(1)
تعالي يا لغتي سنعود إلى حزننا..
سنعود إلى ما نجيده في حياتنا:موت الأحبة!
رحل عزيز الوديع..
لي ما أقوله في حياته وعنها، ولست متأكدا أنني سأجيد
السرد عن موته
وفيها..
يكاد، من شفافية روحه، ألا يُرى
ويكاد لا يكون له عمر
وهو الذي له عمر البلاد
وعمر الزنازن
وعمر الضحك
وعمر الشجاعة..
يخيل لك أن الحياة قبلت مرة واحدة أن يعيش معها من يفوقها عنفوانا، معه فقط لا غير
ويفوقها شراسة، مع تشغيل نفس العناصر:
الهواء
والهدوء
والسلام
والترقب الدائم للمفاجأة بعفوية …
ربما لأنها لم تستطع مجاراته استعانت عليه بنقيضها
بالموت!
عرفته في ليبراسيون، أيام كان الشرف كله أن تعرف واحدا من أفراد العائلات التي استعصت على الاستبداد..
عرفته في الاتحاد الاشتراكي، أيام كان الحل الجماعي لمعضلة البلاد يقتضي أن نعيش بعد كل الذين فقدناهم..
ببساطة القبور العارية
والشاهدات
والجلابيب في أيام الذكريات..
ثم عرفته في الحياة، قل الحياة كمن يقول غرفة مطلة على محيط هادر، يترك لنفسه قميصا صيفيا من العاطفة
ومن البساطة..
فكرت أن أكتب عنه رواية تبدأ بفتى يأتون به في ليل بهيم
إلى ليل بهيم
لأنه يحب فلسطين
ثم يتدلل إلى أسرة والده الشجاعة وأخيه صلاح في السباق إلى المجزرة..
فكرت وعدلت
لأنه فاجأني بأن ما يأخذه من سيرته هو قدرته على الضحك في غياهب السجون: هل فكرتم مرة أن يكون يوسف في جبه
معجبا بجاد المالح مثلا؟…
أن يكون يونس في بطن الحوت
لا يأبه إلا لما يقوله عبد الرؤوف؟
إذن ستفكرون لماذا تستعصي الكتابة عنه روائيا وهو يفتح أمامك كتبا عن الضحك في السجن..
عرفته ونحن نبحث عن تخليد الذكرى الأربعين لرحيل عمر بن جلون: وكان هو تاريخ فلسطين في دم الشهيد
وهو وارث السر الصوفي في التزام الأب الوديع بفلسطين
وهو صاحب التفاصيل الصغيرة
والكبيرة معا..
عندما تجالسه تفاجأ بالكثير من العصافير تختبئ في قلبه لكي تموت سعيدة،
ومع ذلك تطير في كل ضحكة، كما لو كانت في جبل عيسى،
لم يدَّع شيئا في حياته..
لهذا كان عزيزا فعليا..
كنت أسمع في صوته صوت الوديع الأب، الذي سمانا بالاتحاديين:مال هذاك خينا؟
حقا.، هل سنبعث كلنا على قدم المواساة، مواساة مقصودة وليس خطأ؟..
لأن الذي يواسي عائلة في الفقيد
(2)
لأن الذي يواسي عائلة في الفقيد
ليس كمن يواسي البلاد في الفقدان..
وليست هناك مواساة عادلة في مغرب نعرفه لعائلات بعينها…
عائلات استثنائية جربت القيامة، هنا، فوق الأرض
وعلى مرأى من لله،
وشعوب العالم
وكل الديانات
وبعد رحيل كل الأنبياء؟..
اليوم والتراب يعانق ابنها، عزيز، عائلة الوديع يعرفها الطين
وتعرفها الجدران
وحروف الطباعة
وتعرفها النخوة
وتعرفها الدموع
وحبر القلب
ووردة الجوري
وحساسين الليل المرتبكة
وكثير من الملائكة..
ويعرفها قلبي
ويعرفها حزني
وامتناني..
أحياء وأموات يكتبون على متحف العاطفة
طيور الجنة
وأيائل المحبة
وأسود الشجاعة
وهيروغليفيات النمور ..
كم أحبهم أحياء
وكم أبكي عندما يموت واحد منهم ..بمحض عفويتي
وفي منأى عن رسائل …سياسية قد تعتبر كل مديح في الأموات من هذه الطينة
هو تعريف لها بالضد
والحق أن القلب خالص للحزن لا غير
سليم من الضغائن..طهره الألم يا فقيدي العزيز!
عزيز علي …وديع في الماوراء…
يجب أن أصدق أنه قابل للموت …لكي أفسح القلب للحزن
يجب ألا يموت لكي أتدرب على غيابه
عزيز الوديع الذي عاش بتلقائية من جاور الموت حتى كدنا نراه الدليل المستعصي على النهايات…
عزيز الذي خرج من متاهات الرصاص بمصنف عن الضحك
أصغر قلب كان على جلادي سنوات الرصاص أن يكسروه ليكسروا عائلة خرجت من صلب الخلود..في آخر مرة مازحني وأنا أغادر مصحة القلب وقد جاء متزامنا مع مغادرة سرير الوجع …هاأنت ترى لقد جئت بألمي لكي أدفعك إلى الحياة ….خجلت من مرضي وهو يزورني ويقترف /يسرق ضحكا أمام غرفة العيادة
عزيز الوديع يجب أن تكون الحياة بلا معنى حقا حتى تسمح لنفسها أن تودعك…ياشقيق العالم، دم صديقي وحدث الخالدين عني…عن قلب تركته في طبيعة ميتة….
ذكرني العندليب الأزرق، الفايسبوك
بأننا لما نزل …
بأن البلابل لما تزل هناك تعيش بأشعارنا..
فتعالي يا لغتي سنعود إلى حزننا..
سنعود إلى ما نجيده في حياتنا:موت الأحبة!