التعريف :
التعبيرية مدرسة اهتمت بالرسم كما اهتمت بضروب الأدب والفنون الأخرى مثل المسرح السينما وفن العمارة والموسيقى وغيرها. كما تدخل اهتماماتها في نطاق مذهب الفلسفة التجريبية. وهي تستهدف في المقام الأول، التعبير عن المشاعر أو العواطف والحالات الذهنية التي تثيرها الأشياء أو الأحداث في نفس الفنان أو الأديب. أو بتعبير آخر إن هذه المدرسة تتجه في أعمالها إلى تسجيل القيم المعنوية أكثر من تسجيل الأحداث الواقعية. فعند الفنان أو الأديب التعبيري تُحذف صور العالم الحقيقي, بحيث يسعى المبدع مجتهداً في هذا الحذف إلى خلق حالات من التلاؤم بين ما يشاهده من أشياء وبين مشاعره وعواطفه وأحاسيسه الذاتية.
ثمة تقنيات عديدة لإنجاز العمل الفني التعبيري لا يمكن الإحاطة بها في هذا المقال, لكننا سنتوقف عند أبرزها في فن الرسم على سبيل المثال, حيث يقوم الفنان هنا باصطناع الخطوط القوية والمغايرات والمثيرة, كما يقوم بتشويه الأشكال, وتكثيف الألوان الحقيقية المستوحاة من الواقع باستعمال الضربات العنيفة للفرشاة، وخلق فضاء من المتضادات اللونية، والخطوط الحرة القوية التي تعبّر عن مشاعر الفنان الداخلية بما فيها من عنف وتوتر وانفعال.
والفنان التعبيري بشكل عام وفق هذه التوجه الفني, يرفض مبدأ المحاكاة الأرسطية في التعبير الفني او الأدبي, حيث يأتي الفن والأدب والنثر في هذه المحاكاة مساوياً في طبيعته مع ما يمكن تسميته بالمعارف الانتاجية, التي تعني بصنع الأشياء ، بما في ذلك بناء البيوت والحصون، وصناعة الملابس والزجاج ، بل كل ما يمكن أن ينتجه الإنسان ومنه القصائد وفن النحت و الخطب وغير ذلك. أما التعبيرية فهي نظرة تجد في مهمة الفنان القدرة على خلق ما عجزت الطبيعة عن خلقه أو إيجاده, وهي مهمة لا ينحصر دورها في إمدادنا بصورة مكررة لما يحدث في الطبيعة, وإنما تنحصر في العمل على تعديل الطبيعة وتبديل الواقع وتنقيح الحياة وفقاً للمشاعر والعواطف والأحاسيس الذاتية التي يعيشها الفنان أو الأديب.
وهي مدرسة ترفض أيضاً الانطباعية، كون الفنان أو الأديب التعبيري كما قلنا يعطي فيه للتجربة بعداً ذاتيًّا ونفسيّاً, وذلك على عكس الانطباعية التي تركز على التعبير عن الانطباع الخارجي للذات.
اتجاهات المدرسة التعبيرية:
1- الاتجاه التطبيقي: ويقول أصحاب هذا الاتجاه: إن مهمة الأدب أو الفن هي تنشيط عقل الإنسان ووجدانه، ومنعهما من الركود والبلادة، وليس مجرد تقديم صورة لما يراه الإنسان بالفعل في حياته اليومية المباشرة .
2- الاتجاه اللاعقلاني: ويقول أصحاب هذا الاتجاه إن المعقول هو ما اتفق عليه الناس، وعلى الأدب والفن أن يعالجا ما لم يتفق عليه الناس بعد.
المرتكزات الفكرية للمدرسة التعبيرية :
يتركز هدف الفن التعبيري إذاً على التجسيد الموضعي الخارجي للتجربة النفسية المجردة، عن طريق توسيع أبعادها وإلقاء أضواء جديدة عليها، لكي تكشف عن الأشياء التي يخفيها أو يسكت عنها الفنان أو الأديب, أو التي لا يستطيع رؤيتها لقصر نظره. كما تعمل على تجسيد جوهر الأشياء، دون إظهار خارجها، ولذلك فهي لا تعترف بأن هناك تشابها بين الظاهر والباطن. والهم الإنساني في المدرسة التعبيرية هم جمعي وليس فردياً. ولذا فإن الشخصيات في الأدب والفن التعبيري تتحول إلي مجرد أنماط أكثر منها أناساً من لحم ودم. وأحياناً تتحول إلي مجرد أرقام أو مسميات عامة تتميز بالمحدودية وضيق الأفق . فالشخصيات في الفن والأدب التعبيري هي شخصيات مازومة نفسياً وعاطفياً. وبالتالي من هنا نجد أن اللامعقول في المدرسة التعبيرية يعتبر الوجه الآخر للسريالية لكنه أقل تكثيفا وغموضاً في عرض الأشياء, فالاتجاه اللاعقلاني يعد ثورة على منطق الحياة وعلى العقل، لذلك لا يخضع لقواعد الفن. ويعتقد بأن الحياة في جوهرها وفي حقيقتها التجريدية شيء لا معقول أي غير مفهوم وغير قابل للفهم أو للتفسير.
على العموم نستطيع القول هنا: إن المدرسة التعبيرية هي حركة أدبية وفنية سادت في ألمانيا وامتدت إلى باقي الدول الأوربية. ظهرت منذ عام 1910, وانتشرت كمدرسة مع الحرب العالمية الأولى وبعدها. وهي من أمراض العصر الحاضر أيضاً المملوء بالقلق واليأس من الحياة، مثلما هي نظرة إلى المصير المظلم الذي ينتهي بالموت والضياع والتفكيك.
تعتبر الإرهاصات الأولية للمرحلة الامبريالية، إضافة لما تركته الحربان العالميتان الأولى الثانية, من دمار في الأرض، وفي النفوس والأفكار, الحاضن الحقيقي للاتجاه اللاعقلاني في مدارس ما بعد الحداثة, حيث كان اليأس والتشاؤم والقلق هو الغالب على أدب وفن هذه المدارس ومنها التعبيرية.
أما البعد السياسي العام في المدرسة التعبيرية, فقد كانت ثورة على مجتمع تسوده أخلاق زائفة، ورفاهية تعتمد على الاستغلال في الإنتاج الصناعي. وهذا ما دفع أدباء وفناني التعبيرية للوقوف ضد التقدم التكنولوجي, وانتقاد الوضعية في العلوم، ونظروا بعين الشك إلى النزعة الوطنية والعسكرية، وآثارها الاجتماعية السلبية بسبب التحولات السياسية الخطيرة التي تحولت فيما بعد إلى حقيقة مخيفة, تمثلت بظهور الفاشية والنازية، عندما نشبت الحربين العالميتين وما تركته من أثار تدميرية نالت كل شيء في حياة أوربا والعالم الثالث.
* د. عدنان عويد كاتب وباحث من سورية
المراجع:
1- – ويكيبيديا، الموسوعة الحرة)
2- النزعة التعبيرية في الأدب والفن.. الذاتية المفرطة – موقع العرب .
3- المدرسة التعبيرية. موقع الفن بالعربي – إعداد/ أسماء كحيل.
إشراف/ د. لينا القطان.
4- التعبيريـة – موقع صيد الفوائد – إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
5- المدرسة التعبيرية – موقع ما يوز.
6- المدرسة التعبيرية – منتديات ورد للفنون.
7- مفهوم المحاكاة في الفن عند أرسطو – محمد الشبة – نشر في جريدة الاتحاد الاشتراكي يوم 14 – 12 -2010.