قال علي بن ابي طالب ” الغنى في الغربة وطن و الفقر في الوطن غربة”
قال أبو ذر الغفاري ” إذا سافر الفقر إلى مكانٍ ما قال الكفر خذني معك.”
للأعياد دلالات متعددة و يتحكم في إحيائها طقوس وعادات معلومة خاصة وعامة روحية ومادية، و تعتبر تتويجا لحدث أو موسم ، أو احتفالا بأعياد دينية ، أو وطنية ، أو للإحتفاء بانتصارات تاريخية وعلمية ،…إلخ
وما يهمنا هنا هو دلالات عيد الفطر ؟ وفلسفة إخراج الزكاة ؟ .. فهل يحـتفل المحتاج بخصاصه ويسعد بترسيم الفقر في يوم من أيام الفرح ؟ ..أم يحتفل المزكون ويسعدون باستمرار وجود الفقراء لكي يخرجوا دريهمات لاتسمن ولاتغني فقيرا واحدا ناهيك عن أن تخرج الناس من دائرة الفقر إلى دائرة الإنتاج والعيش الكريم وإقرار عدالة إقتصادية و إجتماعية ؟ وهل نعلم ونهتم فعليا بكل فقراء الوطن وخاصة الذين “يوثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة ” سورة الحشر ، والذين لايسألون الناس إلحافا ، وهم الغالبية التي لم ينتبه أو لم يهتم بأحوالها ، والذين لادخل قار ولاقدرة عندهم ليجدوا لأنفسهم عملا دائما والذين هم أشد فقرا ويخفونه عن محيطهم ويفضلون تحمل كل مشاكل الفقر على أن يمدوا اليد لغيرهم ، بل قد يحسنون إن استطاعوا لمن هم مثلهم …
قال تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ).. سورة البقرة
..هذه الأسئلة وغيرها ونحن في القرن 21 تطرح علينا جملة من الإشكالات والحقائق منها أن العديد من دول العالم الإسلامي مازالت لم تمسك بتلابيب وناصية التنمية ، ولم تستطع القضاء على التخلف في علاقة بأوضاعها الداخلية ، أو في تقابل مع الدول الأكثر تقدما منها ، ومازالت ترتجل وتتردد في تبني وأعتماد روح وجوهر العدالة الإجتماعية في الإسلام وأهمية تجسيدها في الواقع الملموس ، وتعاني من الفشل في الجوانب العلمية و العملية للدين التي تضع المجتمع برمته وليس طبقة محدودة في الدرجة الأولى للإهتمام والبناء والتنمية المعرفية و الإقتصادية والإجتماعية حتى يكونوا بالفعل كما قال الرب في سورة الإسراء : ” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا “..
فهل تساءل الجميع عن الجواب العملي المستدام الذي يعفي الناس من الفقر والتجمع على موائد لطخها التوظيف السياسوي ، والبهرجة والركوب على الدين ، بعد أن نظمها البعض بحسن نية ، و احتفل وتباهى وتبجح البعض الآخر بعرض موائد الإفطار سواء من ماله الخاص أو من منح الجماعات الترابية أو مساهمات بعض الشركات ، ووثقت كل تلك اللحظات في الذاكرة والإعلام التي يراها البعض مفخرة بكثرة المستفيدين وكأن لسان حالهم يقول ” اللهم كثر الفقراء والبؤساء لنتصدق عليه ؟! “، ويراها الحقوقيون والساعون لبناء دولة الحق مظهرا من مظاهر غياب أوضعف العدالة الإجتماعية في السياسات العمومية ..
فكيف يفرح بالعيد الذي لايعمل ولادخل له ، و من يعمل ودخله هزيل ؟ .. والذي لايستطيع تعليم ابنه ولا علاج نفسه ؟ ..والذي لامأوى له ،أو سكنه غير لائق إنسانيا ؟ ..أو من أثقل كاهله الغلاء والديون ..؟ ..إلخ
إننا عندما نتصدق بدرهم او جزء منه أو أكثر .. و نوزع الألبسة المستعملة و الأغطية ، أو نطعم طعاما ، أو نجمع مبالغ مالية للمساهمة في علاج مريض ، أو أداء ثمن تنقل ..إلخ.. وفي نفس الوقت نمتنع عن التعامل مع أسباب الفقر ونتائجه المختلفة بالمجتمع والدولة ، لاننتبه إلى الدروس التي قدمها تاريخ الديانات و تاريخ الفكر والنضال البشري ، وكان علينا أن نستأنس بالحديث النبوي «مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَان وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ» ..و بقولة للزعيم الهندي غاندي : ” الفقر هو أسوأ أشكال العنف” ..
إن تتبع المواطنين الفقراء للبرامج التلفزية والتحركات القبلية للأعياد ، و نظرتهم للأمور ليست إطلاقا مثل نظرة غيرهم وخاصة الأغنياء ومن هم ما فوق الإكتفاء الذاتي وأقرب إلى الرخاء ..إنهم أصبحوا يشكون في كل شيئ ويعتقد العديد منهم أن كل أوجه ” الإحسان” هي مجرد فتات فقط لتهدئتهم و تسويفهم عن المطالبة بحقهم في العيش الكريم ..ومن العلامات : التذمر والسخط و الإحتجاجات والحراك الاجتماعي الذي تنوعت مظاهره وطرقه، وكثرة الإستهزاء والطعن في السياسات الرسمية والمؤسساتية العامة والحزبية و.. ، مما يثير بقوة الإنتباه ويدق نواقيس المخاطر بوضوح لعلنا نستيقظ ونتجند لتجنب الأسوء ..
فكيف سنبني مجتمعات قوية وجزء هام منها خارج الإهتمام والتنمية ومعطل بسبب السياسات المتبعة ، ونحن ندعي أننا “خير أمة أخرجت للناس” وما استطعنا ان نعدل وننصف الناس ..؟
إن الحال كما نرى ونعلم ، ورغم ذلك نقول إننا كلنا في عيد وغالب الفقراء يتسابقون ليلة ويوم “العيد”في الشوارع والأزقة وعلى البيوت للتوسل والتسول لعلهم يجمعون ما يكفيهم لأسبوع أو أقل ..
جاء في الحديث الصحيح، أن هرَقل عظيم الروم قال لأبي سفيان: مَن يتبع هذا النبي: أهُم الرؤساء أم الضعفاء؟ فقال أبو سفيان: بل الضعفاء، فقال هرقل: هكذا أتْباع الرسل.
و في علاقة بالحديث نقف على أن من غايات إتباع الضعفاء للنبي : – التخلص من ظلم الإستعباد ، وذل الجهل ، وتعسف الأغنياء والأعيان والمستبدين ، – وللتحرر من المعتقدات والتقاليد والأعراف الفاسدة المكرسة للطبقية الظالمة ، – ولبناء مجتمع جديد يحفظ لهم كرامتهم ، – ويرفع عنهم الإصر والأغلال ..وليس تغيير العقيدة والإبقاء على المظالم والفكر الجاهلي و تكريس الفقر و الإستعباد بكل أشكاله وأنواعه ..
قال الحسن البصري “قرأت في تسعين موضعا من القرآن أن الله قدر الأرزاق و ضمنها لخلقه ، و قرأت في موضع واحد : الشيطان يعدكم الفقر … فشككنا في قول الصادق في تسعين موضعاً و صدقنا قول الكاذب في موضع واحد”.
ورغم كل هذا نقول اللهم اجعل هذا العيد بعد شهر الصيام والقرآن مدخلا وبابا لإصلاح حقيقي وملموس لسياساتنا وأوضاعنا ومؤسساتنا وأنفسنا ..وأن يعيش شعبنا الأبي معززا مكرما في وطن قدم أبناؤه تضحيات جمة وغالية من أجل الحرية والإستقلال والعزة والكرامة لأهله لقرون وإلى يومنا هذا ،اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسا طرفة عين، وأصلح لنا شأننا كله…آمين
تارودانت :الخميس 29 رمضان 1439 هج/ 14 يونيو 2018.