أن يكون وضع التعليم في حالة مزرية، فهذا تحصيل حاصل. لكن المعضلة أفظع من ذلك بكثير، إنه في مرحلة موت سريري لم تنفع معه حبات الإسبرين التي أوصى بها منذ سنوات بيروقراطيو السلطة من عيار حصاد. والآن، تتطاول عليه شطحات بعض المتفقهين الذين لا يخجلون في ليّ عنق التاريخ واللغة وكذلك مستقبل الأجيال الجديدة كما يفتي حاليا “خاتم” الأنبياء الجديد عيوش الذي جاء ليصحح القرأن ولغة العرب، ويهدي بني قومه، فينير طريق “الظلمات” التي ضاع فيها ابن خلدون وسائر من “ادّعوا” المعرفة بخصوصية عرب المغرب أو مغاربة العرب.
أطروحة عيوش بأن القرآن نزل “بالدارجة” تستحق أن يعود من أجلها عبد الله كنون من قبره ليكتب نسخة جديدة منقحة هذه المرة من كتاب “النبوغ المغربي” ويشيد بالقلم الأحمر الذي رفعه عيوش في وجه “الظلمات” ليصحح القرآن وتاريخ اللغة وفلسفة اللسانيات المغلوطة!
باختصار، كما يقول المثل الانجليزي “كثرة التحليل تصيب بالشلل”، كفانا من منطق الاستغراب او عاطفية الاحتجاج ضد هؤلاء المتفقهين بلا سند تاريخي ولا حجة علمية. فمآل التعليم حاليا كناية صارخة تنوب عن توجّع قطاعات الصحة، والعدل، والأمن العام، وحقوق الإنسان، والصيد البحري، وتعثرات ملف الصحراء، وعدة ملفات شائكة في السياسة الخارجية.
هل من مبادرة وطنية لتصحيح مسار التعليم في المغرب، ونزع الميكرفون من أمام عيوش قبل أن يدعو إلى حرق كتب القرآن العربي واستبداله بنسخ القرآن “الدارجي” نسبة الى الفلسفة “الدارجة” التي تفتقت بها مؤخرة صديقنا حتى لا أقول خطأ رأسه أو دماغه!
أين جامعاتنا ومراكز أبحاثنا، ولماذا تغيب عن استضافة حلقات نقاش متنورة ومسؤولة حول استراتيجية إصلاح التعليم ودحض تلك الاجتهادات العمياء؟ لماذا أصبح مثقفو المغرب في الداخل والخارج بمثابة نعامات تضع رؤوسها في الرمل!
عبر حقب الاستقرار والثورات في التاريخ العالمي، كان المثقفون من دعاة الفكر النقدي هم من يوجهون مسيرة المجتمعات ويصححون منعرجات التاريخ.
ما يؤرقني أن تطول فترة الاستغراب وتتعطل روح المبادرة، وإذا ظل صوت صديقنا عيوش عاليا، فإننا نقترب من زمن جديد تحكمه لغة “أشّا”، “آها”،”آرّرّا”..!