لنقلها منذ البداية، اتفاقا لا نفاق فيه:
الحكمة اليوم تقتضي بأن نتعامل بتؤدة وتأن مع غضب التلاميذ، حتى لا يلتحق بهم أهاليهم، كما وقع في منتصف الستينيات، فوقع الذي وقع، والذي لزم المغرب نصف قرن لكي يملك الشجاعة لإخراجه من الأرشيف الدامي للأمة ومن ذاكرتها المثخنة.
ولنقلها منذ البداية الثانية :
للذين يرون في الغضب التلاميذي أياد خفية، وجهات تريد أن تقوض المعنويات الوطنية أو محبي حرائق يعشقون النفخ في النار،
نقول إن هذه هي المقدمات غير الموفقة، وهي المقدمات التي عادة ما يدخل منها شيطان الفتنة، تحت لبوس الخوف على الأمن العام
وعلى السلم العام وعلى المغرب …العام!
إنه في أحسن الأحوال جواب قديم على سؤال جديد
وجواب بارد على حرارة جديدة
وخوف متجاوز على سلاسة جديدة..
نحن أمام غضب تلاميذي، لا يحتاج جدول الأبجديات القديمة للتعريف عن نفسه:
فهو تعبير عن مزاج يعتري الكثيرين منا، كما أنه يخترق الفئات والطبقات بهذا القدر أو ذاك، في المجتمع ..
والواضح أنه تعبير يرافق الشعور العام إزاء المدرسة الوطنية بالشكل الذي نعرفه جميعا:نحن نرى الغضب ينضاف إلى موجة يأس من مستقبل التعليم ومن تراجعه ومن عجزه الذي يقر به الجميع ونجرب فيه كل أشكال التجديد والتفكير والمواقف.
لا أحد يمكنه اليوم أن يدافع عن جدوى التربية، ونحن نرى الجميع يرسم لها لوحة أو سبورة كاملة السواد.
وفي خضم هذا يمكن فهم هذا الشعور الذي يحرك التلاميذ، ويبحثون بالغضب عن شكل من الأصوات التي تكون فيها الساعة توقيتا لضبط زمن آخر أكثر تعقيدا وتشابكا من الدخول والخروج…
الجيل الذي غضب من دورية وزير التعليم السابق عباس التعارجي وخرج إلى الشارع في ظروف احتقان سياسي واجتماعي رهيبة، كان أمام فسحة واسعة من الأمل في المدرسة الوطنية…، وربما غضب لأنه كان سيحرم من هذه الفسحة الاجتماعية للارتقاء وتغيير الأقدار الفردية، وهو عكس بل أكثر من هذا الجيل الذي يصادفه اليأس منذ العتبة الأولى، إلا بنسب قليلة نعرفها جميعا..
نحن مجتمع عاجز عن توفير قدر آخر للتلميذ والتلميذة بالتربية، ونعلن له ذلك صباح مساء، فلا يمكن أن نعاتبه إذا كان يعبر عن غضبه من إحدى اللحظات التي نملك الرد والقرار فيها….
يجب أن نكون مدينين لهم لأنهم لم يخرجوا لكي يعلنوا أنهم يكرهون مدرستنا
ويكرهون سياستنا
ويكرهون المستقبل الذي نعده لهم
يجب أن نشكرهم لأنهم خرجوا فقط من أجل التوقيت لا من أجل المستقبل كله!
إنهم يلعبون معنا في الحد الأدنى فقط، فلا تذكروهم بما هو أخطر وما هو أشرس وما هو أصعب، وأنتم تتحدثون لغة العفاريت الجدد والساحرات الجديدات..
لا تعلموا أبناءكم، بل تعلموا منهم الآن، كيف يمكنهم أن يردوا عنهم التهمة بأنهم لا يأبهون للدراسة ولا لظروف الدراسة..
وأنهم غير معنيين بما يمسهم!
إنهم هنا، ليذكرونا بأن التلاميذ ليسوا كتلة بلا إحساس ..
وأنهم واقعيون للغاية، عندما يطالبوننا بأن نغير ما نستطيع أن نغيره لا أكثر!
إنهم يعلموننا ركوب الحاضر
وركوب الممكن لا المستحيل..
وإذا لم نقدم الدراسة حول التوقيت لجيل الدراسة
فلمن سنقدمها؟
وإذا لم نقنع بالدراسة تلاميذ الدراسة
فمن سنُقنع بها؟
وإذا لم تدخل الدراسة فصول الدراسة
فلأي شيء تسمى دراسة؟
أيها السادة لا تعلموا أبناءكم، بلغتنا المألوفة والراجفة، ما لستم مقتنعين به، بل تعلموا منهم ما يجب أن ينفعنا جميعا!