(I)
يشكل مشروع «القانون-الإطار» الذي صادق عليه المجلس الحكومي، وأجازه «المجلس الوزاري» ويعكف البرلمان، حالياً، على دراسته، في أفق المصادقة عليه – يشكل هذا المشروع محطة هامة في سياق إصلاح وتقويم منظومة التربية والتعليم التكوين والبحث العلمي.
وتعود أهمية هذه المحطة إلى أمرين جديرين بالاهتمام:
أولهما: فهو محصلة جهود حثيثة في صياغة الرؤى والمقاربات الإصلاحية، لمنظومة التربية والتعليم والتكوين، كان أبرزَها وثيقة «الميثاق الوطني لمنظومة التربية والتكوين (2000)، وأظهرَها تقرير «المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي»، تحت عنوان «رؤية استراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي: 2015-2030، من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء» (2015).
ثانيهما: أن أحكامه تُحدد (عبر تشريعات خاصة) «التوجهات التي يجب إتباعها في مجال السياسة العمومية المتعلقة بكل مكون من مكونات منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، وكذا تنظيمها العام…» (المادة 14 من نص مشروع «القانون الإطار»).
(II)
كما أن مشروع «القانون-الإطار»، جاء لإنهاء ظاهرة التفاوت الذي ظل قائماً ما بين مقررات الإصلاح المسطرة، وواقِع السياسات المطبقة، وكأن هناك «ازدواجية في نهج الإصلاح، تتجلى في الإقرار بمقتضياته، دون التقيد بأجرته وتنفيذه»، كما سبق لوثيقة الإعلان الذي أصدره، موُقّعاً، طيف واسع من المثقفين والكتاب والفاعلين التربويين والسياسيين والنقابيين والإعلاميين المغاربة، في دجنبر 2013، تحت عنوان: «رؤية وطنية من أجل إصلاح شامل، ناجع لمنظومة التربية والتكوين».
(III)
ومن هذه الزاوية، فإن مشروع «القانون-الإطار» يكتسي طابعاً إلزامياً، لبلورة ما انطوى عليه متنُه من مبادئ وتوجهات وأهداف وبرامج، ولضمان «التطبيق الأمثل» لمستلزمات إصلاح النظام التربوي.
ومما لا ريب فيه، فإن دقة الملابسات التي تحيط بميلاد «القانون-الإطار»، وكذا جسامة الرهان الإصلاحي الذي يكمن خلف منطوق أحكامه، ومطايا مقتضياته – ليجعل منه رافعة قوية في مجال إصلاح وتقويم منظومة التربية والتعليم والتكوين.
ومن جهة أخرى، فإن روح المسئولية وواجب المواطنة يستدعيان التزام جانب اليقظة في متابعة تطبيقاته، ورصد مفاعيل تنفيذه على أرض الواقع. ذلك أن اختبار مضامين «القانون-الإطار»، على ضوء نتائج تطبيقاته الميدانية، ليشكل في نظرنا المقياس الموضوعي للحكم على رصانة توجهاته، ونجاعة مقارباته.
أولاً: في الملابسات سوسيو-سياسية الضاغطة:
(1) أولى هذه الملابسات الضاغطة: قوة الإرادة السياسية للدولة، كما عبر ويعبر عنها جلالة الملك محمد السادس في أكثر من مناسبة، لإنجاز إصلاح شامل وعميق لمنظومة التربية والتعليم والتكوين، وفق معايير الجودة والنجاعة والمردودية، تعزيزاً لجهود التنمية الوطنية الشاملة.
وفي هذا الصدد، فقد دعا جلالته في الكثير من الخطب الملكية، لا سيما خطب ذكرى ثورة الملك والشعب لسنتي 2012، 2013، وافتتاح الدورة التشريعية الخريفية لسنة 2014، وخطاب العرش لسنة 2015 وغيرها من الخطب الملكية السامية إلى الإصلاح الشامل، الناجع لمنظومة التربية والتعليم والتكوين، بما يُعظم مردوديتها ويعزز تفاعلها مع جهود البلاد في مجالات التنمية والتحديث والتقدم…
(2) ثانية الملابسات، حدة الانتظارات الشعبية إزاء ما يسفر عنه إصلاح المنظومة التربوية عن نتائج ملموسة، بالنسبة لتجويد المدرسة العمومية، والقطع مع ظواهر الهدر والانقطاع المدرسيين، وتواضع مستوى التحصيل الدراسي، وتضارب المناهج والبرامج، ومحدودية الملاءمة مع سوق الشغل، واستقرار المفارقات المجالية في العرض المدرسي، وعجوزات الحكامة الجيدة، وغيرها من صنوف الاختلالات والشوائب التي ما انفكت تطبع منظومة التربية والتعليم والتكوين.
(3) ثالثة الملابسات الضاغطة تطلع الفاعلين والمنتجين المغاربة في مختلف المجالات التنموية، الاقتصادية والاجتماعية والبشرية، إلى قيام المنظومة التربوية-التعليمية-التكوينية بتوفير موارد بشرية مؤهلة، تساهم بكفاءة ونجاعة في تعظيم الإنتاجية، واستيعاب ومواكبة التكنولوجيات المتطورة ذات الصلة بالقطاعات الإنتاجية المختلفة.
(4) رابعة الملابسات، توفر المنظومة التربوية على إطار تداولي، مؤسساتي، ذي امتدادات مجتمعية، وكفاءات مهنية، منقطعة إلى مواكبة السياسة التعليمية للدولة، بما يلزمها من دراسات واقتراحات واستشارات، وتقييمات، وهو إطار «المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي» الذي أناط به دستور البلاد مهمة «إبداء الآراء حول كل السياسات العمومية والقضايا الوطنية التي تهم التربية والتكوين والبحث العلمي وكذا حول أهداف المرافق العمومية بهذه الميادين وغيرها…» (الفصل 168 من الدستور).
ثانياً: في بنية ومضامين مشروع «القانون-الإطار»:
يمثل مشروع «القانون-الإطار»، رقم 51.17، المحال على البرلمان بعد مصادقة المجلس الوزاري عليه، نصاً قانونياً تأطيرياً بنحو – عبر أبوابه العشرة ومواده الستين – نحو صيغة «ميثاق وطني» لمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، مكرس لأجرأة الالتزامات المقررة، وللإصلاحات المسطرة.
(1) فقد ارتكن المشروع إلى إعادة صياغة مبادئ وأهداف «الرؤية الاستراتيجية» لإصلاح وتحديث منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي التي صادق عليها «المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي»، لكنه تقدم بخطوات جريئة في مجال الإصلاح والتحديث، نذكر منها على سبيل المثال ولا الحصر:
إقرار توسيع قاعدة التعليم الإلزامي لتشمل التعليم الأولي (= التعليم الابتدائي الإلزامي، من سن الرابعة إلى سن الخامسة عشرة…)؛
تعزيز شروط ومقومات الحكامة الجيدة لنظام التربية والتعليم؛
تقوية نسيج العلاقة المرنة بين التعليم العام والتكوين المهني الخ…
(2) يرهنُ المشروع أجرأة الأهداف والبرامج المسطرة إلى صدوركم من التشريعات والوسائط المؤسساتية والمواثيق البينية الكفيلة بتنظيم وتأطير العديد من المقررات المسطرة. فالمشروع ينص على:
ما يربو عن سنة «نصوص تنظيمية» مكملة؛
عدة «دلائل مرجعية»؛
عدة «مواثيق تعاقدية».
وتشير هذه الملاحظة إلى ما يصاحب تنفيذ مشروع «القانون-الإطار» من صعوبات في التنزيل، واحتمالات في التأخير يتناسبان عكسياً مع استعجالية معالجة الإشكاليات المزمنة لمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي.
(3) ينطوي المشروع على مقتضيات ملتبسة الدلالة، لعل أهمَّها ما يتعلق بإقرار «رسوم التسجيل» في التعليم الثانوي التأهيلي بصفة خاصة.
وقد أثار الغموض الذي يكتسي صياغة هذا المقتضى حملة إعلامية مناهضة، انطلاقاً من تأويل خاطئ، يُماهى ما بين مدلول هذا المقتضى، ومنطق إسقاط مبدأ «مجانية التعليم»، كحق مكفول بموجب الدستور.
بيد أن منطق إقرار «رسوم التسجيل»، كما سبق لـِ»الميثاق الوطني للتربية والتكوين والبحث العلمي» أن أقره سنة 2000 (=المادة 170 منه)، كان مندرجاً في سياق تفعيل «مبدأ التضامن الوطني».
ويتعلق الأمر، تحديداً، بتحسين شروط المؤسسة المدرسية العمومية، باعتبارها ركيزة من ركائز تعميم التعليم، وتحسين جودته، ورفع مستوى تعلماته، تحسينٌ يستدعي انخراط الأسر، إلى جانب الدولة والقطاع الخاص والجماعات الترابية، في مجهود التحسين والتجويد.
وبالنسبة للشريك الأسري في التعبئة الوطنية لإنجاح إصلاح شامل وناجع لنظام التربية والتكوين، فإن مساهمته
محكومة بمعايير اجتماعية موضوعية حددتها المواد 173-176 من «الميثاق الوطني للتربية والتكوين والبحث العلمي»، من بينها:
عدم حرمان أحد من «متابعة دراسته بعد التعليم الإلزامي لأسباب مادية محض، إذا ما استوفى الشروط المعرفية لذلك»، (=المادة 173 من الميثاق)؛
«يُراعي في تحديد رسوم التسجيل مدى «يسر» الأسر، بناء على ضريبة الدخل، مع تطبيق مبدأ الإعفاء الآلي للفئات ذات الدخل المحدود، والإنصاف بين الفئات الأخرى» (نفس المادة)؛
الإعفاء التام من أي أداء جديد للأسر ذات الدخل المحدود؛
الإعفاء التدريجي ومراعاة عدم الإخلال جوهرياً بتوازن الميزانية العائلية لدى الفئات ذات الدخل المتوسط، وباعتبار عدد أبناء الأسرة الواحدة المتمدرسين بالتعليم الثانوي. وفي حالة تمدرس متزامن لعدة أبناء الأسرة الواحدة بالتعليم الثانوي، تُعفى هذه الأسرة من الأداء عن التلميذ الثاني والثالث بنسب متدرجة، حسب قدراتها المالية؛
مساهمة الأسر التي تؤدي سنوياً، ويمكن أداؤها موزعة على شهور السنة الدراسية، «تكون مصدر تمويل خاص بالمدرسة ولا يمكن بأي حال من الأحوال التصرف فيها خارج عمليات تدخل ضمن إطار تحسين جودة التعليم بالمؤسسة نفسها، ويُوضع تسيير هذه الموارد تحت مراقبة مجلس التسيير الذي يُمثّل فيه كل من المؤسسة والآباء والأولياء والشركاء والمعنيين الآخرين» (=المادة رقم 75 من «الميثاق»).
وقد حرص المشرِّع، عبر هذه المواد، على تحديد مفهوم «مساهمة الأسر»، وطرقها بشروط تفصيلية تمنعها من الانحياز عن الهدف المحدد لها، بما يصون ويكرس مبدأ مجانية التعليم، باعتباره مبدأ دستورياً يسمو على ما دونه من إجراءات أو قوانين.
ورفعاً للشكوك والهواجس التي يثيرها إقرار مبدأ أداء «رسوم التسجيل» في السلك الثانوي التأهيلي وفي التعليم العالي، يتعين في نظرنا أن تتم إحالة تحديد شروط وظروف تطبيق هذا المبدأ على نص قانوني، وليس على نص تنظيمي كما جاء في المادة 48 من مشروع «القانون-الإطار»، وذلك ليتمكن ممثلو الأمة في البرلمان من تتبع شروط تنفيذ ومراقبة التقيد بمقتضاه، في حدود الأهداف المرسومة له.
ثالثاً: في الرهان الحاسم:
يمكن مقاربة الرهان الحاسم الذي ينطوي عليه مشروع «القانون-الإطار»، من زوايا مختلفة:
(1) فهو قانون تأطيري لإجراءات إصلاح النظام التربوي، من شأن إقراره تجسير الهوة التي ظلت تباعد بين الخيارات والتوجهات والأهداف والبرامج المسطرة من جهة، وواقع بلورتها وتنزيلها عملياً على أرض الواقع من جهة أخرى.
وغني عن الإشارة، فإن هذه المفارقة بين وجاهة التوجهات المقررة، ومحدودية التطبيق لمقتضياتها قد ظلت حاضرة، مرافقة لكل المشاريع الإصلاحية التي طاولت منظومة التربية والتعليم والتكوين على مدى عقود من الزمن.
(2) من جهة ثانية، فإن «القانون-الإطار» يجسد مأسسة فعالة ومنتجة لعملية تنزيل وتنفيذ التوجهات والأهداف الإصلاحية التي أنضجتها أشغال «المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي» في سياق «الرؤية الاستراتيجية» التي باتت تحكم دور ومسار النظام التربوي، بما هو ركن أساسي في استراتيجية التنمية الشاملة والمستدامة، الاقتصادية والاجتماعية والبشرية، للبلاد.
(3) من جهة ثالثة، يشكل مشروع «القانون-الإطار»، معياراً موضوعياً للمساءلة والمحاسبة فيما يتعلق باحترام الالتزامات، وتنفيذ المقررات التي تم إقرارها، وتمت المصادقة عليها في مجال إصلاح المنظومة الوطنية للتربية والتكوين.
ومن هذه الزاوية، فإن «القانون-الإطار» يوفر أداة قانونية فعالة لمساءلة الإدارة التربوية، بل الجهاز الحكومي، عن كل قصور أو تقصير يخص إنجاز الأهداف والبرامج المسطرة التي تشكل موضوع مقتضياته، وتخضع لأحكامه. وهو عنصر بالغ الأهمية بالنسبة لتعزيز شروط الحكامة الجيدة، عبر تطوير أدواتها، وتفعيل مؤسساتها.
وفي هذا الصدد، تلتزم السلطات العمومية، وفق مقتضيات الباب السابع من «القانون-الإطار»:
باتخاذ «التدابير اللازمة لمواصلة تفعيل سياسة اللامركزية واللاتمركزية في تدبير المنظومة على المستوى الترابي (=المادة 40)، وكذا «نقل الصلاحيات اللازمة لتسيير مرافق المنظومة وتحويل الوسائل الضرورية التي تمكن بنيات التسيير الجهوية والمحلية على المستوى الترابي من ممارسة هذه الصلاحيات بكيفية فعالة»؛
كما ينص المشروع على «إرساء استقلالية مؤسسات التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، باعتماد مشروع المؤسسة أساساً لتنميتها المستمرة وتسييرها الناجع»؛
كما تحظى الجامعات والأكاديميات الجهوية للتربية بـ»تعزيز استقلالها الفعلي»، وذلك في «إطار تعاقدي».
رابعاً: في الاختبار ا
إن هذه المقاربة الأولية لمشروع «القانون-الإطار»، من خلال استحضار ملابساته الضاغطة، واستبطان مضامينه الواعدة، ورصد رهانه الحاسم، لنسائل القائمين على الشأن التربوي، وكذا المهتمين بأوضاعه، المنخرطين في دينامية ترقيته، حول ضرورة العمل والسهر على أن يُحدث هذا المشروع قطيعة حاسمة مع المآلات التي عرفتها المشاريع الإصلاحية السابقة، في مادة الأجرأة والتطبيق، ابتداء من وثيقة «الميثاق الوطني للتربية والتكوين والبحث العلمي» (2000)، إلى وثيقة «البرنامج الاستعجالي» (2009)، مروراً بـ «تقرير المجلس الأعلى للتعليم» (2008).
(1)ولما كان الأمل معقوداً على ما يمكن أن يحققه «القانون-الإطار» من نقلة نوعية في مسار الإصلاحات التربوية، باعتبار طابعه الإلزامي بربط التوجه بالتنفيذ من جهة، وبالنظر إلى فداحة الاختلالات البنيوية والتربوية والبداغوجية والحكاماتية، التي ما تزال تشوب جوانب حيوية من النظام التربوي، ليس أقلها:
الاكتظاظ في الأقسام؛
والهدر والانقطاع المدرسيين؛
وتواضع التحصيل المدرسي؛
واستقرار الفوارق المجالية في العرض المدرسي، بين العالم الحضري والعالم القروي؛
واختلال الترابط بين التعليم والتكوين والمحيط الاقتصادي؛
وغياب التكوين المستمر لهيئة التدريس، وغيرها من الاختلالات من جهة أخرى – فإن الواجب الوطني يستلزم التزام اليقظة المجتمعية إزاء ما يتطلبه تنزيل مقتضيات «القانون-الإطار» من إرادية التنفيذ، ورصانة الأداء، واستعجالية الإنجاز.
(2) وفي هذا الصدد، فإن الانكباب على إعداد:
«النصوص التنظيمية» المُفَعّلة لعدد من مقتضيات «القانون-الإطار» (=المواد: 14، 16، 29، 31، 57، 58)؛
ونصوص «المواثيق» التعاقدية (=المواد: 26، 36)؛
ووثائق «الدلائل المرجعية» الخاصة بتحديد «معايير الجودة» (= المادة 54)، وبإسناد «الوظائف والكفاءات» (=المادة 37)، وبتحديد «معايير التوجيه والإرشاد والإعلام» (=المادة 34)، وبـ»الأنشطة التقييمية» (=المادة 35)، وبتحسين وملاءمة «المناهج والبرامج والتكوينات» (=المادة28) – وذلك استكمالاً للمقومات التشريعية والمؤسساتية والتعاقدية التي تشرط تنفيذ «القانون-الإطار» بنجاعة وصدقية – ليستدعي ضرورة توسيع دائرة التداول والحوار لتشمل، فضلاً عن مؤسسة «المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي»، الفاعلين التربويين مركزياً وجهوياً.
(3) إن إسناد مشروع «القانون-الإطار» لدور أكثر انخراطاً للأسرة في مجال الارتقاء بالنظام التربوي، وذلك من خلال إقرار مساهمتها في تمويل المنظومة التربوية – «على قدر استطاعتها» – ليستتبع، حكماً، تعزيز دورها في المشاركة والمراقبة لمشاريع الارتقاء ببنية ومجالية وتجهيزية المدرسة العمومية على صعيد الحي، والمدينة، والإقليم… وهو ما يتطلب مراجعة وتكييف الأنظمة القانونية لـ»جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ».
ومن جهة أخرى، فإن ضخامة الرهان الذي تنطوي عليه مقتضيات «القانون-الإطار»، في مجال تقويم وتطوير وتحديث النظام التربوي، ليستدعي بكل تأكيد إحداث تعبئة قوية للمُدرسين، وللأسر، ولفعاليات المجتمع برمته، فضلاً عن الإدارة المركزية والجهوية للمنظومة التربوية، من أجل دعم الإصلاح، والتفاؤل بنتائجه.
وهو أمر يقتضي نبذ خطاب الأزمة الذي ساد خلال عقود، في ظل مراوحة المشاريع الإصلاحية السابقة، واعتماد خطاب المسئولية والتعبئة الوطنية.
خاتمة
إن تحقيق المشروع المجتمعي لبلادنا، كما أرست مقوماته الأساسية مقتضياتُ دستور البلاد، لا يتأتى إلا إذا تمكنت المنظومة الوطنية للتربية والتعليم والتكوين والبحث من «ترصيد مكتسباتها وتجاوز اختلالاتها، وضمان إصلاحها الشامل، كي تضطلع بأدوارها على النحو الأمثل» (ديباجة مشروع «القانون-الإطار»).
ولا مرية، فإن أهداف البناء الديمقراطي، والإنجاز التنموي، والتحديث المؤسساتي، والازدهار الثقافي، والتقدم العلمي والتكنولوجي، وغيرها من مقومات التقدم والتطور، في عالم اليوم، تظل رهينة بالاستثمار في الرأسمال البشري الذي يعتبر الأساس لأي استثمار تنموي، فكري، واقتصادي وسياسي، واجتماعي ومؤسساتي.
ولما كان جوهر «القانون-الإطار» كامناً في إرساء مدرسة عمومية متجددة، مفتوحة أمام الجميع، «تتوخى تأهيل الرأسمال البشري، مستندة إلى ركيزتي المساواة وتكافؤ الفرص من جهة، والجودة للجميع من جهة أخرى» – فإن مسؤولية حسن تفعيل «القانون-الإطار» بلوغاً إلى تحقيق أهدافه هي مسئولية وطنية بامتياز، تتقاسمها الدولة والنخب والأسر على السواء.
السفير محمد الاخصاصي
الرباط في 8 نونبر 2018