أعلن المغرب تجاوبه مع رسالة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، هورست كوهلر، للمشاركة في اللقاءات القادمة حول الصحراء، في بداية شهر دجنبر.
وما كان للمغرب إلا أن يتفاعل إيجابيا مع هذه الدعوة، من منطلق الموقف المغربي المبدئي والواضح من إطلاق دينامية جديدة،… وهي الدينامية التي وردت، أولا في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ثم بعدها في قرار مجلس الأمن 2414 ، والذي نص على
-دعم مجلس الأمن الكامل لنية الأمين العام ومبعوثه الخاص على إعادة إطلاق المفاوضات بروح دينامية جديدة وروح جديدة بهدف التوصل إلى حل سياسي مقبول من الطرفين..
-الدعوة إلى استئناف المفاوضات تحت رعاية الأمين العام….
وقد كان المغرب قد استقبل تقرير الأمين العام وقرار مجلس الأمن قبولا حسنا، وعليه فإن التجاوب مع دعوة كوهلر تحصيل حاصل إلى حد الساعة..
كذلك تعتبر الدعوة، عودة مسلسل الحل إلى منطق «التفاوض». ليسقط بذلك كل التلويح الذي اشتغلت به الجبهة والجزائر في تفجير المنطقة والعودة إلى السلاح و..و…و..، وغير ذلك من الحروب الدعائية التي تبخرت مع بداية الجد والعمل الأممي..
لكن هناك، “لكن” في التجاوب المغربي..
إذن هذا القبول لا يعني البتة شيكا على بياض أو جبرية ديبلوماسية تفرض على المغرب أن يقبل بأي عرض ، وأية شروط للجلوس إلى مائدة التفاوض.. ولعل أول عنوان كبير لهذه المائدة المستديرة التي دعا إليها كوهلر هو أنه «لا بد من أخذ الدروس من التجارب السابقة»، أي من كل «المفاوضات» التي تمت من مانهاست إلى …..مانهاست والتي انتهت إلى الفشل وانتهت بالفشل!
ولكي يتفادى المجتمع الأممي أفقا مثل هذا، هناك شروط ضرورية للإنجاح:
أولا : من الذين سيجلسون إلى مائدة التفاوض؟
وأي جدول أعمال سيكون موضوع الحوار؟
وثالثا : أي أفق لهذه المفاوضات بحد ذاته؟
بخصوص الجالسين حول مائدة التفاوض ، أي الأطراف التي سيشتغل معها المغرب، وقبله الأمم المتحدة لإيجاد حل.. ويتعلق الأمر بالدول المعنية مباشرة بالقضية، وليس القناع الذي يتم من خلاله الحديث عنها.
وقد سبق للمغرب أن وضع الشرط الضروري وهو التوريط السياسي السلمي للجزائر في البحث عن حل كما ورطت نفسها، سياسيا وحربيا في البحث عن المشكل..
وبالنسبة لهذه النقطة يسجل أنه تم احترام الموقف المغربي، حيث أن الدعوة التي تم توجيهها إلى الجزائر، لا تستدعيها باعتبارها دولة جارة، بل هي حاضرة باعتبارها طرفا، كما يتضح من لغة الرسالة الواضحة :«أدعوكم لحضور طاولة مستديرة..»، وأيضا من خلال وضوح المرسل إليه وسياق الرسالة، إذ أنها «نفس الرسالة التي وجهت إلى الجزائر والبوليزاريو وموريتانيا..«.
لا غبار على طبيعة الحضور الجزائري ، من خلال هاتين القرينتين..
تبقى نقطة أساسية هي جدول أعمال المائدة المستديرة:
لتحديد هذا الجدول، ينحو المغرب نحو طرح السؤال حول الأرضية التي يقوم عليها هذا الحوار أوالتفاوض..
ويملك المغرب الوقت الكافي ليحدد الموقف ، من تاريخ توجيه الرسالة إلى حدود بداية دجنبر حيث يفترض انعقاد هذه المائدة التفاوضية:
أولا: الأمر يتعلق إلى حد الساعة بمائدة للتفاوض حول التفاوض، بمعنى أن الاطراف ستتفاوض أولا حول جدول الأعمال والأفق الذي تسير فيه المفاوضات، فإذا تعذر عليها الاتفاق حول جدول الأعمال، وحول طبيعة المشاركين وحول الأفق المقترح ، فلن تنعقد هذه المفاوضات، وبالتالي ”مادرنا فالطاجين ما يتحرق”، بالرغم من كل شيء..
هذه لحظة استهلالية لا غير..!
استهلال للمفاوضات أو المفاوضات حول المفاوضات..
هي لحظة لكل واحد الفرصة لتقييمها..من زاوية مصالحه..
وللمغرب أن يطلب الأجوبة عن الكثير من الاسئلة ، ومنها:
هل هناك إرادة حقيقية للبحث عن حل؟ أم نحن أمام تاكتيكات جديدة تفضي إلى العبث؟
هل نعيش نفس الأجواء السابقة التي طبعت المفاوضات التي عرفتها القضية؟
فإذا ثبت أن العبث أو التكرار هو منطق هذه المفاوضات، سيكون على بلادنا أن تعلن بوضوح : «ما لاعبينش»…!
ومجمل القول : هاته اللحظة التي تنعت بالمفاوضات حول المفاوضات لها ما بعدها: لا بد منها، لتحديد الموقف واتخاذ القرار… حول الرد النهائي عندما يصل اللقاء.
بالنسبة للأفق الذي يجب أن تشتغل فيه الآلية الديبلوماسية الأممية..
أول شيء:لا يمكن للمغرب أن ينخرط في أفق أعلنت الأمم المتحدة نفسها أنه أصبح متجاوزا ومتعذرا، ألا وهو العودة إلى أسطوانة الاستفتاء.
ولعل القرار الأممي المذكور أعلاه كان واضحا ، قدر المستطاع عندما رسم طريقا يتجاوز منطق إنشاء المينورسو سنة 1991، باعتبارها بعثة لتنظيم الاستفتاء ، وبدأ يتحدث عن تاريخ جديد غير تاريخ بداية تسعينيات القرن الماضي.
فقد ورد فيه حرفيا أنه « يدعو الطرفين إلى استئناف المفاوضات تحت رعاية الأمين العام دون شروط مسبقة وبحسن نية، مع مراعاة الجهود التي بذلت منذ عام 2006 والتطورات اللاحقة من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من جميع الأطراف التي تنص على تقرير المصير»..
وعليه ما يطرح الآن، هو أي معنى لتقرير المصير ، يتماشي مع ما تم تحقيقه منذ 2006 ولعل أهم ما فيه هو مقترح الحكم الذاتي..
بالنسبة للجزائر، لم يعد مطلوبا من الأمم المتحدة أن تقبل لعبة الظلال اليابانية، وتسلم بعودة الجارة الشرقية إلى مواقفها السابقة :التفرج أمام الأمم المتحدة ، والتذرع بالحياد وغير ذلك مما تعاكسه حقائق الواقع والديبلوماسية والاستراتيجية، بل يجب اختيار الموقف نحو الحل .. بكامل الوضوح!