احتد النقاش و الجدل حول قضية المرأة و مساواتها مع الرجل بين القوى المحافظة التي تعتبر الدين الاسلامي مرجعيتها و بين القوى الحداثية التي تنادي بالمساواة بين الرجل و المرأة ليس فقط في الحقوق و الواجبات و اكترها العبادات و مازال مستترا الى الان في العالم العربي الاسلامي و على رأسه المغرب دون ان تهتدي القوى المحافظة الى حقيقة ما تدعو اليه مرجعيتها التي يقصد بها الدين الاسلامي الذي نزل في شأنه كتاب الله . و كان حريا على هذه القوى التي افرزها ما يطلق عليه الربيع العربي الذي كان السبب في ترقيتها الى سدة الحكم في بعض البلدان العربية الاسلامية و على الاحكام الشرعية المتعلقة بالمساواة بين الرجل و المرأة و الرجوع بالمرأة الى عصر الانحطاط . و لا يجوز ان يختلف الجميع في شأنها ، انها مسألة لا تقبل المساومة و المزايدة .
و اذا علمنا ان العلم هو الذي يهدي الانسان الى طريق الخير و ان العقل هو الوسيلة للتعلم سواء كان علم الدين او علم الدنيا . يلعب دورا اساسيا في بناء الحضارة و التقدم و يرقى بالمكانة اللائقة بالمرأة في المجتمع من حيت هي انسان معنية بالخطاب الرباني على قدم المساواة مع الرجل . و هذه الحقيقة لا يجب معارضتها و مخالفتها بنظرة الدناءة كما كان الامر في الجاهلية حيت عانت المرأة كثيرا من براثين الجاهلية بما في ذلك هدر حقوقها كانسان و كرامتها و بتحقيرها و دنائة مكانتها و عدم التوريث الى درجة دفن البنات و هن احياء خوفا من العار . و التعامل الدنيء للأنثى ورد في شأنه قوله تعالى : (( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ)) . ثم ((وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ)) . لكن لما جاء الاسلام اصبحت المرأة تحظى بمكانتها السامية ، و تتمتع بجميع حقوقها كما يتمتع بها الذكر .و في هذا الصدد فقد اوصى الرسول (ص) بحسن معاملة النساء بقوله ( استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان بينكم ) .و قد شهد لها التاريخ بدورها في الجهاد و العلم و المساهمة في الاهتمام بشؤون المسلمين كما هو الحال في الظرف الراهن حيث يجب الاعتراف بكفاءة المرأة و قدرتها في ادارة مجالات سياسية و اقتصادية و اجتماعية و ثقافية و اكثرهن نشيطات في المجتمع المدني . لذلك لا يمكن الاستغناء عن دورها في الحياة اطلاقا .
و هكذا فان الوحدة البشرية مكونة من صنفين الرجل و المرأة فلا معنى لأحدهما دون الاخر و لا يمكن ان يستمر النوع البشري بزوج واحد و لا سبيل للاستمرار و تناسله و استمراره و قيامه تبعا لذلك بوظائفه في هذا الكون بوظيفة العبادة و ما يدخل تحتها في تعمير لهذا الكون كل ذلك منطق الوحدة الزوجية الوحدة المؤلفة من الذكر و الانثى من الرجل و المرأة لا سبيل الى التمييز بينهما . و المؤسسة الزوجية هي اصيلة في الكون كله مركب على هذه الزوجية بقوله تعالى (( ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ))) اية 49 من سورة الذاريات .
و عليه فالكون عامة تأسس على هذه الثنائية المتكاملة لا ثنائية متضادة و لا متصارعة .و على كل فقضية المساواة بين الرجل و المرأة فقد اشتد النقاش في شأنها في المغرب وغيره نتيجة التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي لا سيما طيلة السنوات الاخيرة انطلاقا من حكومة التناوب التوافقي التي يترأسها استاذنا عبد الرحمان اليوسفي الكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي انداك . و كان ضمن اولويات الاصلاحات التي شرعت في تدشينها اوضاع المرأة و و كانت أول حكومة مند الاستقلال اسندت مناصب وزارية لعدد من النساء ، في حين ان حكومة بن كيران في نسختها الاولى و الثانية لم تسند هذه المسؤولية الا امراة واحدة ، و ذلك في الذي يجب على بلادنا مسايرة التحولات التي يعرفها العالم لينخرط في النظام الدولي الجديد و كان من اللازم ان يكون قويا سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا و ديمقراطيا و يواجه التحديات التي تفرضها العولمة .
و لا شك ان احد مظاهر الحيف التي مازالت قائمة في خضم هذه التحولات تتعلق بالفوارق بين النساء و الرجال رغم كون المساواة في الحقوق كانت احد الحركات المهمة و الايجابية في القرن العشرين المنصرم خاصة ان العولمة قامت و تقوم بتغيير البنيات للعمل و اماكن العمل ، فان العائلة و على راسها النساء ما زلن مستغلات اقتصاديا . لذلك يجب ان يلعبن دورهن لتعزيز روابط التضامن ، تستطيع من خلالها تعزيز المساواة و العدالة وكان من الطبيعي ان تأخد النساء اللئي كن دائما ضروريا للحفاظ على الانسجام الاجتماعي امام الامور تتصور بناء نماذج جديدة للعائلة يكون كل عضو فيها محترما و تصبح نواة حقيقية للتضامن و التقدم في المحيط العالمي الجديد . و لا يمكن تحقيق هذا التقدم اتلا بتحقيق المساواة بين الرجل و المرأة حيت تشكل نصف المجتمع الذي لا يستقيم إلا بها . هذا و بخصوص المساواة بين الرجل و المرأة في المغرب فقد تم الحسم فيها في دستور المملكة و هو اسمى قانون في البلاد حيت نص عليها بوضوح و بصراحة في الفصل 39 من الباب الثاني حيت جاء فيه ” يتمتع الرجل و المرأة على قدم المساواة بالحقوق و الحريات المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية الواردة في هذا الباب من الدستور و في مقتضياته الاخرى و كدا في الاتفاقيات و المواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب و كل ذلك في نطاق احكام الدستور و ثوابت المملكة و قوانينها بين الرجل و المرأة ” .و تحت لهذه الغاية هيأة المناصفة لمكافحة كل اشكال التمييز لكن الملاحظ ان هذا المبتغى مازال في طور التحقيق ، يتوجب النضال و الكفاح من اجل تحقيقه حيت مازالت قوى المحافظة و قوى الجمود و رموز الازمة و عناصر الافساد مصرون على عرقلته و عرقلة كل اصلاح و تقدم . و كما سبق ذكره في البداية فان المساواة بين الرجل و المرأة مصدرها القران الكريم حيت ان خطابه موجه للإنسان في عدة اياته فتارة يشير الى الانسان و ثارت اخرى يشير الى الناس و يقصد به الرجل و المرأة هذا الكائن هو الانسان .
و يبدو ان اول ما نزل في كتاب الله عز وجل في فواتح سورة العلق لا حديث فيه لا عن الرجل و لا عن المرأة لا فرق بين الكبير و الصغير و لا عن المكان و ذلك بقوله تعالى ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)) . و في سورة الانفطار ((يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)) . اما في سورة البقرة فجاء قوله تعالى (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)) و كرر الناس في سورة الناس بقوله (( قل اعود برب الناس ملك الناس اله الناس )) و في سورة النساء يشير الى الرجال و النساء بقوله تعالى (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1))) . و هناك ايات متعددة لا يتسع المجال لسرده كلها خاطب القران فيها الانسان باستثناء صغير بسيط يتعلق بنساء النبي (ص)في ايتين لأنه خصوص يعطيه معنى خاصا و يتعلق الامر بقوله ((يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (32))) فهو الخطاب الوحيد الموجه لنساء البني (ص) .
و انطلاقا مما ذكر لا يجب ان يعتقد الغربييون و غيرهم كيفما كانت اختياراتهم السياسية و الفكرية و عامة المسلمين و الناس اجمعين ان المساواة بين الرجل و المرأة ليس مصدرها الاعلان العالمي لحقوق الانسان او المواثيق الدولية انهم هم من ابتكروا مسألة المساواة بين الرجل و المرأة بل كان مصدرها الذكر الحكيم و السبع المنان و القران الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و من خلفه و لم يتعرض للتحريف او التأويل كبقية الكتب المنزلة لا تبديل و لا تحويل لكلماته . و كل من جحد بما جاء في القران فهو كافر والعياد بالله . و هكذا ترى القوى المحافظة ان مسألة المساواة كان مصدرها الغرب خاصة في الدول الاسلامية التي كانت مستعمرة و استثنت افغانستان و السودان …الخ . التي مازالت تحافظ على القيم الاسلامية و ذلك تحت شعار حرية المرأة . و في هذا الصدد اتير الانتباه ان القوى المحافظة تحرم السفر الى ما يسما عندها بديار الكفر ، و كذلك عدم الخلط بين النساء و الرجال في الادارة و تعتقد ان دورها ينحصر في المنزل ، اما الواقع المر الذي يلاحظ على بعض عناصر هذه القوى يمتهنون النصب بهندامهم و لحاهم كأنهم تقاة اما اغلبية نسائهم فقد يحتلن بدورهن مهنة التحرش الجنسي و ترويج المخدرات ، و قد اصبح هؤلاء مصابون بمرض الكبت الجنسي . و يبدو ان سلوك هذه القوى التي تسيء الى استفتاءات الشعبية كما يقوم اغلبيتهم بتضليل الناس الجهال باسم الدين و الحال ان الدين براء منهم . و هكذا فان اخطر تحد يواجه المغرب هو تنامي القوى المحافظة في المجتمع مستغلة في ذلك الفقر و الامية . مما لاشك فيه ان ما تقوم به هذه القوى هو تنفيذ مخططات الماسونية و الصهيونية وهما اعداء الدين الاسلامي حيت يسعون القضاء عليه بأية وسيلة ، حيت كان بنو اسرائيل يقابلون نعم الله بالإساءة و هم اخبت خلق الله و جعل منهم القردة و الخنازير و باؤوا بغضب الله بقتلهم الانبياء و الامنون بالقسط ، و قد اشار الله الى صفاتهم في عدة ايات قرآنية و على رأسها الاية 20 من سورة البقرة و ما تلاها ((يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32))) . صدق الله العظيم .
الثلاثاء 12 شوال 1439 هج / 26 يونيو 2018.