تكشف الترجمات والمعالجات العربية حول الدراسات الاستشراقية عن اختيار النصوص التي تُظهِر الدوافع الاستعمارية للاستشراق. وكثيراً ما ألحّت هذه المعالجات على أهمية المنهج التاريخي كمصدر لمزيد من المعلومات عن علاقة الدول الأوروبية الاستعمارية بالعالم الإسلامي. وكثيراً ما يدلل الباحثون العرب الناقدون للاستشراق بكتابات عميد المستشرقين «برنارد لويس»، والذي نجده يقع في أخطاء عديدة، بما في ذلك عنوان كتابه «أزمة الإسلام»، والأصح «الإسلام وأزمة العصر». وهو مؤلف يخرج عن السياق الصحيح، ويضع اللوم كله على المسلمين، وليس على طرفي العلاقة معاً. كتابات لويس في ظاهرها علمية، وفي حقيقتها سياسية. وهي تقدم للقارئ صورة سلبية عن الإسلام، وكثيراً ما اعتبر الكتابُ العربُ أنها تخدم الموقف الصهيوني وأصوله الدينية، كما خدمت المخابرات العسكرية البريطانية أولاً، ثم الأميركية ثانياً. ووفقاً للويس، فإن المسلمين لا يفهمون إلا القوة والحزم. وهم -حسب زعمه- إرهابيون متعصبون، معادون للسامية ولأميركا.. يكرهون الآخر، ويعتبرونه كافراً يجب قتاله (!). وفي زعمه أيضاً أن الإسلام والمسيحية نقيضان، وأن المسجد الأقصى لليهود، وأنه هيكل سليمان، ولا صله للمسلمين به.
وكثيراً ما ربط بعض الدارسين العرب للاستشراق بينه وبين احتلال الجزائر عام 1830 ثم الغزو الأميركي للعراق (2003)، ولأفغانستان (2001)، ويقولون الشيء ذاته عن الغزوات الإسرائيلية للبنان وغزة، واستمرار الاحتلال الصهيوني لبقية فلسطين والجولان السوري.
والواقع أن الاستشراق منذ بداياته مع رحلات المغامرين والمستكشفين الجغرافيين الأوائل، لم يخل من تحيزات واضحة، وكأن العالم لم يكن موجوداً قبل هبوط الرجل الأبيض عليه، في خلط بين المعرفة والوجود: «الكوجيتو الديكارتي». لقد بدأ هوس تخيل الشعوب والمناطق، طبقاً للأساطير الشعبية حول بغداد والقاهرة ودمشق.. ووقعت النخبة في أوهام الليبرالية، وصعدت الأصولية الإسلامية بتشجيع من هذا التوجه أو كرد فعل عليه. وفي مرحلة أخرى برز السلام مع إسرائيل، وعادت الموجات الجديدة للتدخلات الأجنبية على أكتاف الاستشراق الجديد، وبرز مفهوم «الشرق الأوسط الجديد» في سياق الحملة ضد أسلحة الدمار الشامل المحرمة على العراق.. وذاعت أساطير ما بعد الاستشراق، وبدأت تتحقق أهداف المرحلة الجديدة بتفتيت العراق واليمن والسودان والصومال.. والسعي نحو تفتيت بلدان عربية أخرى.
وعمل بعض المستشرقين الجدد في الإعلام لخلق بعض الأساطير الجديدة، حتى ولو كان الثمن أمن المجتمعات وتنميتها وحرياتها العامة. لقد أصبح المستشرق شخصية أدبية يمكن رسم ملامحها، فهو يعرف اللغة العربية والثقافة الإسلامية، ويقدم خدمات استشارية للدول الكبرى.
وكثيراً ما عَكَس الاستشراقُ «الصراعَ» بين الشرق والغرب، بل كثيراً ما كان الواجهة والخلفية الفكرية لهذا «الصراع» الزائف. كان المستشرقون القوة العلمية التي ساندت القوة العسكرية الغربية على مر العصور. وظل الهدف واحداً وإن تغيرت المناهج وطرق العمل.
استفاد الاستشراق من الاستعمار الأوروبي الذي وفّر له كل ما يريد من خدمات، فاستحوذ على الثروات الفكرية للبلدان الإسلامية، حيث قام المستشرقون بجمع المخطوطات والآثار، وأحيوا المذاهب والأعراق واللهجات تحت ستار الموضوعية والمنهجية والعلمية والحياد، وأنشئت لهم المراكز والجامعات.. فيما كان المسلمون منبهرين بحضارة الغرب.
ووفقاً لبعض الدارسين العرب، فإن العلاقة بين الاستشراق والتبشير مثل العلاقة بينه وبين الاستعمار، حيث شارك بعض المستشرقين في مؤتمرات التنصير مثل كينيث كراج الذي برز خلال أحد مؤتمرات التنصير عام 1978، بالاعتماد على قوة الشبكة التي تقودها الولايات المتحدة في أرجاء أفريقيا وآسيا، مع الاتجاه إلى الأوساط الشعبية واستعمال كل الوسائل الممكنة، من نشرٍ وإعلام وإذاعة لتحقيق الغرض.
وأحياناً يصبح الاستشراق سبب كل داء حسب منتقديه العرب، فهو المشجب الذي تعلّق عليه جميع مآسي الأمة! ولكي يصح ذلك تصاغ عناوين كبرى مثل: «تغريب العقل التاريخي العربي»، و«نقد العقل التاريخي».. عناوينٌ تهويلية ضخمة، مثلها مثل ألفاظ أضخم أخرى من قبيل «الاستلاب».. تعكس معلومات متناثرة من تاريخ الفلسفة الإسلامية والغربية.