مرت سنة ونصف على صرخة والي بنك المغرب، حول المستفيدين الوحيدين من تحرير الأسعار الخاصة بالمحروقات..
ومرت سنة ونصف قبل المقاطعة، من الرصد المباشر لهول ما يحصل بعد تحرير الأسعار في مجال حيوي يهم بالذات النفط، وإسقاطات أسعاره على باقي مستويات الحياة المعيشية للمغاربة (المواطنين طبعا)…
في شهر نونبر من سنة 2016 لم يتردد والي بنك المغرب،
عبد اللطيف الجواهري، في اتهام شركات المحروقات بجمع الأرباح على حساب المواطنين المغاربة، وقال بالحرف المليان: ليس هناك أي استفادة للمواطن المغربي من الانهيار الكبير لأسعار النفط عالميا، ولا يستفيد منها سوى شركات توزيع المحروقات، مضيفًا أنه: «ليس من المعقول أن يشتري المواطن المحروقات بنفس السعر الذي كان وقت وصول سعر البرميل لأكثر من 140 دولارا»….
نحن إذن أمام مؤسسة من مؤسسات المغرب الاستراتيجية، بنك المغرب، التي يعلن فيها الرجل الأول الذي يتولى الحالة الصحية للمالية الوطنية، أن الأمر يتعلق باحتكار الربح، بعد أن زال احتكار الدولة لتدبير الملف النفطي، وما يتعلق باستهلاك المحروقات..
كانت الحكومة التي اتخذت القرار تتذرع بأن التحرير لن يصيب الناس بمكروه، وأن كل استشعارات الخوف التي رصدتها مجسات الحس الشعبي أو التحليل المنطقي لا أساس لها من الصحة..
لا أحد يبدو أنه معني بما تقوله المؤسسات المنصوص على جديتها وعلى قانونيتها في نفس الوقت..
المؤسسة الأخرى التي كان من الممكن أن يكون صوتها، ذا صدى، بل أنها كفيلة بأن تعقلن السوق لفائدة المغاربة، لا أثرياء التحرير، هي مؤسسة مجلس المنافسة.…
وقد خرج أيضا رئيسها المعين، لكي يحدث العموم عن التعطيل الشبه إرادي لعمله، مع من هم جزء من مؤسسة المنافسة..
لن نضيف مؤسسات أخرى هي من صميم البناء في هندسة الدولة الحديثة، كما راكم بنياتها العهد الجديد أو قررها توافق الأمة أجمعها حول دستور 2011، وهي بنيات من صميم التفعيل القوي للحكامة الجيدة في تدبير دواليب الدولة، لا سيما تلك التي تتعلق قراراتها بالحياة اليومية للمغاربة..
ومن هنا، يتضح أن الأمر لا يتعلق بأزمة في المؤسسات بقدر ما أنها أزمة في تفعيل مفهوم الحكومة والحكامة، وممارسة هذا الحكم، الاقتصادي بالذات ..!
ولننتبه إلى انتقادات الطيف السياسي، لأن هناك فعلا انتقادات من كل حدب وصوب، فليس هناك من رفع السقف أكثر من تفعيل المؤسسات المنصوص عليها دستوريا، أو التي تفعل باسم الحكامة المالية أو التي توجد كوسيلة عمل مؤسساتية.. والجميع يريد تحصين ممارسة الحكم الاقتصادي أو التدبيري من كل الضغوطات واللوبيات التي أصبح اسمها يتداول بكل حرية في أروقة البرلمان كما على لسان المسؤولين..
ومن تمظهرات أزمة الممارسة، نوع الخطاب..الذي رافق المقاطعة وما أفرزته من ردود فعل اخترقت الطبقات الاجتماعية وإن كانت بؤرتها الزلزالية توجد في الطبقة المتوسطة..
فلم يتبين أبدا أن هناك خطابا يليق بحجم المبادرة الشعبية، ولا بحجم الخصاص المؤسساتي من جهة الممارسة طبعا وليس من جهة الوجود، ولا بحجم السياق الاجتماعي المتفجر الذي تابعت أطواره من زلزال الريف ..
لقد سعت الخطابات إلى نوع من التخفي وراء الاستسهال والاعتبارات المتوسطة المدى إن لم نقل اللحظية التي تموت على شفاه قائليها.. ولم تتجاوز ملكة الإدراك السياسي أبعد من الـ…حرج الذي شعر به هذا الطرف أو ذاك!
القاموس الذي يعد الحامل الحقيقي لطبيعة التصور الذي يملكه الممارس السياسي، لم يرق إلى هذه المستويات،… ولا نعتقد بأنه سيرقى في القريب من الأيام!