نرى ان كثير من الناس يتهافتون على تولية المسؤوليات في المؤسسات المنتخبة و المناصب بهدف الريع المادي و المعنوي و يسعون اليها بمختلف الوسائل و الاساليب المذمومة مع علمهم بأنهم ليسوا اهلا لها .
و هذا الصنف من الناس يفتقد الى الوعي بأهمية و خطورة المسؤولية امام الله و امام من اؤتمن عليهم ، و المسؤولية تقتضي خدمة المصالح العامة و شؤون المواطنين ، هذا و لما لم يتوفر هؤلاء على الاهلية و الكفاءة و الاحساس و الشعور بان المسؤولية امانة فكان من الطبيعي الا يرعونها حق رعايتها و يستخفون بها ، و هكذا يلاحظ ان كثيرا من المسؤولين في مختلف المجالات السياسية و الدينية و الاجتماعية و غيرها خصوصا في الظرف الراهن يحصل القصور و الاهمال و هدر الحقوق و الحريات في اداء مهامهم . و لهذه الاسباب تم اعفاء الكثير من المسؤولين الكبار من المهام المنوط بهم و اقالة بعضهم كما احيل الكثير منهم على المجالس التأديبية و جاءت هذه الاجراءات بعد احتجاجات المواطنين في بعض المدن من البلاد حيث اصبح المغاربة واعون بحقوقهم المهضومة التي لا تقبل التأجيل و الوعود الكاذبة قبل اي وقت مضى .
و في الاسابيع الاخيرة تمت تعبئة طبقات عريضة بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا في صفوف الشباب لمقاطعة المواد الاستهلاكية ، التي تم احتكارها من طرف بعض الشركات و يتعلق الامر بحليب سنطرال و ماء سيدي علي و كذلك مقاطعة مادة البنزين التابعة لشركة افريقيا . استأثرت هذه المقاطعة الرأي العام و الوطني و الدولي ، الا ان الحكومة عوض معالجتها في اصلها المتعلق بتخفيض الاسعار للمواد الاستهلاكية و ضعف القوة الشرائية لدى الشريحة العريضة من الطبقات الفقيرة و من ذوي الدخل الضعيف ، إلا انها شرعت في التهديد بالمتابعة القضائية باعتبار ان الامر يتعلق بنشر اخبار زائفة او افتراءات الى غير ذلك ، و هنا تكمن المسؤولية الجسيمة لدى الجميع و المتعلقة بالمصلحة العليا للبلد ، لذا ينبغي احترام حرية الاختيار للمستهلك او بالأحرى للمواطنين لاقتناء المواد الاستهلاكية التي يحتاجها من جهة و تفعيل قانون المنافسة و مراقبة الاسعار من جهة اخرى دون المساس بحقوق الغير ، و في نظري فان ما وقع يجب معالجته فورا دون ان يلحق الضرر باحد . و عليه يجب تغليب مصلحة البلد على المصلحة الخاصة لان الجميع مطالب بالتضحية من اجل مصلحة الوطن و الحفاظ على امنه و استقراره و سمعته .
صحيح ان بعض الظواهر المسيئة لسمعة البلد قد اتخذت منحى خطيرا و يتعلق الامر بظاهرتي الرشوة و الزبونية و المحسوبية و غيرها الى جانب القصور في اداء المسؤولية في عدة قطاعات حساسة ، فالواجب على المسؤول كيف ما كان موقعه الرقي بمصالح من ولى شؤونهم الخاصة و العامة ، و الشفقة عليهم و الاحسان اليهم و اتباع مصالحهم و دفع الشر و الظلم عنهم و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و هذا ما يستفاد من الاية 90 من سورة النحل لقوله تعالى : (( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )) .
اما في الحديث المشهور الذي رواه ابن عمر عن النبي ( ص) و قال سمعت رسول الله (ص) يقول ” كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته و المرأة راعية في بيت زوجها و الخادم راع في مال سيده و مسؤول عن رعيته و كلكم راع و مسؤول عن رعيته ” و يبدو ان هذا الحديث صريح و واضح يربط الامانة بالمسؤولية ، و هكذا يجب اسناد المسؤولية لمن اهلا لها ، و من خير الناس اذا انيطت لغيرهم و ليسوا مؤهلين لها فان من ولاهم يكون قد خان الله و رسوله حسب حديث اشار اليه شيخ الاسلام ابن تيمية في كتابه ” السياسة الشرعية ” كما ان ابي يعلى معقل فقد روى بدوره حديث في نفس الاطار حيث جاء فيه ان الرسول (ص) قال ” و ما من عبد يسترعيه الله رعية فيموت يوم يموت و هو غاش لرعيته الا حرم عليه الجنة ” . اما واجب الرعية على ولاة الامور فقد اجمع العلماء و الجمهور على السمع و الطاعة في غير معصية ، اما التمرد على ولاة الامور فمنهي عنه شرعا انما يجب نصحهم و عدم الخروج عنهم و التشويش عليهم .
و مما تجدر الاشارة اليه انه لا يجوز شرعا التمرد على ولاة الامور اطلاقا ، لان هذا التمرد هو الذي وطد الفتنة في عهد الخليفة عثمان و من شأنها تدمير الامة و هو ما حصل في بعض البلدان العربية الاسلامية في المشرق العربي و ما زالت هذه البلدان تعيش ازمة الى يومنا هذا حول الاستقرار و الامن . فالطوائف التي تدعي الانتساب للإسلام او التي تقاتل من اجل اقامة الخلافة في البلدان العربية الاسلامية فقد زاد في تعميق الازمة و توتر العلاقات بين الانظمة السياسية التي تحكمها فيجب اخذ العبرة مما يعيشه اخواننا العرب و المسلمين في العراق و اليمن و ليبيا و سوريا حيث لم تجد هذه البلدان سبيلا للخروج من الازمة المتعلقة بانعدام الامن و الاستقرار في بلدانها و هذا الوضع هو الذي كان اعداء الامة ينتظرونه و على رأسهم اسرائيل و امريكا و البعض شرقا و غربا . و لذلك فعلى المغاربة ان يحمدوا الله و يشكرونه على الاستقرار و الامن الذي يتمتعون بهما و عليهم التماسك حول قضية الوحدة الترابية التي وقع عليها الاجماع و يجب الحفاظ على المناعة و تقوية الجبهة الداخلية ، فإنها امانة تاريخية ملقاة على الجميع حاكمين و محكومين و الحرص على الاستجابة لمتطلبات الشعب المغربي ، و انذاك سيكون قويا سياسيا و اقتصاديا و حقوقيا و ديمقراطيا لمواجهة التحديات و مسايرة تطورات العصر .
لئلا يتخلف من جديد على موعد مع التاريخ اذ يجب على كل مسؤول ان يتحمل المسؤولية المنوطة به ، و لا يبخل في اداء الامانة لئلا يكون خائنا لله و الرسول و اولي الامر حيث تجب الطاعة مصداقا لقوله تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ” . و مما لا شك فيه ان ما يحصل في البلدان المشار اليها من فتنة كان سببها التمرد و الخروج على ولاة الامور ابتداءا من بنعلي في تونس الى مبارك في مصر و القذافي في ليبيا و عبد الله صالح في اليمن ، اما سوريا فقد استمر الاقتتال بهدف تنحية بشار الاسد و اغتياله ، و كانت الحصيلة ليس فقط غياب الامن و الاستقرار و حصد الارواح ، بل فتح المجال للتدخل الاجنبي في شؤون البلد و غيرها . و هذا ازم اوضاع الامة الاسلامية ، فقد صح قول ابن تيمية ” إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة. “
كما ان العدل هو اساس الملك و هو ما نفتقد اليه في بلداننا العربية الاسلامية .
الجمعة : 09 رمضان 1439 هج/ 25 ماي 2018.