إذا كان القانون التنظيمي للجماعات الترابية بالمغرب يشير في المادتين :
(87) : (المحافظة على خصوصيات التراث الثقافي المحلي وتنميته؛)
و(92) : الباب الأول : صلاحيات مجلس الجماعة : (تسمية الساحات والطرق العمومية؛)
باعتبارهما بندين يؤطران لإجراء ما ، و لايحددان منفردين إختصاصا معينا محتكرا .. ، فإننا بتفسير وتعميق النظر فيهما نكون أمام أكثر من معنى وتوجيه في بعده الثقافي والتاريخي والهوياتي والمحلي مجاليا ووطنيا ..
وفي علاقة بهذا فإننا باستحضارنا لدلالات الإختصاصات المشتركة بين الدولة والجماعات الترابية ومنها مثلا الثقافة والتراث المادي واللامادي والتاريخي نجد بأن على الجماعات أن لاتقدم على أعمال وقرارات انفرادية دون استشارات معمقة وتوافقات للإستصدار موافقة من الوزارة المعنية بالقطاع المشترك وطنيا ، أكانت الداخلية أو الثقافة …إلخ
وتقول المادة77 : (…تشمل الإختصاصات المشتركة بين الدولة والجماعة الإختصاصات التي يتبين أن نجاعة ممارستها تكون بشكل مشترك. ويمكن أن تتم ممارسة هذه الإختصاصات المشتركة طبقا لمبدأي التدرج والتمايز…)
كما تقول المادة 87 : ( تمارس الجماعة الإختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة في المجالات التالية : … المحافظة على خصوصيات التراث الثقافي المحلي وتنميته ؛…)
وتقول المادة 88 : (تمارس الإختصاصات المشتركة بين الجماعة والدولة بشكل تعاقدي، إما بمبادرة من الدولة أو بطلب من الجماعة.)
لهذا نتساءل مع الجميع عن موقف السلطة والوزارات المعنية ، هل الشأن المشترك والذي هو وطني في بعده يقبل أن يكون التعامل معه بمزاجية ورغبة توجهها قناعات وميولات شخصية تمس في جوهرها بالهوية الوجودية ببعدها الوطني ..؟
ونطرح السؤال التالي كيف نحافظ على خصوصيات التراث الثقافي المحلي وتنميته عند الإ لتجاء إلى التعامل مع الهوية الثقافية والتاريخية الوطنية المعمول بها لمئات قرون خلت وكأنها أوراق وألبسة مستعملة و متلاشيات ” أخطأ “من اعتمدها سابقا !! ، ولايصح الإبقاء عليها وجوبا بمبررات لاتقنع المتكلم ولا المخاطب ولا كل المهتمين بالثقافة والتراث والهوية الوطنية ..
..إن الواقع الموضوعي المادي الموجود أمامنا وبين أيدينا لم يتجرأ أحد من الملوك والحكام والمسؤولين عبر آلاف السنين – وسنعتمد هنا فقط منذ الفتح الإسلامي إلى الأمس القريب – على المساس به أو إلغائه أو إضعافه وإلا انعدمت هويتنا وأسماء مناطقنا ومدننا ..، و هذا حال بعض الدول التي أغراها ما تملك فأرادت أن تنسلخ عن بني جلدتها فأساءت لنفسها و لمن اتبعت عن ضلالة وعمى ..
…إن المدن المغربية الصغرى والمتوسطة والكبرى تملك خزانا هائلا من المعلومات بدأ يندثر ويتعرض للهجمات بالتمدن وبالتغريب والتشريق الفكري والتقليد الأعمى ..إن العلاقة الثقافية والدينية والإثنية مع العديد من دول العالم والمغرب ستجعلنا إن إنسقنا وراء ما حصل في بعض المدن ،، بإطلاق عشرات الأسماء من مدن ومناطق وشعاب وجبال ووديان وصحاري العربية السعودية بإعتبارها شهدت بناء أول بيت وضع للناس حتى نزول الرسالة المحمدية والمعارك والغزوات والصحابة والصحابيات والخلفاء والقادة العسكريين و.. لما بقي لنا من مناطق الوطن إسم نسميه بأحد أسمائنا ..
وإذا أخذنا بعين الإعتبار الهجرة الأولى نحو الحبشة التي قام ملكها العادل بحماية وتكريم المهاجرين الأوائل ..وإذا مررنا على الشام وما عرفته من أحداث كانت أساس قيام صراعات إلى اليوم ..وإذا وقفنا عند بلاد الرافدين وما عرفته من محطات جميلة وكارثية وخاصة قبيل كربلاء وبعدها ، واذا دخلنا أرض الفراعنة واليمن و…إلخ … وكذلك الشان بالنسبة للأنبياء والرسل والصالحين ،، لتغربنا في أوطاننا وأضعنا شخصيتنا وروحنا ،، لهذا فعلت الدولة خيرا عندما احتفظت لنفسها بالحقل الديني وإمارة المؤمنين ..
إن مهام المنتخبين هي المحافظة على التراث والذاكرة المحلية على الأقل بترك وتوثيق الأسماء المتداولة تعلقت بالمناطق والقبائل والشخصيات العلمية والأدبية والمبدعة والمحطات التاريخية الوطنية الموغلة في التاريخ حتى تصبح أسماء الشوارع والساحات موسوعة تضم كل المعلومات الترابية بالمدينة في اتجاه محيطها الإقليمي والجهوي والوطني ، ولابأس إن اعتمدت أسماء محدودة من دول عربية أو إسلامية أو من مختلف القارات لإعتبارات مدروسة دبلوماسيا وثقافيا وذات قيمة و معنى ومغزى …
إن الأسماء المقتبسة أو المستوردة لها علاقة بأمكنتها وتاريخها ومحيطها هي وليس بمواقع أخرى إلا عند استحضار بعض الرمزية والمجاملات المنضبطة والعاقلة …
إن أجدادنا الذين منهم العلماء والصالحون والتجار والحكام عبر آلاف السنين بمدننا وقرانا ومناطقنا ليس بسوس الكبرى فقط ، بل بالمغرب ككل لم يعمدوا إلى إطلاق تسميات شرقية ولا غربية على قراهم وأحيائهم وصناعاتهم و..إلخ .. ، لهذا عرفنا من نحن ، وما هو الموروث الثقافي عندنا الذي نفتخر به ونعتز بثرائه وغناه الذي لامثيل له في جماله وتنوعه ..
إن من مسؤولية المجتمع المدني والمثقفين والدولة العمل على حماية هويتنا المغربية بكل مكوناتها حتى لايلبسها البعض لباسا إيرانيا أو تركيا أو حجازيا أو سومريا أو آشوريا …
إن الفضاءات العامة هي أملاك مغربية مشتركة لاحق لأي كان أن يغير من تاريخها وإحالاتها وحمولاتها الثقافية ، فلدينا من أسماء مناطق المغرب عامة وسوس خاصة رصيدا ضخما من الإختيارات ..ومع ذلك لايجب أن نفرغ المدن والقرى من الاسماء المتواثرة والمختارة جيلا بعد جيل بلغتنا الأمازيغية والعربية ولهجاتنا المحلية المختلفة …بل ما اصبح من الضرورات الثقافية أن نعيد النظر في بعض الأسماء التي ألغت أسماء أصلية بمدننا ونسترجع المحذوف منها ، و لنعمم المحافظة على التراث والتسميات المتداولة في ثقافتنا المغربية الثرية ولنطلق بعض الأسماء الجديدة و غير المغربية في مناطق تمدد العمران التي يجب تحظى هي الاخرى بحمولات ثقافية ثقافية ووطنية ..
تارودانت : الاحد 15 يوليوز 2018.
(*) المقال كتب بناء على اتصال من الاخ أحمد فردوس عن موقع / جريدة ” أنفاس بريس ” في علاقة بموضوع تسمية الشوارع والازقة بالجماعات الترابية ..