من الواضح أن كل التقارير الوطنية والدولية، تؤكد على خلاصة أساسية، ألا وهي أن الاقتصاد المغربي عاجز عن استيعاب الطلب المتزايد على الشغل، رغم أن معدل الاستثمارات العمومية يظل مرتفعا، إذ يصل إلى 32 في المئة من الناتج الداخلي الخام، لكنه لا يخلق فرص الشغل الكافية، ولا يساهم في النمو بالشكل المطلوب. وهي معضلة أصبحت مؤرقة في الواقع المغربي.
ومن المعلوم أن المغرب، مازال تحت تأثير ما يسمى ب baby boom، أي في مَرحلة بلغت فيها الولادات أرقاما قياسيةً، منذ 1960، وعرفت أوجها في تسعينيات القرن الماضي، حيث وصلت إلى 640 ألف مولود سنويا، مما يعني وصول عدد كبير من الشباب إلى سوق الشغل.ولمواجهة هذا الضغط، فإن الاقتصاد المغربي في حاجة إلى معدلات نمو مرتفعة، وإلى تطور قطاعات قادرة على استيعاب الطلب على التشغيل.
وفي دراسة أنجزتها المندوبية السامية للتخطيط والبنك الدولي، سنة 2017 ، يتبين أنه بالإضافة إلى إشكالية معدلات النمو، فإن هناك أسبابا بنيوية أخرى، حيث إن دور القطاع الفلاحي، لم يتقلص كما حصل في حالة بلدان مشابهة، بل مازال يمثل 15 في المئة من الناتج الداخلي الخام، ويشغل 39 في المئة من الأيدي العاملة، في الوقت الذي يزداد فيه الطلب على التشغيل في المجال الحضري.
كما أن المقاولات الغالبة في القطاع المنظم، قديمة وكبيرة الحجم، بينما عجز هذا القطاع عن استيعاب جيد للمقاولات الصغيرة والمتوسطة، التي تخلق مناصب شغل أكثر، لكنها تعاني من مشاكل التمويل والقروض والرشوة ومشاكل الأيدي العاملة الكفؤة وضعف التنافسية، وكذا صعوبة المنافسة غير الشريفة من طرف القطاع غير المنظم، الذي يزداد حجمه في الاقتصاد المغربي.
وتسجل الدراسة كذلك أن هناك مقاومة من طرف القطاع المنظم، في إدماج الشباب والمرأة، حيث لا ينفتح على الكفاءات وعلى قوة التأطير، مما يٓحُدّ من قدرته على توفير فرص شغل لهذه الفئات.
ويظهر من خلال هذه الدراسات، أن هناك إشكالات بنيوية تحتاج إلى إصلاحات قانونية وإدارية، لتحسين وضعية الاقتصاد وتطوير دور القطاع المنظم وخاصة تيسير وضعية المقاولات الصغيرة والمتوسطة، التي تعتبر أكبر داعم في التشغيل، بالإضافة إلى إدماج القطاع غير المنظم، وهي كلها إجراءات تتطلب قرارات سياسية، أولا وقبل كل شيء.