مازلت‭ ‬أعتقد‭ ‬بأن‭ ‬الجدل‭ ‬الحامي‭ ‬بين‭ ‬الدارجة‭ ‬والفصحى‭ ‬مجرد‭ ‬ستار‭ ‬دخاني‭ ‬وراءه‭ ‬أشياء‭ ‬أخرى‮..‬
فلا‭ ‬أحد‭ ‬يصدق‭ ‬بأننا‭ ‬سنعيد‭ ‬إلى‭ ‬نقاشات‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين،‭ ‬نقاشات‭ ‬لبنان‭ ‬ومصر‭ ‬في‭ ‬الأربعينيات‮!‬
سنلتف‭ ‬على‭ ‬محيطنا‭ ‬بقرن‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬وثلاث‭ ‬ثورات‮..‬
ولا‭ ‬أحد‭ ‬يصدق،‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬أشاوس‭ ‬الفصحى‭ ‬وجهابذة‭ ‬الدارجة،‭ ‬أن‭ ‬المدرسة‭ ‬الوطنية،‭ ‬ستحظى‭ ‬بزهو‭ ‬التفاضل‭ ‬بين‭ ‬الفصيح‭ ‬والدارج‭ ‬في‭ ‬الخيال‭ ‬العام‮..‬
في‭ ‬القانون‭ ‬الإطار،‭ ‬الذي‭ ‬يمأسس‭ ‬النقاش‭ ‬حول‭ ‬لغات‭ ‬التدريس‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لهذه‭ ‬المعادلة،ولا‭ ‬في‭ ‬غيره‭ ‬إحالة‭ ‬عليها،‭ ‬سوى‭ ‬ما‭ ‬تجود‭ ‬به‭ ‬اجتهادات‭ ‬المعجم‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬اعتبره‭ ‬الاستشهاري‭ ‬والتواصلي‭ ‬الفريد‭ ‬نورالدين‭ ‬عيوش،‭ ‬ضرورة‭ ‬لاحتواء‭ ‬اللغة‭ ‬المتداولة‭ ‬واحتواء‭ ‬النقاش‭ ‬حولها‮..‬
ليس‭ ‬بسيطا‭ ‬أن‭ ‬ينتقل‭ ‬موضوع‭ ‬الدارجة‭ ‬من‭ ‬التعجيم‭ ‬الى‭ ‬التعليم،‭ ‬هناك‭ ‬خيط‭ ‬ناظم‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬عقل‭ ‬صاحبه‮…‬‭.‬
غير‭ ‬أن‭ ‬حقيقة‭ ‬الوضع‭ ‬أن‭ ‬الامر‭ ‬يتعلق‭ ‬ب8‭ ‬كلمات‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬8‭ ‬آلاف‭ ‬كلمة‭ ‬في‭ ‬مقرر‭ ‬السنة‭ ‬الثانية‮..‬‭ ‬وله‭ ‬ما‭ ‬يبرره‭ ‬في‭ ‬‮»‬وظيفة‭ ‬اللغة‭ ‬الواصفة‭ ‬وقد‭ ‬يتم‭ ‬حذفه‭ ‬دون‭ ‬كثير‭ ‬تعب‭ ‬أو‭ ‬يبقى‭ ‬بدون‭ ‬كثير‭ ‬تهويل‮..‬
لماذا‭ ‬إذن‭ ‬هذا‭ ‬الدخان‭ ‬المتصاعد‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬بلا‭ ‬وجه؟
ينص‭ ‬القانون‭ ‬الإطار‭ ‬على‭ ‬التعدد‭ ‬اللغوي
‭ ‬وعلى‭ ‬التناوب‭ ‬اللغوي
‭ ‬وعلى‭ ‬الهندسة‭ ‬اللغوية،‭ ‬ضمن‭ ‬سياق‭ ‬عام‭ ‬للسياسة‭ ‬اللغوية‭ ‬في‭ ‬التدريس،‭ ‬والمقصود‭ ‬به‭ ‬هو‭ ‬تمكين‭ ‬التلاميذ‭ ‬من‭ ‬دراسة‭ ‬المقررات‭ ‬العلمية‭ ‬أساسا‭ ‬باللغات‭ ‬المتداولة‭ ‬‮:‬‭ ‬الفرنسية،‭ ‬الاسبانية‭ ‬والإنجليزية،‭ ‬وكذلك‭ ‬التنصيص‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬استفادة‭ ‬التلاميذ‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الاولى‭ ‬‮-‬‭ ‬بعد‭ ‬دمج‭ ‬التعليم‭ ‬الأولي‭ ‬ضمن‭ ‬المنظومة‭ ‬المدرسية‭ ‬الابتدائية‭ ‬‮-‬‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬المذكورة‭ ‬بشكل‭ ‬يؤهلهم‭ ‬للإتقان‭ ‬‮…‬
ولا‭ ‬حديث‭ ‬البتة‭ ‬عن‭ ‬الدارجة‭ ‬كمعجم‭ ‬تدريسي
‭ ‬ولا‭ ‬كأفق‭ ‬في‭ ‬التكريس‭ ‬اللغوي
ولكنها‭ ‬،‭ ‬تفيد‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التاكتيك‭ ‬المستعمل‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬وجه‭ ‬لها‭ ‬لحد‭ ‬الساعة،‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬العربية‭ ‬كلغة‭ ‬ضحية‭ ‬لهجمة‭ ‬أجنبية‭ ‬ومؤامرة‭ ‬تحاك‭ ‬باسم‭ ‬الخارج‮!‬
ومعنى‭ ‬ذلك،‭ ‬أن‭ ‬النقاش‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬توقع‭ ‬حجمه‭ ‬الحالي،‭ ‬هو‭ ‬مقدمة‭ ‬لنقاش‭ ‬أكثر‭ ‬شراسة‭ ‬سيتم‭ ‬في‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬الايام‭ ‬عندما‭ ‬يدخل‭ ‬موضوع‭ ‬لغات‭ ‬التدريس‭ ‬بلغات‭ ‬أجنبية‭ ‬الى‭ ‬الفضاء‭ ‬العمومي،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬البرلمان‮…!‬
هناك‭ ‬سيكون‭ ‬من‭ ‬المنطقي‭ ‬أن‭ ‬ينهض‭ ‬المعارضون‭ ‬للغات‭ ‬التدريس‭ ‬المذكورة‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬جولة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬العربية،‭ ‬لا‭ ‬باسم‭ ‬الدارجة،‭ ‬بل‭ ‬باسم‭ ‬الفرنسية‭ ‬والاسبانية‭ ‬والانجليزية‮…!‬‭ ‬

يمكن‭ ‬أن‭ ‬نخمن‭ ‬الجدل‭ ‬الذي‭ ‬سيتولى‭ ‬التعبير‭ ‬بمنطقه‮:‬‭ ‬هاهم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فشلوا‭ ‬في‭ ‬إدراج‭ ‬الدارجة‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬غير‭ ‬موجودة‭ ‬أصلا‭ ‬إلا‭ ‬كحامل‭ ‬سجالي‭ ‬لحرب‭ ‬بلا‭ ‬وجه،‭ ‬ينتقلون‭ ‬الى‭ ‬الجولة‭ ‬الثانية‭ ‬للهجوم‭ ‬على‭ ‬العربية‭ ‬باسم‭ ‬الفرنسية‮..‬
وكلاهما،‭ ‬الدارجة‭ ‬والفرنسية‭ ‬ستصبح‭ ‬حصان‭ ‬طروادة‭ ‬الاغريقي‭ ‬الذي‭ ‬يتسلل‭ ‬منه‭ ‬‮…‬حزب‭ ‬فرنسا‮!‬

إن‭ ‬النقاش‭ ‬يعطل‭ ‬المقاربة‭ ‬المؤسساتية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وحدة‭ ‬قائمة‭ ‬هي‭ ‬مؤسسة‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬والمجلس‭ ‬الوطني‭ ‬للغات‭ ‬والثقافة،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬هذا‭ ‬النقاش،‭ ‬باعتباره‭ ‬مؤسسة‭ ‬للتوافق‭ ‬الوطني‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬النبوغ‭ ‬المغربي،‭ ‬بلغة‭ ‬المرحوم‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬كنون‮..‬

لكن‭ ‬كلما‭ ‬عطلنا‭ ‬مؤسسة‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدستور‭ ‬،‭ ‬لأسباب‭ ‬غالبها‭ ‬سياسوي‭ ‬متحجر،‭ ‬كلما‭ ‬فتحنا‭ ‬الباب‭ ‬لجدلية‭ ‬ساخنة‭ ‬تصل‭ ‬الى‭ ‬المقاطعة،‭ ‬كما‭ ‬تصل‭ ‬الى‭ ‬التخوين‭ ‬وتعريض‭ ‬التربة‭ ‬الثقافية‭ ‬الى‭ ‬التعرية‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬النقاش‭ ‬اللغوي‭ ‬الدائر‭ ‬خارج‭ ‬الرحم‭ ‬الموكول‭ ‬لها‭ ‬احتضانه‮!‬

لقد‭ ‬استطاع‭ ‬المغرب‭ ‬أن‭ ‬يتفادى‭ ‬دوما‭ ‬الباب‭ ‬المسدود،‭ ‬أو‭ ‬الطريق‭ ‬المسدود،‭ ‬بابتعاده‭ ‬عن‭ ‬منطق‭ ‬الاستحالة‭ ‬في‭ ‬التوافق،‭ ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬الأدلجة‭ ‬المفرطة‭ ‬اليوم‭ ‬للحاجات‭ ‬اللغوية،‭ ‬فيها‭ ‬خطورة‭ ‬رهيبة‭ ‬على‭ ‬النسيج‭ ‬المجتمعي،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬المعلن‭ ‬في‭ ‬النقاش‭ ‬هو‭ ‬غيره‭ ‬،‭ ‬المضمر‭ ‬فيه‮…‬
والنقاش‭ ‬الذي‭ ‬يدور‭ ‬يقدم‭ ‬الاشياء‭ ‬بمسميات‭ ‬مضمرة‮ »‬
العربوفون
الفرانكفون
‭ ‬الدارجيفون
‭ ‬الانجلوفون
‭ ‬الاسبانوفون‮..‬
‭ ‬وهو‭ ‬وضع‭ ‬غير‭ ‬لغوي‭ ‬بالمرة،‭ ‬معياريا‭ ‬وثقافيا،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬أنه‭ ‬يرشح‭ ‬بالإيديولوجيا‭ ‬،‭ ‬التي‭ ‬تكاد‭ ‬تضع‭ ‬خطا‭ ‬بين‭ ‬لغة‭ ‬سماوية،‭ ‬بجذرها‭ ‬اللاهوتي‭ ‬،‭ ‬كالعربية،‭ ‬ولغة‭ ‬أرضية‭ ‬بشرية‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مدنسة‭ ‬بالمرة‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬روح‭ ‬الأمة‭ ‬كالدارجة‭ ‬مثلا‮…‬
وهو‭ ‬نقاش‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬الى‭ ‬فضاءاته‭ ‬التي‭ ‬تليق‭ ‬به‭ ‬ويليق‭ ‬بها‭ ‬‮…..‬

 

الجمعة : 14  شتنبر 2018.

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…