودافعت على إمكانية إيجاد دراسة الشعوب المغايرة واكتشاف المجتمعات الأخرى من دون المنظار الغربي المتعالي ومن بعده ومن جانبه.
إذا كانت الأنثربولوجيا التطبيقية قد ساهمت في تقوية الإدارة المباشرة للاستعمار في الدول والشعوب التي قام باستباحتها وإخضاعها فإن زوال الاستعمار لا يعني تراجع عقلية الهيمنة والتبعية بل تواصل كل ذلك وفق سياسة امبريالية تعيد توظيف البحوث الأنثربولوجية في اتجاه إدارة غير مباشرة للدول المُستعمَرَة.
لقد تحولت الأنثربولوجيا المعاصرة إلى مدرسة ثقافية نسبية مناهضة للاستعمار وتنقد التمركز الغربي وتناضل ضد الممارسات العدوانية والمنهجيات الإقصائية للأغيار وتحرص على إزالة ارث الاستعمار.
لقد أصبحت تنتج جملة من المعارف تتجاوز الاجتماعي نحو السياسي وتخضع السياسي للأطر الاجتماعية وتنطلق من الأرضية المشتركة التي تتشكل ضمنها الثقافة الشعبية وتأخذ بعين الاعتبار الذاتية التاريخية وتعيد النظر في البنيات العميقة التي تحدد الشعوب غير الغربية وتضع معايير مرنة ونسبية للتقييم والنقد.
إن خروج القوات الاستعمارية من البلدان التي كانت مستعمرة لا يعني زوال الاستعمار وتراجع عقلية الاستيلاء والنهب والاستغلال والتوسع في القرار السياسي الذي يؤثر في طبيعة العلاقات الدولية بين المركز والمحيط ولا يعني نهاية الامبريالية والأشكال الاقتصادي التي تعتمد على منطق التبعية والموالاة.
لقد بقيت قدرات النظريات الأنثربولوجية الكلاسيكية في تفحص المجتمعات التقليدية ناقصة ومحدودة وذلك لاقتصارها على التحليل الجدلي المادي أو المقاربة الوظيفية المحافظة وبالتالي تصورت وجود مجتمعات دون وضع السلطة وفي حالة سابقة لقيام الدولة وبالتالي اعتقدت قيام مجموعات دون طبقات.
بيد أن هذه المقاربة تمثل ردا على التفسير الرأسمالي للتاريخ دون بلوغ التحليل العميق للوقائع الاجتماعية وتحتاج لتحليلات أكثر تعقيدا وأكثر تمحيصا وتستخدم مناهج أنثربولوجية أكثر تطبيقا في حقول متنوعة.
لقد كشفت هذه الدراسات الأنثربولوجية البعدية جملة من الكشوفات يمكن ذكر أهمها:
– انفصال في المجتمع القردي بين ميدان الحياة الداخلية وميدان الحياة الخارجية والمجابهة بين التقليدي والتحديثي وبين المقدس والتاريخي وصعوبة إحداث تغييرات جذرية في البنيات العميقة.
– يؤدي الحزب السياسي الحاكم أداة محدثة في المجتمعات التقليدية تظل مرتبطة بمبادرة النخب المثقفة وتجدد الدولة الوطنية وتوجه الاقتصاد وتمكن السياسي من التفوق على الزعامات التقليدية ومن تنظيم التغيير الاجتماعي بما يخدم أنظمة التعبئة التي تتبعها سلطة المركز وولائه للخارج.
– تشكل إيديولوجيا وطنية تعبر عن الحداثة وتسعى إلى إحداث تغير عميق في رموز ثقافة المجتمع وأنماطه التقليدية ويكون غرضها تمرير مشاريع للهيمنة الامبريالية وتسمح بقبول أفكار تآمرية.
– تتمظهر عملية القضاء الذاتي على الاستعمارية التي تسيطر على الأنثبولوجيا بشكل فعلي في تخليها عن النمط الامبريالي في التحليل والتصنيف للمجتمعات التقليدية وانخراطها الميداني في مناهضة الاستعمار والعمل على إزالته من لغة ووعي وثقافة الشعوب التي مورس عليه العنف.
– يمكن الاشتغال على مطلب السيادة الثقافية ليس بالحفاظ على الموروث والابقاء على التقاليد في حالة جمود بل الرد على ضرورة التغيير بتبرير الاستعمار وسيطرته والتخلص من التبادل الثقافي غير المتكافئ والتعويل على تغيير من الداخل يكون ثمرة السيادة والحد من الانغلاق.
“إن إيديولوجيات التحديث هذه لا تفرض نفسها بعد من خلال حداثة جذرية : فهي متقلبة وظرفية جدا”7
لقد تناول النقد الموجه للايديولوجيا مظهرها غير العلمي وسيطرة الأفكار التي تمثلت الحدود القصوى ولم تتطرق إلى طابعها الامبريالي ولم تستطيع القيام بتحليلات عينية لأنظمة القرابة وأشكال الإنتاج والتبادل.
لن يتم القضاء بشكل تام على الاستعمار إلا بالقضاء على الأنثربولوجيا الاستعمارية والكشف عن الطابع الامبريالي الذي ظل مطمورا في الدراسات الأنثربولوجية التي جاءت بعدها تحت اسم الاختلاف والنسبية.
” وبالنهاية ليس سهلا القول إن الأطروحات الأنثربولوجية قد أخفت على الاستعمار طابعه الخاص، فكان متعجرفا أو الأمر، ثم ما لبث أن أكد ذاته، لينتهي بالإحساس بالذنب، فكيف يمكن القول بعد ذلك إن العلوم الإنسانية قد وضعت أسس الاستعمار أول الأمر ثم قضت عليها فيها بعد؟ “8 ، فكيف يؤدي فشل إيديولوجيا التحديث وذلك لاتصافها بعدم الثبات وحركتها الخاصة بسبب التحولات السريعة والمتقلبة التي تحصل للمجتمعات التقليدية إلى تحريك التحرير الثقافي والرمزي بالتزامن مع التحرير السياسي والاقتصادي؟ وما السبيل إلى تأسيس أنثربولوجيا تضع نفسها على ذمة طموح الشعوب التقليدية نحو التغيير والسيادة والتطور وتكون عصية عن خدمة الأطماع الاستعمارية والتوسع الامبريالي للعولمة الإمبراطورية؟
خاتمة:
” يظل التناقض قائما بين ما يزعم المستعمرون فعله وما يقومون به في الواقع، وبدل أن يدفعوا عجلة التغير فهم يعرفون كيفية إيقافها لمصلحتهم حين تتعارض مع سيطرتهم”9
يجدر إزالة الكثير من الشعارات البراقة من حقل الأنثربولوجيا وخاصة الاستعمار المتنور وتقدم الغالب المستعمر خير من تخلف المغلوب المستعمر ويجب التخلي عن مطلب التبادل الثقافي ومزاعم التحسين وايجابية التمدن وتشير بالحداثة والتحضر وذلك لغياب التساوي بين الوافد والأصلي ولإمكانية وقوع الثقافة التقليدية في كماشة المحافظة والتقليد والانغلاق من جهة والتفكك والمحو والزوال من جهة مقابلة. لا يهدف العالم المتقدم إلى تصدير التطور والرقي الى العالم النامي بل يفهم تغيير المجتمع الذي يساهم في وقوعه على صورة توسيع مجال السيطرة والنفوذ والزيادة في نطاق المجال الحيوي وقدراته على البقاء. كما تتجه أنثربولوجيا السيادة الثقافية نجو تفكيك مقولات العالمية والكوكبية والعولمة والإمبراطورية وتنطلق من الخصوصية والمحلية والذاتية والرمزية التي تميز شعب بعينه لكي يتم تكوين جملة من القيم الكونية.
تراهن الأنثربولوجيا ما بعد الاستعمار والامبريالية على فلسفة التعددية والاختلاف والنسبية والتقدمية لكي تلتزم بالكرامة والتقدير للإنسانية في التنظير والممارسة عند دراسة المجتمعات التقليدية والشعوب النامية.
تناضل الأنثربولوجيا ضد الاستعمار والامبريالية والعولمة المتوحشة بغية التخلص من النهب والاستغلال والاستعلاء والتمييز والاقصاء التي تجعلها تنادي بالتنوير والتثقيف وتصدير التطور من جهة وتقلل من قيمة الثقافات الاخرى وتعتدى على خصوصية الشعوب المغايرة باسم التميز والعالمية من جهة أخرى.
” إن ما ينقصها بالفعل ليس الميزة المنهجية ولا النقص في الوثائق بل تلك النظرة الإثنية المركزية التي تنظر للمجتمعات الأخرى نظرة عينية غرضية. وغياب النظرة عن ذلك العلم له علاقته برفض التموضع عن طريق العنف له علاقته بمقاومة الاستعمار”10 ، فمتى تتخلص علوم الإنساني من الازدواجية؟ وكيف يمكن إنتاج طرق في التفكير الأنثربولوجي لعصر مابعد الاستعمار ولمجتمع خال من الشمولية؟
الهوامش والإحالات:
[1] جيرار لكلرك، الأنثربولوجيا والاستعمار، ترجمة جورج كتورة، دار مجد ، بيروت، الطبعة الثانية 1990،ص11.
[2] جيرار لكلرك، الأنثربولوجيا والاستعمار، مصدر مذكور، ص124.
[3] Kant Emmanuel , Anthropologie du point de vue pragmatique, édition Vrin, Paris,1964.
[4] Levi-Strauss Claude, Anthropologie structurale I, édition Polin ,Agora, Paris, 1958.
[5] جيرار لكلرك، الأنثربولوجيا والاستعمار، مصدر مذكور، ص26.
[6] جورج بالانديه، الأنثربولوجيا السياسية، ترجمة جورج أبي صالح، منشورات مركز الانماء القومي، بيروت، طبعة أولى، 1986، ص145
[7] جورج بالانديه، الأنثربولوجيا السياسية، مصدر مذكور، ص138
[8] جيرار لكلرك، الأنثربولوجيا والاستعمار، مصدر مذكور، ص162.
[9] جيرار لكلرك، الأنثربولوجيا والاستعمار، مصدر مذكور، ص192.
[10] جيرار لكلرك، الأنثربولوجيا والاستعمار، مصدر مذكور، ص234.
المصادر والمراجع:
Kant Emmanuel , Anthropologie du point de vue pragmatique, édition Vrin, Paris,1964.
Levi-Strauss Claude, Anthropologie structurale I, édition Polin ,Agora, Paris, 1958.
جيرار لكلرك، الأنثربولوجيا والاستعمار، ترجمة جورج كتورة، دار مجد ، بيروت، الطبعة الثانية 1990.
جورج بالانديه، الأنثربولوجيا السياسية، ترجمة جورج أبي صالح، منشورات مركز الانماء القومي، بيروت، طبعة أولى، 1986،