انتقد ملك البلاد العدمية وانتقد معها العجز المؤسساتي في نفس الوقت
انتقد السلبية
وانتقد معها الخصاص في الوساطة
وانتقد بيع الأوهام
وانتقد في الوقت نفسه …الكسل الديموقراطي!
ومن مظاهر النقد المزدوج، أنه مس النزعات التي تركن إلى الحل البسيط، وفي طبقات متتابعة من الحياة الاجتماعية والسياسية وغيرها، كما مس النزعات التي تعطل العمل المؤسساتي، وتجعله دون المطلوب منه ..
لقد ظل النقاش بين العدمية والعمل المؤسساتي
بين التقدير الموضوعي للأشياء والتدرجية من جهة وبين الحلول القصوى والسريعة، نقاشا حاضرا بقوة منذ القرن 19 على الأقل..
ودخلت العدمية إلى السياسة من باب الأدب!
وبالضبط عن طريق رواية “الآباء والبنون ”، للكاتب الروسي ” ايفان تورغينيف” الصادرة في 1862 والتي وصف فيها، كما تقول عدة مصادر توثيقية عنها، وجهات نظر الانتليجنسيا الراديكالية في روسيا الصاعدة وقتها..
البطل بازاروف، كان هو المعبر عن وجهات نظرهم في النقد الاجتماعي، ضمن حركة سياسية ستتحول إلى نظرية سياسية ترفض كل شيء وتعبر أن لا شيء يحدث في البلاد، كما ترفض أي مطلق ديني أوميتافيزيقي أو أخلاقي أو سياسي…إلخ.
وبمعنى أوسع، يقول تعريف أكاديمي لويكيبيديا،” إن العدمية صارت اسما للحركات الراديكالية، الثورية التي تناهض الدولة والنظام وقد تعتمد أساليب عنيفة..”
هي ذي كانت بداية العدمية..في الأدب وفي السياسة.
وقد اكتست تعريفات فلسفية ونظرية عديدة لا مجال للخوض فيها.
ومعناها أن لا شيء قائم، أو يمكن أن يقوم خدمة للناس
وأن العدمَ سيدٌ
وأن لا شيء مضيء يحدث في العالم
وهو هنا
المغرب..
هذه النزعات التي ترتكز على أرضية اجتماعية لكي تتوجه نحو أقسى وأقصى درجات الراديكالية، هي التي كانت موضوع نقد..
غير أن بعضا من العجز المؤسساتي والنقص في الحيوية المهيكلة والإرادوية، يمكنه أن يعطي النتيجة نفسها، أي الشعور بأن لا شيء مجد أو يمكنه أن يعطي نتيجة..
ومن هنا جاءت الدعوة إلى تنشيط الدورة الحزبية بالنخب الجديدة وبالأساليب الجديدة، وبالتركيز على أن أبناء اليوم هم العارفون بمشاكل اليوم!
وبمعنى آخر أنه لا يمكن أن نقدم أجوبة الأمس على أسئلة اليوم ولا أن نبيع صورة اليوم بثمن الأمس……
وانتقد الخطاب أيضا السلبية، ولكنه انتقد معها كذلك الانتظارية السلبية، التي تنجم عن انعدام الثقة في المقاولة من لدن المجتمع والدولة معا…، كما انتقد العجز في الوساطات، والتباطؤ في إنجاح الحوار الاجتماعي…
هذا النقد المزدوج له معنى لا يخفى على قراءة المتتبع وعلى حدس المواطن، مفاده أن الأشياء برمتها لا بد لها من حركية، ومن هدف يسمو عن النزعات والغرائز والحسابات الضيقة…