قال أمير المؤمنين  علي بن ابي طالب (ض) : (من نصب نفسه للناس إماماً، فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلّم نفسه ومؤدّبها أحقّ بالإجلال من معلّم الناس ومؤدّبهم. )

 

إن بيوت الله التي أذن الله أن يذكر و يرفع  فيها اسمه  هي التي يجد فيها المتعبدون  السكينة والطمأنينة  ويحل فيها الخشوع  ،  يناجى فيها الرب بالغدو  والآصال  ، و يتعلم فيها ما تيسر من علوم الدين ، ويستمع إلى المواعظ والخطب التي يجب أن تحبب  الإيمان وتقويه في النفوس ، وتهذب السلوك واللسان والأفعال ، و تجعل  المحبة للناس كافة ،  ليحمل الجميع  رسالة السلام  التي تبشر ولا تنفر ، تصلح ولاتفسد ..

إنه لامجال للمزاجية وتمرير الرسائل والقناعات الشخصية والطائفية والمذهبية والتعرض لخصوصيات الناس وتبخيس  أعرافهم التي لاتتعارض مع العلم ولاتتناقض مع  الدين ،، كما لايعقل أن يدفع  الوهم والغرور بالبعض وهم على منابر الرسول التي هي للعلم والتعليم والتنوير والتجميع والتوحيد  فيعمد إلى توسيع الضيق أي مجال المحرم والمكروه ، ويجعل كل جديد في أمور الدنيا بدعة ، ويصدر بلاغات التفسيق و التكفير والإخراج من الملة وكأنه شق العقول وأطلع على ما في النفوس و اطلع على ما أخفاه الله حتى على  الأنبياء  ، وأحيانا يصل به التحريف إلى أن  يدخل لجهنم من يرى هو أو مذهبه أنه يستحقها  ، وليؤلب  عليهم الإمعات ،ويشعل بالبيوت والدول فتنا  ،،  ويفتح الجنة  لمن أراد وكـأنه  يملك امتياز توزيع صكوك الغفران ورخص الموافقة لدخول الجنان حسب الدرجات ، وإصدار أحكام لاترد لدخول جهنم بدركاتها المتعددة ..؟؟  وتراهم يقدمون انفسهم وكأنهم معصومون  يجب الإقتداء بهم  ..

إن العديد من   منابر الجمعة بالعالم الإسلامي منذ القدم تخضع لتوجهات  مذهبية وميولات سياسية وسياسوية وطائفية  مشبعة بكراهية الآخرين ، تلمح و تعلن عن تقيتها و تحينها الفرص والإستعداد  للقضاء على كل من ليس على “ملتهم ومنهجهم ” ويروجون لعدم  القبول به ولاحتى التواصل معه ، ولاحرج عند البعض  في أن يشهر  دعوات لإجثتاث من على وجه الأرض من الملل الأخرى ،، ويلاحظ  أن  منهم من يميل   حيث تميل رياح سياسات بلدانهم وحكامهم وحتى من يقف خلفهم ممن يهابونهم  وممن  لايبخلون عليهم بالعطايا والمنح والهبات  والهدايا  من وراء الحدود ..!!

إن بعض  المنابر السنية والشيعية وغيرهما  بمختلف توجهاتهم  يستغلون ويستغفلون  إجتماع الناس بالمساجد لاداء  الصلاة فينشرون الإتهامات المتبادلة  بينهم ، ويشعلون بالصدور نيران الصراع  على هشيم  الجهل والتخلف  وما يترتب على ذلك أحيانا  من  إقتتال الجموع  ، فتخرب البلدان  ، وييتم الأطفال ، وينسحق كل ما هو جميل وحضاري ، كل هذا بزعامة من بعض   الذين يتحدثون بإسم الدين ،حيث تتحول  المنابر وبيوت الله إلى مراكز تتخصص في الفتن والحروب والإضطرابات  ، وفي هذا  مخالفة عظمى  تناقض  جوهر الرسالات السماوية وسنن الأنبياء ..

لهذا وجب الفصل بين وظيفة إمام المذهب ، وإمام خطيب الجمعة و الناس ،  الذي  لايجب أن يكون إماما  للبعض من الحاضرين وعدوا  وكارها  للباقين  في نفس الآن  لأن بالمساجد مأمومين من كل ” المذاهب ” ، ومنهم من دينه الكتاب والسنن الصحيحة ويستأنس بكل المذاهب  ، ومن هنا يمكن القول إن  إمام وخطيب الجمعة لايجب ان يكون  منتميا لحزب ولا لجناح دعوي إن لم يستطع أن يعقل ويكبح  لسانه وأقواله ، وأن لايكون متحيزا لأهوائه ، لإنه يفترض فيه أن يكون  صمام  أمان ، ومرشدا ومربيا ومؤطرا  للناس ، ومساهما في توعية وحل النزاعات  والتأليف بين القلوب ..

إن دوره  هو  أن يجسد حقيقة الإسلام  الذي هو دين البشرية منذ آدم ، وهو اسم لكل الديانات السماوية  ، قولا وعملا وسلوكا وعلاقات  ،، وان يكون صادقا وعادلا وإنسانيا وسمحا  مع  الناس كافة من آمن  أو من لم  يؤمن ، مع ما يقتضيه ذلك من حسن التواصل والتبليغ، والموعظة الحسنة ،و المجادلة  بالحكمة  ..

إن من اسباب الصراعات والفتن والحروب بين المسلمين هي الإستغلال السياسي المذهبي للدين في أمور الحكم والإمامة والخلافة  ..فيسعون خلف “الحاكمية” ليؤسسوا  لديكتاتورية وتسلط يعرف الجميع حقيقته منذ بداية الدولة الأموية إلى اليوم  ، ليعللوا كل جرائمهم وإرهابهم واعتداءاتهم وقمعهم بأنهم يمثلون ويجسدون إرادة الله في الأرض ؟؟..لهذا كلما هدأت الفتن وتحقق الإستقرار كلما تطورت  المجتمعات ، وكلما استمرت الفتن وتنوعت وأقحمت فيها  العامة  يتحول السكان إلى حطب رخيص يموتون بأعداد هائلة وبكل أنواع البشاعات  إلى أن يهزم أحدهم الآخر ، أو إلى أن ينهزما معا فيأتي طرف آخر من الداخل أو  الخارج فيتحكم في الجميع ،  ويجعلهم أشباه عبيد لايعرفون أي  إتجاه  سيستقبلون أمكة أم ايران ؟  أأمريكا أم روسيا ؟؟ ..أأوربا أم آسيا ؟

إن العلماء المتنورين على حق  عندما قالوا  بضرورة عدم  إضفاء الشرعية بإعتماد الصبغة الدينية  على سياسات ومواقف وسلوكات من يحكم  لكي لايتهم كل مخالف  ومنتقد لسياساتهم بأنه  متعارض مع الدين ، وحتى لاتنسب للسماء  كابتلاء واختبار كل  كارثة وأزمة  وقعت  بسبب قراراتهم   وظلمهم وجهالاتهم التي تنتج الفقر والبؤس الإجتماعي والتشرد وكل الأمراض الإقتصادية والإجتماعية والنفسية …؟

جاء في الحديث أنه إذا قلت لصاحبك أنصت  والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت ، ومن لغا فلا جمعة له …

وقال تعالى  : ” فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ” سورة  النور  ، والمقصود بالبيوت  عند  البعض من أهل العلم  المساجد وقيل بأنها كل البيوت  .”وفسر  ابن كثير    “أن ترفع”  ، أي : تطهر من الدنس واللغو ، والأفعال والأقوال التي لا تليق أن تحصل فيها .”

لهذا ألا يعتبر من اللغو خروج بعض أئمة  و خطباء الجمعة عن دورهم التربوي السامي  ، وهمزهم ولمزهم  وتهجمهم أحيانا على من بالمسجد ومن بخارجه فيتسببون  في زرع كراهية بعض المصلين لهم  من بين المأمومين ..؟ فحكم من صلى بالناس وهم له كارهون معروف عند العلماء ..وهذا الأمر تعرفه مساجد بالشرق والغرب ، ولاتسلم أحيانا حتى المساجد التي يحج إليها الناس من كل بقاع العالم   بمختلف مذاهبهم وطوائفهم وقناعاتهم ..

و تحضرني واقعة أخبرني بها صديق ورفيق الدراسة الذي  كان  ضمن  البعثة التعليمية المغربية  إلى  دولة بالخليج كأستاذ للتربية الإسلامية ، وكان أول اجتماع معهم بعد وصولهم  هو  إعطاء  تعليمات و توجيهات واضحة ومحددة بأن لايتحدثوا  ، ولا يشرحوا ، ولايذكروا  أفكارهم ،  ولا  الخلافات المذهبية للتلاميذ ،  بل عليهم  التقيد بالمقرر حرفيا لتجنب زعزعة عقيدة ومذهب المؤمن عندهم  ..لإن الأستاذ  بالقسم هو في منزلة الإمام والمبلغ والمرشد الذي يهتدي الطلبة  بدروسه ، ويتأثرون بمواقفه التي قد يمررها في حواراته  ..

 

تارودانت : الخميس  13 شتنبر 2018.

‫شاهد أيضًا‬

حياة الوطني المجاهد والزعيم بنسعيد آيت إيدر كلها وطنية ونضال وترافع  .. * مصطفى المتوكل الساحلي

ولد وترعرع الوطني المجاهد والمقاوم والقائد السياسي سي محمد بن سعيد أيت إيدر  في يوليو 1925…