تُرَوِّجُ مُختلِف وسائل الإعلام في السنين الأخيرة مصطلحات إسلامية ينبغي إخضاعها للتحليل والنقد لكشف ما تنطوي عليه من زيف ومغالطات. ومن هذه المصطلحات التي كثر استعمالها إعلاميا نجد: “الإسلام السياسي”، و”الإسلام المعتدل”. في الواقع، لا يوجد “إسلام سياسي”، لأن الإسلام هو دينٌ أوَّلا وقبل كل شيء. وما دام الأمر كذلك، فلا يجب إقحامه في الحديث عن الشؤون السياسية والاجتماعية والثقافية، ثم نعته بالـ “سياسي” أو الـ”معتدل”.
وإذا قبلنا بجواز وصف الإسلام بأنه “معتدل”، فسيترتب عن ذلك أيضا وجوب قبول وصفه بكونه “متطرفا”، أو “منغلقا”، لأنَّ نعت الإسلام بالصفة السابقة هو تمييز له عن إسلام آخر يفترضُ أن يتصف بعكسها. هكذا يتم اليوم في الشرق الأوسط إدخال الإلهي والقدسي في الصراع السياسي، وتحويله إلى إيديولوجية عنفية، إذ نصبح أمام إسلام سياسي وسياسة غير إسلامية، ما يضفي على الأولى هالة القداسة ويفرض قبولها والخضوع لها، في حين يلصق بالثانية صفة الدنس فيتعين رفضها ونبذها والابتعاد عنها….
وما معنى “الإسلام المعتدل” بالنسبة لمدنية المجتمع؟ وما معناه بالنسبة للفكر أو الفنون أو حياة الجسد؟ ومن يشرع درجة هذا الاعتدال ويحدد مساحته؟ وهل يتدخل الشرع في هذا الاعتدال، عندما يتعلق الأمر بالمرأة، أو بالآخر، وحتى بالمسلم الذي يرغب في الانخراط في عالم المدنية؟ وكيف يتم ذك؟ وما هي آلية ذلك؟ وما طبيعتها؟
الإنسان قابل للوصف. ومادام المسلم بشرا، فهو قابل للوصف إيجابا أو سلبا. والإسلام دين، والدين لا يوصف إلا باسمه.
لقد تم استعمال مصطلح “الإسلام السياسي” لإقحام الدين في السياسة وتسييسه، وتوظيفه في الصراع السياسي الاجتماعي بغاية إقصاء الآخر والمرأة ورفض الانفتاح والتغيير والتطور…. وكل ذلك من أجل الصراع على السلطة بهدف الاستيلاء عليها عنفا.
لقد كانت مسألة السلطة عبر التاريخ العربي الإسلامي مشكلة كبرى، وشكل الصراع حولها أساس انقسامات وفتن وقيام مذاهب متناحرة؛فمنذ حروب الإسلام الداخلية، بدءا من عهد الخلفاء الراشدي، ومرورا بالعصر الأموي والعباسي والأندلسي والعثماني وسقوط الخلافة العثمانية، وصولا إلى ما يحدث اليوم من عنف واقتتال في منطقة الشرق الأوسط.
وفِي ظل هذا الصراع الناجم عن الهوس بالسلطة في هذه المنطقة،نلاحظ اليوم دخول قوى غربية في هذا الصراع على السلطة في الشرق الأوسط، وذلك بهدف المشاركة في لعبة السلطة في هذه المنطقة بغية الهيمنة عليها لخدمة مصالحها الإستراتيجية الخاصة . لذلك لا يجب النظر إلى الماضي بصراعاته واقتتالاته وطوائفه وقبائله باعتباره نموذجا للاحتذاء ومرجعا للحاضر والمستقبل. فاتخاذه مرجعا يعني أننا سنظل مرتبطين بالطائفية والقَبَلِية وكل ما يرجع بِنَا إلى الوراء، ويجعلنا نرتكس ونتخلف بدل أن نخطو إلى الأمام ونتقدم. لذلك ينبغي على مجتمعات الشرق الأوسط أن تتغير ثقافيا وتقطع مع هذا الماضي المحزن لتتمكن من بناء مجتمعات جديدة، وحياة إنسانية جديدة. وما لم نتغير فسننقرض لا محالة كما قال أخي الأستاذ إبراهيم الرشيدي في تعليقه العميق على مصير حزب سياسي في المغرب.