في الوقت الذي يتم فيه الحديث عن ضرورة اعتماد نموذج تنموي جديد في المغرب، قصد تصحيح الاختلالات الكبرى، في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية، يحق لنا أن نتساءل هل كانت بلادنا تتوفر على نموذج تنموي حقيقي، إلى حدود اليوم.
هناك من الخبراء من يعتبرون أن المغرب يتوفر فقط على برامج ومخططات قطاعية، حققت بعض التراكم، غير أنها لم تتميز بالانسجام والتنسيق، كما أنها في العديد من الحالات تتم دون تقييم جدواها أو تستبدل بمخططات أخرى، دون محاسبة، رغم أن كلفتها باهظة.
وبالعودة للماضي، سنجد أن هناك بعض المحطات الكبرى، التي ميزت مسار المغرب، حيث إنه في بداية الاستقلال، وخاصة مع حكومة عبد لله إبراهيم، كان هناك مخطط واضح لإقامة صناعات مرتبطة بالفوسفاط وكذا بالصناعات البتروكيماوية، مع الدفع نحو سياسة التصنيع، الذي تلعب فيه الاستثمارات العمومية دوراً مهما.
غير أن هذه المخططات لم تتواصل بنفس الإيقاع، وتم التركيز فيما بعد على الفلاحة التصديرية، في ارتباط مع سياسة بناء السدود، وعلى السياحة. و استمر هذا التوجه، إلى منتصف الثمانينيات، ليأتي مخطط التقويم الهيكلي، الذي تخلت فيه الدولة عن عدد من المؤسسات العمومية، وفتح الباب أمام القطاع الخاص وتم تغيير النظام البنكي والمصرفي والضريبي، وتطور قطاع الصناعات الغذائية والصيد البحري، والخدمات ، في أفق ليبرالي، بكل تبعاته الاجتماعية على الخصوص.
في خلفية كل هذه المخططات، كانت هناك التصورات السياسية والإيديولوجية، تتحكم في المنظور الاقتصادي، سواء في حكومة عبد لله ابراهيم، أو ما تلاها من حكومات، غير أنه منذ التقويم الهيكلي، أصبحت كل الحكومات، مضطرة إلى مسايرة نهج لا تتغير معالمه الكبرى، يعتمد على التحكم في التوازنات المالية والحد من المديونية.
داخل هذا الإطار سارت كل البرامج والمخططات، التي جاءت من بعد، سواء في الفلاحة أو السياحة أو الصيد أو الصناعة والطاقات المتجددة.
غير أن النموذج التنموي لا ينحصر في المخططات والبرامج، بل هو مشروع متكامل منسجم، أي مجمل العناصر الهيكلية المتكاملة، في الاقتصاد والحماية الاجتماعية والتعليم والثقافة والحكامة والعدالة وحقوق الإنسان والمساواة والبيئة والتنمية المستدامة…وهو ما ينبغي التفكير فيه لإدماج البرامج والمخططات في مشروع مجتمعي واضح.