تحرك الشارع ثم تحرك القضاء ثم تحرك الشارع، وفي كل حركة تكون الحكومة حاضرة، بما تعلنه من مواقف… كيفما كان تقدير الأحكام والمسيرات، لا بد من إعادة قراءة بلاغ الأحزاب الحكومية من زاوية ما تقدمت به. وليست المسؤولية السياسية وحدها ما يدعونا الى هذا التناول، بل أيضا كونها أدت ثمنا سياسيا وبشريا ومعنويا من مجريات احداث الريف (الزلزال الذي حدث)…وعليه لا بد من قراءة في موقفها الان بعد هدوء نسبي للحرائق: فهي دعت إلى :
(1) ضرورة العمل على تكريس نَفَس من التقويم والمراجعة والمصالحة.
(2)استحضار الطبيعة الخاصة للمرحلة التي تعيشها بلادنا اليوم وما يعتمل فيها من تحولات تسائل الجميع،
(3) تطلع الأغلبية إلى استئناف الأحكام الصادرة «بما يفتحه ذلك من آمال لدى المتهمين وأسرهم في مراجعة هذه الأحكام..». وقد ورد في ما بين سطور البلاغ، ولاسيما في النقطتين الأولى والثالثة ما يفيد بأن الأحكام لا تروق لأحزابها بالرغم من دفاعها عن شكلها.
أولا: هناك إقرار بضرورة نفس جديد من المصالحة..
ثانيا: هناك تطلع إلى مراجعة الأحكام بما يرضي العائلات والمدانين .. نحن إذن أمام دعوة مزدوجة إلى المراجعة وأيضا إلى المصالحة.. وعندما يتعلق الأمر بالريف، فإن المصالحة تكتسي طابعا خاصا بها، ولايمكن نسيانه سواء باسم التاريخ أو باسم العلاقة مع مؤسسات الدولة أو مع مكوناتها أو مع عصبها الممثل في مراكز القرار.
نحن أمام دعوة صريحة لا تكتفي بالامتثال إلى القضاء في أحكامه. و تدعو إلى المراجعة بما يتماشى مع دعوات أخرى صريحة من مكونات الحكومة أو من السند الحزبي لها، بل حتى من معارضين لها ..
والسؤال المركزي هو : ما الذي ستفعله الحكومة من أجل نفس المصالحة مع الريف ؟ وهي مصالحة لا يمكن أن نطلب من أهلنا في الريف أن يبادروا بها !!!! بل لا بد لجهاز صاحب القرار من المبادرة إليها، ثم المراجعة : لا يمكن للحكومة ألا “تساعد” القضاء على هذه المراجعة بما تخلقه من أجواء ومن تغليب المقاربات النابعة من المصالحة وروحها…، سواء كما «تدسترت» بعد العمل التاريخي والقوي الذي قامت به ، أو بما راكمته من أدبيات كان من أهمها تكريس مفهوم جديد للسلطة والترافع باسم الدولة للمزيد من الحقوق.. فإن كان لنا من شيء ربحناه من المصالحة الوطنية، التي رفعها ملك البلاد إلى أعلى منطقها، والتي فتحت الباب واسعا للتاريخ والغفران، فهو أننا نجحنا في إقامة مجلس وطني لحقوق الإنسان يوشح دوليا ويتم الإقرار بفرادته أمميا .. فكانت المصالحة في شقها الحقوقي مكرسة دوليا وثاني شيء هو أننا حصلنا على أمن من طراز دولي، أصبحت صورته ربحا وطنيا نرفعه في وجه من لا يسمع صوت حقنا في الوحدة والتراب.. وبدوره كان محط تكريم دولي، وبدوره جعل صوتنا مسموعا مثلما جعلت الحقوق هذا الصوت جوهريا..
لهذا لا نقرأ اللوحة إلا مكتملة، بشقها الذي ربحناه من مصالحة كانت محط أنظار العالم، وأكاد أجزم أنها مازالت على الأجندة الوطنية.. والسياسة في هذا الباب، لا تحتاج إلى كهان لكي نراها عاجزة عن مسايرة الواقع المتطور الذي أفرزته.. القانون، كما القضاء يد الدولة ونحن لسنا في حاجة إلى امتحان إيماننا العميق أن الدولة القوية، هي الدولة التي تستطيع أن تكون رحيمة، وغير مرتجفة.. ولا يحتاج الريف إلى امتحان لكي نحبه ولا يحتاج أهله إلى مصنف في العدل لكي نهرع إلى أسطورة جميلة بأنه أهل للتاريخ
.. نقول ذلك ونضيف:أن سوال المصالحةيعدو بقوة، سواء على لسان الحكومة أو مكونات الأمة من المعارضة… وتلك نقلة أخرى…
الخميس 12 يوليوز 2018.