في مغرب قيل عنه بأنه بلد الاستثناء، وقيل عنه دولة المؤسسات، وقيل عنه كذلك دولة الحق والقانون، التي يفترض فيها أن تحترم حقوق الإنسان كما يكرسها الدستور وكما هي متعارف عليها في المواثيق والمعاهدات الدولية. والحال أنه ليس من ذلك كله عدا بلد الاستثناء من حيث الظلم والتمييز، مادامت تعيش في كنفه للأسف الشديد أعداد كبيرة من المواطنين مهضومة الحقوق أو تقابل تسوية أوضاعهم الإدارية والمادية بالمماطلة والتسويف دون حسيب ولا رقيب، وغيرهم كثيرون… ومن بين هؤلاء جميعا، هناك فئة من نساء ورجال التعليم تعاني من الحصار المضروب على تعويضاتها عن التدريب في مؤسسات التكوين منذ أمد بعيد، حيث أن منهم من رحل إلى دار البقاء حاملا معه حسرته إلى قبره، ومنهم من ينتظر قضاء الله بعد إحالته على المعاش منهكا تتوزعه أمراض مزمنة كالسكري وداء القلب والشرايين، التي تتطلب عناية خاصة ومصاريف باهظة.

      ومما يحز في النفس بشدة، أنه لا أحد ممن تتلمذ على أيديهم ونهل من معين علومهم ومعارفهم، سواء في المنظمات النقابية التي شغلت بال الشغيلة التعليمية بالمصطلحات الفضفاضة والشعارات الرنانة بدون طائل، مما أدى إلى ظهور تنسيقيات فئوية. ولا من الوزراء المتعاقبين على إدرة الوزارة الوصية، ولا من ممثلي الأمة الذين انصرفوا عن هموم وقضايا المواطنين الذين منحوهم أصواتهم، وانشغلوا عنهم بحماية مصالحهم الذاتية والدفاع فقط عن مناصبهم ومكاسبهم الريعية من امتيازات ومعاشات، ولا من أولئك الأربعين شخصية من الأكاديميين والاقتصاديين ورجال الأعمال والنشطاء السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، الذين وقفوا إلى جانب الشركة الفرنسية “سنطرال دانون” في “محنتها”، وأصدروا بيانا يدعون من خلاله إلى تعليق مقاطعة منتوجاتها إلى حين. لا أحد من هؤلاء جميعا رق قلبه لحال هذه الفئة الشريفة، أو هزته روح المواطنة الصادقة وهب لمناصرتها، المطالبة برفع الضرر عنها والتعجيل بصرف مستحقاتها المادية.

      فما لا ينبغي أن يغيب لحظة عن أذهان القائمين على الشأن التربوي والحكومة بجميع أطيافها، أن هؤلاء “الجنود” الذين أمضوا أجمل مراحل أعمارهم في البذل والعطاء ليس فقط داخل الفصول الدراسية، إذ تخرجت على أيديهم ألمع أطر الدولة وأطروا الكثير من المدرسين وطلبة الجامعات، بل لم يكونوا يترددون في الاستجابة لنداء الوطن إبان الاستحقاقات الانتخابية والإحصاء العام للسكان والسكنى… قضوا الشهور والأعوام في التنقل بين مدنهم ومصالح الوزارة للإدلاء بالوثائق المطلوبة والاستفسار عن مآلات ملفاتهم، متحملين عناء السفر ومصاريفه، ولا يطالبون بأكثر من الإنصاف والاستفادة على غرار من سبقوهم في الشطرين الأول والثاني، حيث توقفت عملية التسوية عند فوج 1981 في أكتوبر 2013، في حين بقي فوج سنة 1982 وما بعدها (الشطر الثالث) ينتظرون الذي يأتي ولا يأتي، وتعلل الوزراة الوصية التأخر الحاصل بعدم توفرها على الاعتمادات المالية الكافية.

      أليس من العار أن يتم تجاهل القانون في دولة الحق والقانون من لدن الذين يتعين عليهم حمايته والحرص الشديد على تنفيذ فصوله؟ فهناك مراسيم قوانين تعطي حق الاستفادة من تعويضات مالية للأشخاص الذين تلقوا تداريب أو دروس استكمال التكوين حسب المدة الزمنية بين عام وثلاث سنوات. وفي هذا الصدد نستحضر المرسوم رقم: 829.75.2 الصادر بتاريخ: 20 ذو الحجة 1395ه الموافق ل23 دجنبر 1975، الذي تتحدد بموجبه أجور الموظفين والأعوان والطلبة الذين يتابعون تكوين أو دروس استكمال خبرة. وهو المرسوم الصادر بالجريدة الرسمية عدد 3296 بتاريخ 31 دجنبر 1975 الصفحة: 3531. وهناك كذلك المرسوم رقم: 1841.57.2 الصادر في 23 جمادى الأولى 1377ه الموافق ل16 شتنبر 1957، المتعلق بتحديد أجور الموظفين والأعوان والطلبة، الذين يتابعون تمارين تكوين أو دروس استكمال خبرة، حسبما وقع تتميمه وتغييره. وأنه في إطار انعقاد المجلس الوزاري ليوم فاتح ذي الحجة 1395ه الموافق ل4 دجنبر 1975، وبعد مدارسة المرسوم السابق رقم: 1841.57.2، اتضح أنه يلغي ويعوض الموظفين والأعوان المعنيين لمتابعة تمارين أو دروس تكوين أو استكمال خبرة، سواء ببعض المدارس أو لدى إدارة عمومية أو مؤسسة خاصة، سيستمرون في تقاضي الأجور المخولة لحالتهم في إدارتهم الأصلية، ويتقاضون إلى جانب ذلك تعويضا يوميا عن التمرين أو الدرس إذا كانا ينظمان خارج محل إقامتهم…

      وبعد كل هذا، فما الذي يجعل الحكومات المتعاقبة تتلكأ في طي هذا الملف الذي عمر طويلا، بإطلاق سراح التعويضات المحتجزة لعدد يسير من الأساتذة والمفتشين والموجهين في التخطيط التربوي؟ وهل من العدل أن يعجل بصرف تعويضات وامتيازات كبار المسؤولين والموظفين السامين والبرلمانيين، فيما تدار الظهور وتخرج ألسنة التشفي لأطر التعليم التي قدمت الكثير من التضحيات في سبيل بناء العقول ورفعة الوطن؟ وكيف تسمح الحكومة لنفسها بنهج سياسة الكيل بمكيالين، بالاقتطاع السريع من الأجور عند الإضراب والتماطل في حالة صرف المستحقات؟

      إن المتضررين يطالبون للمرة الألف وقبل أن تختطف أرواحهم يد المنون التعجيل بصرف مستحقاتهم، وإنهاء هذه المعاناة التي عمقت شعورهم بالإقصاء والتهميش بعد أن تقدم بهم العمر وأنهكتهم تكاليف الحياة، إذ ما كان لملفهم أن يستغرق كل هذه المدة لولا سوء التعاطي معه وغياب الحكامة وانعدام الضمير، لدى بعض من أنيطت بهم مسؤولية تدبير الشأن العام.

 

الاربعاء: 08  غشت 2018.

 

‫شاهد أيضًا‬

الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء .

النص الكامل للخطاب الملكي السامي : “الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله …