يسمونها الساحرة المستديرة كما يسمونها “معبودة الجماهير” الرياضية، ويسمونها أيضا الرياضة الأكثر شعبية في العالم. تعددت أسماؤها وأوصافها بين الشعوب، بيد أن هدفها واحد، هو تحقيق الفرجة وإمتاع الجماهير. إنها كرة القدم، اللعبة ذات الانتشار الواسع في بقاع الأرض. إذ تشير إحصائيات الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، المسؤول على تنظيمها وسن قوانينها، إلى أن عدد ممارسيها بانتظام تجاوز 300 مليون شخصا في أكثر من 200 دولة.
وككل الألعاب الرياضية الفردية منها والجماعية، وضعت لها قوانين رسمية تتضمن شروطا ومبادئ توجيهية، تتلاءم مع جميع الفئات العمرية صغارا وكبارا، ذكورا وإناثا، وذوي الاحتياجات الخاصة. وتتميز قوانينها باليسر والمرونة في تطبيقها، من حيث عدد اللاعبين الرسميين والبدلاء والمعدات الأساسية أو الزي ومدة اللعب والاستراحة ومساحة الملاعب وحكام المقابلات…
وسميت بالساحرة لأن لها مفعول السحر على البشر، حيث تشد الأنفاس وتستحوذ على العقول. فأينما يتنقل المرء هناك انشغال كبير بأخبارها، ويتضاعف الحديث حولها في الإدارات العمومية، والمرافق الحيوية، والبيوت، والشوارع، والمقاهي… وفي جميع الأماكن خلال البطولات الكبرى، ككأس الأمم الأوربية، دوري أبطال أوربا، بطولة الأمم الإفريقية، بطولة الأمم الآسيوية، كوبا أمريكا وكأس العالم للشباب وغيرها من البطولات. لكن التظاهرة الأبرز التي تحظى بمتابعة الملايين في جميع القارات، هي كأس العالم الذي تتصارع الدول من أجل الظفر به أو إحراز شرف تنظيمه على أرضها. ومن بينها المغرب الذي قدم ملف ترشيحه في خمس مناسبات دون أن يسعفه الحظ في ذلك لأسباب لم تعد خافية على أحد.
فشهرة لعبة كرة القدم تجاوزت حدود الرياضة وامتدت إلى عمق السياسة والاقتصاد، وبفعل ما تدره من أرباح خيالية والتسوسق الإعلامي، أصبحت تحتل الصدارة في قائمة الرياضات الجماعية، إن على مستوى أعداد الممارسين الباحثين عن الشهرة والمال أو الجماهير اللاهثة خلف العروض الفنية والاستمتاع بأجوائها الحماسية في الملاعب أو عبر القنوات التلفزيونية الرياضية…
وبعيدا عما يحدث من انفلاتات معزولة في الملاعب ومحيطها الخارجي، لا تخلو كرة القدم من إثارة كبيرة ومتعة فريدة، لما يملكه بعض ممارسيها وخاصة منهم نجومها، من مهارات فنية رفيعة ولمسات سحرية بديعة في مراقصة الكرة والتهديف بالرأس والقدم وضربات المقص، لاسيما عندما يكون اللاعب الموهوب في أزهى حالاته النفسية ولياقته البدنية، التي تساعده على إبراز مواهبه وتألقه في التسجيل وخلق الفرص لزملائه وإحداث الفرجة والفارق في النتائج. ترى ما هي مميزات هذه الساحرة التي جعلتها تعتلي عرش الرياضات بدون منازع؟ مما لا شك فيه أن سر جاذبيتها وانتشارها الواسع يكمن في بساطتها، فهي اللعبة التي تمارس في أي رقعة من الأرض دونما حاجة إلى كلفة مادية أو تجهيزات خاصة، وذات قواعد وقوانين ميسرة. ولا تعتمد على قوة العضلات بقدرما تعتمد على الموهبة والعقل، ويعد امتلاك المهارات الفنية والقدرة على المراوغة والتسديد الجيد والتحكم في الكرة والمواظبة على التداريب والتحلي بالروح الرياضية واللعب الجماعي… من أبرز عناصر التفوق التي تزيدها إشعاعا…
وبالنظر إلى ما توفره كرة القدم من ابتهاج وتسلية وما أمست تشكله من قوة اقتصادية واستثمارية، إذ تدر أموالا هائلة على الاتحادات والفرق واللاعبين، خاصة عند إبرام صفقات الانتقال إلى فرق أخرى محلية أو أجنبية، كان لزاما على الاتحاد الدولي مواصلة تحديث الضوابط والقوانين لمواكبة تطور أسلوب اللعب، الذي وصل إلى مرحلة الدقة والتركيز على الجانب التكتيكي والمهاري، المعتمد أساسا على التنظيم وضبط الخطط المحكمة داخل رقعة الملعب، من قبل المدير الفني ومساعديه.
وسعيا إلى الحد من احتجاجات الجماهير وإنهاء الجدل الدائر حول أخطاء التحكيم المقصودة وغيرها، تم اللوذ بالتكنولوجيا الحديثة في اتجاه محاولة تحصين اللعبة من أي انزلاقات أو هفوات ممكنة. فظهرت مجموعة من القوانين الجديدة والتقنيات كتقنية خط المرمى (Goal Line Technology) لمعرفة إن كانت الكرة تجاوزته أم لا، ثم جاءت تقنية ال”VAR” التي اعتمدها “الفيفا” لأول مرة في النسخة 21 من نهائيات كأس العالم روسيا 2018، غير أنها أتت بعكس ما كان متوقعا منها، لإثارتها الكثير من اللغط والسخط.
والفار “VAR” هي تقنية مساعدة الحكم الرئيسي عند الاضطرار إلى التأكد من بعض الأحداث، تقتضي وجود حكام مساعدين بالفيديو في غرفة عمليات مؤثتة بعدة شاشات تعيد عرض الأحداث المشكوك في صحتها من مختلف الزوايا، كالأهداف وضربات الجزاء… لكن سوء استخدامها أجهض حلم منتخبات ومشجعيها وخدم مصالح منتخبات أخرى. ويعد المنتخب المغربي من بين أبرز الضحايا، الذي وإن أشادت به الصحافة الدولية ونال احترام الجماهير الرياضية، بعد خروجه المشرف لما أبان عنه اللاعبون من علو كعبهم وروح وطنية عالية، فإنه يحمل مسؤولية إقصائه المبكر والجائر إلى سوء التحكيم وعدم الاحتكام إلى تقنية “الفار” في الأخطاء وضربات الجزاء المشروعة لفائدته في مقابلتي البرتغال وإسبانيا…
نحن مع أي إجراء تقني يهدف إلى إنصاف الفرق وتقليص نسبة أخطاء التحكيم، على أن يوظف بتجرد وموضوعية. وقد نتفهم في هذا الإطار احتجاج المغاربة وانتقاداتهم اللاذعة للحكام و”الفيفا”، لكننا نرفض الإساءة إلى سمعة بلادنا وتعميق جراحنا بصدور عقوبات، كان حريا برئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم فوزي لقجع تفادي بعضها. فلنطو صفحة مونديال روسيا 2018، ونشرع في التحضير لكأس أمم إفريقيا 2019، مادمنا خرجنا رابحين منتخبا منسجما وقويا.
الخميس 05 يوليوز 2018.