لا شيء يوحي بأن الأغلبية تمارس «أغلبيتها» بما يجب من أخلاق المسؤولية، تلك الأخلاق التي لا يعني استحضارها الآن فتح الباب للتبخيس أو الترخيص، بقدر ما تعني أنه المقابل الموضوعي والضروري لأخلاق الحرية، التي يمكن أن يتمتع بها كل فرد من أفرادها في ممارسة حقه في التعبير.
بمعنى آخر، من حق كل مكون أن يقرأ الواقع كما يجب، ومن حقه أن يوليه التأويل الذي يجاري قراءته لتفاعلات الوضع السياسي، أو الدفاع عن نفسه و«مساحته» الحيوية..
غير أن هذا الحق، أو الحرية، بما تفترضه من أخلاق في التداول والنقاش، لا تلغي المسؤولية في تدبير الشأن العام من زاوية الحفاظ على الرسالة التي من أجلها كانت هذه الأغلبية..
من سوء حظنا جميعا، أن الصورة الحالية التي تبعثها الأغلبية، وصراعات مكوناتها، ليست صورة أحزاب تتصارع بالأفكار والمواقف من أجل إنتاج الأفضل، وقيمة إضافية في العرض السياسي،بقدر ما أن المتحكم فيها، في العمق صراع ما«بين بين«، في المنطقة الرمادية التي خلفتها ظروف ولادتها..
بالواضح: من المحقق أن ظروف ولادة الأغلبية، كتمرين غير مسبوق، بالظروف التي عرفتها والتي لا نعرفها كلها، لعبت دورا ما في خلق«مناخ« ما أو «مزاج» سياسي لا يمكن البتّة أن نتحدث عن انتفائه، أو غيابه بالتمام اليوم، فتلك أمنية الرهبان،وهم ينظرون إلى الإنسان ككتاب أبيض…
غير أن الظرف السياسي الصعب للبلاد، لا يمكن أن يحتمل صراعات الكنائس،ولا دق النواقيس، وشرح دلالاتها في الشارع العام.
أمامنا اليوم ، على الأقل ثلاث مرجعيات كبرى في تدقيق المرحلة:
– الصورة المقلقة التي رسمتها كل خطب جلالة الملك، ونقول كل الخطب طيلة السنة، على الأقل، والتي تعطي صورة حقيقية، ولكنها مقلقة ، جريئة لكنها مخيفة وصريحة ولكنها تسائل الجميع.
– واقع حي، يغلي، تفاعلات تترك أسهلها الميدان لما هو أكثرها التباسا، وصعوبة في التنفس الاجتماعي لا يمكن بأي حال أن يغفله الحس السليم في الواقع الآن، كما يتضح من خلال تقارير مجالس الحكامة..
أمامنا وضع الحسابات العمومية:كارثية، وأمامنا وضع الحالة الاجتماعية والاقتصادية: كارثية أمامنا أوضاع التعليم ورهاناته: كارثية .
فلا يمكن أن تظل الأغلبية في دور المتشكك في التقييمات السياسية لهذه المجالس بدون أن تبادر إلى تفعيل خطتها في الإصلاح، وفي ترتيب الجزاءات، وإخراج البلاد من هذه المرحلة العصيبة..
– برنامج عمل، كله معضلات أو أسئلة معلقة حينا أو أجندات جديدة تولد من أجندات ميتة (اللاتمركز، النموذج الجديد، الاستثمار، الجهوية، التكوين المهني،…).. وهي أجندات كلها تنبثق عنها مآس وحالات احتقان رهيبة، كلها كانت وراء القرار الذي نبه إليه الاتحاديون في مجلسهم الوطني :
– «مناخ الاستثمار، ورفع المعاناة عن الطبقات الهشة، والحد من بطالة الشباب، ومعالجة المشاكل المتراكمة في شتى الواجهات»..
– التراكمات السلبية، سُجِّلت في التعليم والصحة والحماية الاجتماعية والسكن والنقل،»..
ثلاثة مواقف ممكنة أمام الأغلبية للتفاعل مع هذا الوضع:
– أولها: ترك الحبل على الغارب، وبالتالي اعتبار أن الوضع يستحق أن يتآكل، ويتفسخ لعله، عساه، »ربما»، ينتج وضعا أفضل، أو يبين الخاسر من الرابح. وهو خيار لا شك أنه تاكتيكيا-مبرر، وسياسيا، متوقع في مغرب الفسيفساء، لكنه من جهة المسؤولية مكلف للبلاد وللسياسة أكثر مما هو الوضع عليه الآن..
– ثانيها: التموقعات، ضد ومع، والانتصار لطرف ضد آخر، بدون استحضار المسؤولية المشتركة وتأجيج الخلاف، عن برهان أو ببرهان معاكس، وهو الأمر الذي لن يخرج الشأن العام من التدبير الغريزي، المربوط برهانات الولادة، الصعبة، والذي يمكنه أن يزيد من الشلل ويقلص من حظوظ النجاعة في الإنتاج السياسي..
– ثالثها : تحمل المسؤولية من طرف رئيس الأغلبية، بالترفع عن انتمائه في لحظة تدبير الخلاف، وانتمائه إلى المجموعة، وإلى رهانات البلاد قبل الأغلبية، والدفع نحو أفق مغاير وسليم لتدبيرها، وهذا يقتضي -بطبيعة الحال- التموقع الدستوري السيادي السامي، في وجه الحسابات التي قد تكون مشروعة، لكنها غير منتجة ومقرفة في وضع كوضع المغرب.
ولعل من الحكمة اليوم، كي لا تتكاثر مفاعلات التوترcoefficients de tension أن تكتفي الأغلبية بما تعيشه من تعثر، وتعيشه من صراعات، وتنتقل إلى ما ينفع الناس..أما أن يتحول بقاؤها في دفة الحكم – بحد ذاته – إلى أفق وغاية وجدوى، فذلك أقبح سيناريو يمكن أن تواجهه أحزابها، ما قد يزيد من تراجع الاهتمام بالسياسة.
الأغلبية اليوم، لا يمكن أن توجد من زاوية المشاكل الداخلية، لا من زاوية المشاكل التافهة والمتدنية ، بل من زاوية اللحظة الكبرى الممنوحة لها..
فالواقع هو أن البلاد تعيش لحظة «انقلاب التربة» التي تأسس عليها النموذج ونموذجها التنموي والترابي والتعليمي والاجتماعي، ولا يمكن أن نظل تحت راية صغيرة، ونوازع أصغر..علما بأن الصورة، هي، بحد ذاتها وبدون صراعات ولا، صورة لا تليق بهذا الأفق العالي…..
هناك ما يدعو إلى إنقاذ الجندي سعد الدين العثماني …لرئيس الحكومة العثماني!