إن التقدم والتطور والتجديد والتحديث والإجتهاد والملاءمة سنة الله في خلقه منذ اصطفى آدم و الأنبياء والرسل وخاتمهم سيدنا محمد ، وستبقى سننه قائمة إلى أن تقوم الساعة ، وكل من دعا للجمود والتقليد واعتبر التجديد والتحديث من البدع فقد خالف سنة الوجود ،
ونحن في ذكرى ميلاد سيدنا محمد (ص) يستكتر بعض المتعصبين والمتشددين على الناس إضافة “السيد” إلى اسمه على اعتبار أنه لم يأمر ولم ينادى بها في حياته ، وفي نفس الوقت يوزعون الأمداح ويسيدون أشياخهم وحكامهم وأصحاب الفضل عليهم ويتفنون في اضافة صفات التعظيم لأسمائهم ..
قال تعالى في النبي يحيى :“…فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ “سورة آل عمران.
إن الله أوضح أن الدين عنده هو الإسلام ، وأن كل الأنبياء جاؤوا به، قال تعالى في أبي الانبياء :” مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ” سورة آل عمران ،وقال في يوسف : ” تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ” سورة يوسف ، وقال الحواريون للمسيح :” آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ.” سورة آل عمران …
..ورسالة سيدنا محمد جاءت لتتمم مكارم الأخلاق ، وتتبنى كل ما هو جميل وطيب وصالح في مجتمعه وفي كل الثقافات ، وجاءت لتخرج الناس من ظلمات الجاهلية والتخلف وعبادة الأوثان والظلم والإستعباد والقهر الإجتماعي و الإقتصادي ،، إلى نور الدين والمعارف و الحق والحرية والمساواة والعدل والكرامة والعيش الكريم ، ولتفتح للبشرية أبواب التعلم والعلم والإجتهاد والإبداع في كل أمور الناس وما يستحدث في واقعهم من تحولات وتغيرات وفي علاقاتهم بغيرهم ، ولم تأمر قط بالجمود والتسلط و استغلال الناس وجعلهم عبيدا وإماء – أو في حكمهم – لاحول لهم ولاقوة ، تسلب منهم حياتهم وكرامتهم وممتلكاتهم ..
إن هذا النبي الذي أفاضت كتب السير في الصحيح منها وبعض كتب التاريخ في ذكر كراماته ومناقبه وأفضاله واعماله الصالحة حري ان يحتفى به وتعاد قراءة حياته وأحاديثه ، وتراجع وتصحح الكتب والمسانيد من كل “الأحاديث” الضعيفة والمكذوبة ومن الروايات الإسرائيلية وكل ما يتعارض مع القرآن الكريم وعدالة وصدقية الإسلام ، لأن من العبث استمرار تداول بعض الروايات التي للنبي والتي تسئ له وللإسلام والمسلمين وللعقل وللإنسانية ..
إن الانبياء أثناء قيامهم بتبليغ رسالاتهم عانوا الأمرين من أقوامهم وممن أمروا بتبليغهم ، وكان المنافقون من أخطرهم وهم الذين يظهرون خلاف ما يبطنون ، ويعيثون في الأرض فسادا بالإيقاع بين الناس ، وعرقلة الإصلاح والتغيير ، وتكمن خطورتهم في أنهم يتقمصون دور الأوفياء والخدام المنضبطين ، ولقد كشفهم الله للرسول الكريم الذي فضل تركهم حتى لايقال بأنه يقتل ويعتدي ويطلم أصحابه من “المؤمنين” برسالته ،
إن هذا الصنف من الناس تستمر وتتضاعف خطورتهم في كل الأزمنة والأمم ، ولقد تسببوا في هزائم وانكسارات وتراجعات ، وكسروا شوكة عدة حضارات ، وعطلوا تحقق المجتمع العادل الذي ينشده الإسلام ..
ويسجل التاريخ السياسي بعد الإستقلال أن البعض وبنفس العقلية سعى بطرق متعددة من أجل إفشال أهداف الإستقلال حتى يبقى شكليا ، و عمد البعض إلى الإيقاع بين الدولة والوطنيين الذين ضحوا بالغالي والنفيس وبأموالهم وأرواحهم واستقرار أسرهم من أجل وطنهم ومصالحه العليا ، فطبخت المؤامرات والملفات مما تسبب فيما عرف بسنوات الجمر والرصاص التي تمكن الجميع من طي جزء كبير من صفحاتها بفضل المصالحة وجبر الضرر ، ولتحصين البلد من وقوع انفلاتات لن يستطيع أي كان التنبؤ بمآلاتها ،، إلا أنه ونحن نحيي ذكرى عيد إستقلال وطننا العظيم المغرب نؤكد إلى جانب كل الضمائر الحية على ضرورة إتمام المصالحة فيما تبقى من القضايا والملفات العالقة ، مع أهية المصالحة مع ضحايا سياسات وقرارات حكومية تسببت في التفقير والتهميش والهشاشة والمساس بالعديد من المكتسبات ..
إن احتفالنا بعيد المولد النبوي ورسالة الإسلام النبيلة وبعيد إستقلال وطن في استحضار لتاريخ ونضالات وتضحيات وإبداعات العلماء والمفكرين والمصلحين وانخراط للشعب المغربي لمئات القرون .. يفرض علينا أن نقوم بحملة توعية علمية وفكرية على شكل ثورة ثقافية تفصل بين الحق والباطل ، وبين الصدق والزيف ، تجعل الدولة و الشعب قادرين على الحد من غلو سياسات الذين ينزعجون ويرفضون ويعترضون على التذكير بنضالات وتضحيات من سبق ، وبحقيقة الهوية المغربية الغنية المتعددة الثقافات والتجارب والنجاحات ، وللحد من البعض الذين لايكلون من نشر الأفكار الخرافية ويروجون للتكفير والتزمت والظلامية التي ليست من الإسلام في شيئ ، والذين لاتهمهم إلا مصالحهم الخاصة والضيقة ..
إن حقيقة أعمال البناء الفكري والإجتماعي والمؤسساتي والحقوقي بكل أنواعها التي شهدها تاريخ البشرية في كل المجالات تشكل مجتمعة تاريخ التطور والتجديد والتقدم والنضال عند الأنبياء والرسل ، و بمساهمة العباقرة والمبدعين والفلاسفة والمفكرين والعلماء المتنورين .. وبعمل وكد الشعوب الواعية المتعطشة للحرية والحق ، وليس باعتماد الرجعية والتزمت ومناهضة التقدم والتحديث …
تارودانت : الخميس 22 نونبر 2018.