يلاحظ متتبعو مجريات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط أن الغرب السياسي قد أصبح اليوم طرفا في لعبة الصراع على السلطة الذي حكم التاريخ العربي الإسلامي، بل إنه يشارك في هذه اللعبة حفاظا على مصالحه الإستراتيجية في هذه المنطقة عن طريق الهيمنة عليها والاستئثار بخيراتها..
ويدل هذا على أن الإسلام، في نظر الغرب السياسي، ليس إلا أداة، حيث لا يهمه أن يكون هذا الإسلام دينا، أو ثقافة، أو حضارة، لأن ما يهمه في المقابل هو: كيف يمكن توظيف الثقافة العربية الإسلامية القبلِية والطائفية لخدمة إستراتيجته في هذه المنطقة عبر تفتيت كياناتها بغية الهيمنة على خيراتها الطبيعية؟ تلك هي المسألة.
ويحدث كل ذلك لحماية منابع البترول ومواجهة المد الصيني والوقوف في وجه زحف روسيا…
ما يثير الاستغراب هو أن الغرب السياسي يدَّعي أنه يتدخل في الصراع على السلطة بهذه المنطقة بوازع حماية حقوق المسلمين في المقام الأول…. وما يثير السخرية، بل وحتى الشفقة، أن بعض المسلمين يصدقون خطابه هذا، بل منهم من يعشق التحالف معه ويموِّلُ خططه في المنطقة، رغم أنه أصبح واضحا اليوم أن الغرب السياسي يزدري هذه الحقوق ويشجع انتهاكها عبر جعل مجتمعات هذه المنطقة تقتل بعضها البعض، وتفتك ببعضها البعض الآخر، بل وتفجر وطنها، أو أوطان جيرانها، وتضرب وحدتها وتفتتها….
لذلك، يشكل سلوك الغرب السياسي هذا تجاه العرب والمسلمين ضربا من النفاق لا يتردد بعض المفكرين في اعتباره استعمارا ثقافيا لهذه المنطقة بسلاح جديد هو توظيف ثقافاتها الموغلة في النزعات التقليدية لتدميرها (أدونيس).
هكذا تحوَّلت حياة مجتمعات الشرق الأوسط إلى ظلام القرون الوسطى، حيث باتت هذه المنطقة غارقة اليوم في الصراعات الطائفية والقَبَلِية، ما ينذر بتشظيها، بل وحتى بانقراضها…
وهذا ما يفسر تحوّل العمل السياسي في الشرق الأوسط إلى ممارسة من أجل الاستيلاء على السلطة يفضي فقط إلى استبدال سلطة بسلطة سياسية أخرى تُمارس الطغيان والفساد الذي كانت تمارسه سابقتُها. وهذا ما لاحظه دارسو التحولات التي طرأت على هذه المنطقة نتيجة لما سُمِّيَ ب”الربيع العربي” الذي حَوَّل كيانات بعض البلدان إلى رماد وحطام.
لذلك، يستحيل أن يحدث أي تغيير ديمقراطي في هذه المنطقة إذا استمر العمل السياسي على حاله، وإذا لم ترتكز الممارسة السياسية في هذه المنطقة على التغيير الجذري للثقافة القبلية والطائفية التي تحكم البنية العميقة لمجتمعاتها…