بعد اكتساحه لمساحات شاسعة على أرض المعركة، وسيطرته على منصات التواصل الاجتماعي، وتشكيل قاعدة جماهيرية مناصرة ومدعمة لحراك المقاطعة، نجح شعب الفايسبوك بمختلف شرائحه الاجتماعية، بشكل كبير، في انتزاع شرعية مطلبه الأساسي المتمثل في تخفيض أثمنة مجموعة من السلع الاستهلاكية، وضرورة مراجعة قائمة المواد الاستهلاكية التي يعتمد عليها فقراء الوطن في حياتهم.
وحسب مراقبين ومحللين لهذه المقاطعة، فمن الممكن أن يصل مداها خلال شهر رمضان، إلى المطالبة بإقالة حكومة العثماني، ومحاسبة وزراء كانوا سببا في تأجيج الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، والكشف عن ملفات الفساد، فضلا عن المطالبة الملحة بإعادة عقارب ساعة تدبير الشأن الوطني إلى الوراء، (من نهار حط بنكيران رجله في الحكومة) من أجل فتح ملفاته، وتقديم رئيس حكومة عفا الله عما سلف للمحاكمة، ومحاسبته على كل الأخطاء الديبلوماسية والسياسية والاقتصادية، وإلغاء كل قراراته. تلك القرارات التي افقرت الشعب ورفعت بشكل صاروخي من أسعار المواد الاستهلاكية، وتجميد الأجور، وتمرير خطة التقاعد، والعمل بعقدة التشغيل، ورهن الوطن بالديون في أيدي الأبناك العالمية…الخ.؟
لقد اعتبر المراقبون والمتتبعون لحراك المقاطعة، بأنها مبادرة رائدة وراقية في شكلها الاحتجاجي، غير مسبوقة على مستوى التجاوب السريع والانخراط والاصطفاف، على اعتبار أنها تمرين وتسخين ميداني للدفاع بطرق جديدة عن المطالب وتحصين المكاسب، دون الدخول في مواجهات مع السلطات الأمنية في الشوارع والفضاءات العمومية، بحيث تعامل معها جيل مواقع التواصل الاجتماعي الحدق بشجاعة، وأبدع في التعاطي معها بكل ألوان وأنواع الصور الفنية والكاريكاتير واللوحات الشعرية والموسيقية والكوميدية الساخرة.
ومما أضفى على حراك المقاطعة تلك المسحة واللمسة المسؤولة، هو انخراط عدد وازن من السياسيين والجمعويين والحقوقيين والفنانين والمبدعين والمفكرين والباحثين ونساء ورجال التعليم، دون الحديث عن الطلبة والتلاميذ والفلاحين والباعة المتجولين، وأصحاب دكاكين البقالة، علاوة على فئة عريضة من القوات والجماهير الشعبية التي ضاقت العذاب من فترة تحكم حزب العدالة والتنمية باسم زعيمهم.
وقد أكد فريق من المتخصصين المبحرين في العالم الأزرق، بأن شعب الفايسبوك كان ذكيا على مستوى خرجاته وتدويناته، وترافعه في موضوع المقاطعة، بالقرائن والدلائل والحجج، واستطاع التحكم في مسار تسجيل النقط على خصومه من وزراء الحكومة (بوسعيد، الداودي، الخلفي، العثماني…) الذين تورطوا في توجيه التهم بمفردات نابية، وتوصيفات لا تليق بمستواهم المركزي، مما زاد من إصرار وعزيمة شعب المقاطعة في نهج سياسة “شد ليا نقطع ليك”، والتي ستبرز بشدة مع دعوة حزب العدالة والتنمية وأذرعه المحورية لتنظيم مسيرة مليونية مساندة للقضية الفلسطينية بالرباط. فرغم نداءات العديد من الوجوه الإسلاموية التي تتلفع بقناع الورع والتقوى والطهرانية، إلا أن فشل الحزب في استغلال قضية فلسطين لقياس حرارة تعاطف الشعب معه كانت بارزة على مستوى المسيرة الباهتة والفاشلة، والتي شبهها شعب المقاطعة بتجمهر لعشاق كرة القدم أمام محطة القطار.
حكومة تنعت الشعب بالمداويخ، والمجهولين، والجيعانين، والقطيع، وكأنها حصلت على أصوات الناخبين التي بوأتها كراسي تدبير الشأن الوطني، من خارج تراب أرض المغرب، وكأنها حصلت على تلك النسبة من الأصوات من مسؤولي صندوق النقد الدولي ومن مالكي شركات الحليب والماء والمحروقات، وشركات احتكار الانتاج والتصنيع ومن ناهبي المال العام.
شعب “مدوخ” استطاع أن يزعزع الأرض من تحت أقدامكم من خلال تواصل افتراضي بين مختلف شرائحه الاجتماعية المقهورة والمهمشة، يستحق أن تنزعوا قبعاتكم، وتنحوا له احتراما وتقديرا، وتنهوا هذه المعركة باستقالة جماعية، وتغربوا عن وجوهنا لنعيد ترتيب بيت حكومتنا بوزراء يقدسون المواطن والوطن.
في عهدكم أصبح الوطن يتيما، وطن بلا تعليم، بلا صحة، بلا سكن، بلا وظائف، ولم تنتجوا سوى الأمراض المزمنة، النفسية والعصبية، والجنونية، وانتشار المخدرات وكل الممنوعات، وصناعة الجريمة بكل أشكالها. بالله عليكم ماذا تنتظرون لترحلوا. ماذا قدمتم لهذا الوطن، وللمواطن المغربي منذ 7 سنوات خلت سوى المآسي والعذابات والفضائح؟ ما هي القيمة المضافة التي جئتم بها لأبناء وبنات الوطن سوى العطالة والتهميش والسجون والأمراض والجهل والأمية؟ أنتم مصيبة كبيرة حلت بهذا الوطن؟؟