من الملاحظ أنه كلما تفجرت بعض الفضائح أو القضايا السياسية، التي غالبا ما يكون أبطالها من الحزب الحاكم أو التابعين له، يأبى الشيخ أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية، ونائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إلا أن يخرج من دائرة الظل ويحشر أنفه فيها، مطلقا العنان للسانه في تفجير كرهه ضد من يختلفون مع “الإخوان” في الرأي والمرجعية، مما يثير حوله أمواجا كثيرة من السخرية والسخط.

وقد جاء هذه المرة يعتمر قبعة خبير في تفكيك خيوط المؤامرات السياسية، بعد تخلصه من عباءة الفقيه المقاصدي الذي ظل يوزع بسخاء فتاويه المريبة. ويتعلق الأمر هنا بقضيتي كل من رفيق دربه القيادي بالحزب الإسلامي وأحد مؤسسي ذراعه الدعوية ووزير الشغل والإدماج المهني محمد يتيم، الذي ظهر في شريط فيديو يتجول رفقة “مدلكته” بأحد شوارع باريس، مدعيا أنها خطيبته التي سيتزوجها فور إنهاء إجراءات الطلاق من أم أبنائه. والصحافي السعودي المقيم بالولايات المتحدة الأمريكية جمال خاشقجي، الذي اختفى فجأة في تركيا. إذ اعتبر أن القضيتين معا يربطهما خيط رفيع، يتمثل في توظيف الخطيبتين لجر الرجلين إلى الفخين اللذين نصبا لهما بدقة.

فخلافا لموقف حركة التوحيد والإصلاح التي نبهت “يتيم” إلى فداحة فعله عبر بلاغها الرسمي، مؤكدة على وقوعه في أخطاء مرفوضة، أدت إلى الإخلال بضوابط الخطبة وحدودها، وتصرفه بما لا يليق بمقامه، واضعا نفسه في مواطن الشبهة. خرج علينا الريسوني كعادته بمقال على موقعه الإلكتروني تحت عنوان: “خطيبتان من نوع جديد !”، يظهر إلى أي حد أن الرجل يعاني من اضطرابات حادة أفقدته بلا ريب القدرة على التمييز بين الأشياء، وجعلته يرى في من وصفهما بالشخصيتين السياسيتين البارزتين والمؤثرتين، مجرد ضحيتين دفعا ثمنا باهظا ومهرا فادحا لخطيبتين تعيشان في أمن وسلام !

وبهذا المنطق العجيب توصل إلى أن خطيبة “يتيم” ساهمت في توريطه، بالتقاط صور لهما بأماكن مختلفة. فيما نجحت خطيبة “خاشقجي” في عملية تيسير استدراجه إلى تركيا، بدعوى إنجاز وثائق متعلقة بالخطبة والزواج، ومن ثم الزج به في غياهب المجهول بعد دخوله سفارة بلاده بإسطنبول خلال يوم ثاني أكتوبر  2018.

قد نتفق معه هنا على أن “خاشقجي” فعلا شخصية سياسية بارزة ومؤثرة، إذا ما علمنا أنه صحافي مرموق يكتب ويفسر أفكاره بكامل الحرية في منصة منحتها له صحيفة “واشنطن بوست”، وهي إحدى كبريات الصحف الأمريكية، وإلا ما كان ليلقى مثل هذا الاختفاء القسري الغامض، الذي وقف أمامه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حائرا. بيد أن ما لا يمكن استساغته، هو محاولة إيهام الناس بأن الخطيبتين ليستا سوى امرأتين مسخرتين أو “جاسوستين”، وهو ما ينم عن تبخيس صارخ لقيمة المرأة واحتقارها. ثم الزعم بأن “يتيم” شخصية سياسية هامة، والحال أنه معروف فقط بخرجاته المشؤومة التي طالما ووجهت بانتقادات لاذعة، حتى صار “كبار” الحزب والحركة يطالبونه باستمرار بلجم لسانه، خاصة أنه مازال عاجزا عن التدبير الجيد للقطاع الموكول إليه. أفلا تحمر وجنتا “العلامة” الكبير من اللجوء إلى التبريرات والتلفيقات البائسة ومحاولات التمويه اليائسة، كلما افتضح أمر أحد من إخوانه المتأسلمين أو من المريدين والأتباع المطيعين ؟ !

من المؤسف أن يتقلب شخص بيننا في مناصب مهمة وتصدر له عدة مؤلفات، دون أن تفيده في الارتقاء بفكره والتحلي بالحكمة والرصانة والتعامل الموضوعي مع الوقائع، وعدم التسرع في إصدار الأحكام الجزافية والانحياز لجهة ضد أخرى. ألم يكن حريا به ترك الشأن السياسي لمن هم أدرى بشعابه والتفرغ إلى قضايا أخرى في مجاله الديني، عوض الاستمرار في إطلاق الكلام على عواهنه؟

فالريسوني هو ذات الشخص الذي خرج معارضا الرأي العام الوطني في فضيحة ما سمي ب”الكوبل الحكومي”، التي لم يكن بطلاها سوى القياديين بحزب العدالة والتنمية، حبيب الشوباني الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، وسمية بنخلدون الوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي، اللذين أثار افتضاح علاقتهما الغرامية جدالا واسعا، وأعفيا بسبب ذلك من حكومة ابن كيران. حيث سارع إلى تهنئتهما عن استعفائهما ووضعهما حدا للحملة القذرة التي استهدفتهما وولغت في عرضيهما. فأي قذارة أكثر من تطليق زوجة من زوجها بطرق وضيعة، وجعل تاريخ ميلادها يوما وطنيا للمجتمع المدني؟

ومن غيره هاجم مصالح الفرقة الوطنية التي ألقت القبض على القياديين البارزين في حركة التوحيد والإصلاح، عمر بنحماد وفاطمة النجار، إثر مباغتتهما في حالة تلبس بممارسة الجنس داخل سيارة بشاطئ المنصورية ضواحي مدينة المحمدية، ألهبت مواقع التواصل الاجتماعي في صيف 2016 ومتابعتهما بتهمة “الخيانة الزوجية والفساد”. إذ ادعى ثانية أنهما لم يكونا يعملان سوى على تدبير أمر زواجهما بطريقة شرعية، بعد أن كانا عمدا مضطرين إلى إقامة زواج عرفي مؤقت؟

أما في ما يرتبط بقضية توفيق بوعشرين مدير نشر جريدة “أخبار اليوم”، المتهم بعدة جرائم جنسية ثقيلة بلغت حد الاتجار بالبشر، فقد اعتبرها الريسوني مجرد قضية سياسية مخدومة، وأن النسوة الضحايا ساهمن أو استعملن في اغتصابه، في أمنه وعرضه، وحريته وكرامته ومهنته، مشككا في صحة اغتصابهن والاتجار بهن !

إنه لمن السذاجة استمرار الريسوني في الاستعلاء ورفض الرأي الآخر وعدم الاعتراف بالخطأ، والاعتقاد الواهم أن المغاربة بالغباوة التي يتصورها عنهم، وأنه من السهل بمكان تضليلهم عبر مقالاته المفبركة والرامية إلى  محاولة لي عنق الحقيقة وطمس معالمها في عديد الفضائح والقضايا…

 

  الثلاثاء : 16 أكتوبر 2018.

‫شاهد أيضًا‬

باب ما جاء في أن بوحمارة كان عميلا لفرنسا الإستعمارية..* لحسن العسبي

يحتاج التاريخ دوما لإعادة تحيين، كونه مادة لإنتاج المعنى انطلاقا من “الواقعة التاريخ…