القرآن جاء منجماً.. نزل على مدة اثنين وعشرين عاماً… فرضت حالة تنجيمه أو تفريقه هذه, مسيرة الدعوة الدينية التي كُلف الرسول محمد (ص) بالدعوة إليها… وأحداث السيرة النبوي وعلاقاتها مع الواقع آنذاك شائكة ومعقدة, فرضت نفسها على النص المقدس ( القرآن)  في حالات نزوله ونسخه وعموم نصه وخصوصيته, ومحكماته ومتشابهاته, بل وحتى في حالة (غرانيقه). وهذا ما جعل من النص الديني نفسه إشكالية في في تفسيره وتأويله, وبالتالي اعتماده مرجعاً وحيداً لأمور حياة المسلمين في سيرورتها وصيرورتها التاريخيتين بعد وفاة الرسول. فهذا على ابن أبي طالب يرفض اعتماد النص القرآن   مرجعاً لحل خلافه السياسي مع معاوية عندما رفع القرآن على أسنة الرماح في معركة صفين, قائلاً لصحبه لا تحتكموا بالقرآن فهو حمال أوجه. وهذا الرسول محمد (ص) يقول لمن سأله عن تأبير النخل وهو أمر حياتي : (أمور دنياكم أنتم أدرى بها), وهو ذاته القائل عن إشكالية النص القرآني: (القرآن ذلول حمال أوجه فخذوه على وجهه الحسن). لذلك نقول: من هذا المنطلق الإشكالي. نجد أصحاب الموقف العقلاني /الحداثي من المفكرين الإسلاميين الذين يؤمنون بالعقل وحرية الإرادة ألإنسانية وتغير الأحكام بتغير الأحوال, قد اعتمدوا في رؤاهم العقلانية هذه على النص الديني المقدس ذاته, مثلما اعتمد أصحاب التيار الجبري /التقليدي, على النص الديني ذاته أيضاً, وهو النص الجبري الذي لا يؤمن بدور العقل وحرية الإرادة ألإنسانية, ويدعوا إلى التمسك بسنن الله والفطرة التي فطر الناس أو خلقهم عليها, وهي سنة ثابتة عندهم وغير متناقضة أو متحولة. (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا(. (1) (فهل ينظرون إلى سنة الأولين, فلن تجد لسنة الله تبديلاً, ولن تجد لسنة الله تحويلاً.). (2). (فأقم وجهك لله حنيفاً , فطرة الله التي فطر الناس عليها, لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم.). ( 3).

     من هذا المنطلق الوثوقي  التسليمي بظاهر النص الذي يأخذ به أصحاب التيار الجبري التقليدي, دون البحث عن دلالات ومغزاه ورموزه, أي دون البحث عن القيم والمقاصد الإنسانية التي  جاء الدين من أجلها خدمة للإنسان في حالات تطوره وتبدل شروط حياته وظروفها الاقتصادية وبالاجتماعية, والتي على أساسها جاء النص الديني ذاته منجماً, وعلى أساسها جاء الناسخ والمنسوخ مراعاة لحالات التطور والتبدل هذه, يأتي الموقف الجبري في الخطاب الإسلامي السلفي, الذي يرى أن الإنسان إذا أصغى إلى النفس والشيطان فسيسقط إلى أسفل السافلين, وإذا أصغى إلى الحق والقرآن فسوف يرتقي إلى أعلى عليين, ويصبح بين الكائنات في أحسن تقويم. فالإيمان كما يقول الكاتب السلفي ألإخواني ” مصطفى حلمي” : (يفضي إلى التوحيد, والتوحيد يقود إلى التسليم, والتسليم يحقق التوكل, والتوكل يسهل الطريق إلى سعادة الدارين).(4). ثم يتابع في المرجع نفسه: ( والعلم الحق هو علم السلف, والسلف هم الصحابة والتابعون من أهل القرون الهجرية الثلاث الأولى, فأصبح مذهب السلف علماً على ما كان عيه هؤلاء, ومن تبعهم من الأئمة, والأئمة هم : سفيان الثوري, وسفيان بن عيينة, والليث بن سعد, وعبد الله بن مبارك, والبخاري ومسلم, وسائر أصحاب السنة دون من وصُف بالبدعة, كالخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية والمعتزلة وغيرهم.).(5). وعلى هذا الأساس تم تقعيد الفكر السلفي وقوننته, كفكر صالح لكل زمان ومكان, وكل خروج عنه هو بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.

     أما أهم معطيات هذا الفكر الجبري المنافي للحداثة والتقدم فيمكن إجمالها في التالي:

     أولاً: الشرع قبل العقل: فالسلفيون الجبريون يعتبرون أن السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين حتى القرن الثالث للهجرة, هم الأكثر قدرة على تفسير النص الديني وفهمه, وبالتالي هم الأكثر عقلانيةً في هذا الفهم والتزاماً به, لذلك يجب على الخلف الاقتداء بهم والأخذ برأيهم, وعدم تشغيل العقل بما اشتغل عليه السلف وقرروه في أمر الدين والدنيا, فهم أصحاب الرسول وهم المؤمنون. متكئين في موقفهم هذا على الآية التي تقول: ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين, نوله ما تولى نصله جهنم وساءت مصيرا.). (6), والمؤمنون هم السلف الصالح الذين حُددت هويتهم أعلاه.

      من هنا نجد أن هذا التيار السلفي يبدأ بالشرع أولاً, ثم يخضع العقل له. أي هم يكتفون بالرواية دون العقل والدراية , وأن العقل يجب أن  يوافق الشرع. والشرع هنا هو الأصل, والعقل يأتي الفرع.  وإذا كان التيار العقلي / الحداثي  قد اعتمد على  القرآن  والمتواتر من الحديث والعقل في العقيدة والتشريع كما سنبين لا حقاً, , فإن التيار الجبري / التقليدي يخالفهم في ذلك, فهم  يحتكمون في مراجع عقيدتهم وتشريعهم إلى القرآن والحديث النبوي والقياس والإجماع الذي قال به السلف الصالح, وطوعوا المفاهيم العقلية لها, أما القياس عندهم  فهوليس أكثر من البحث عقلياً عن دليل في هذه المراجع لتأكيد شرعية كل مستجد في هذه الحياة. فالعقل عند ابن حنبل ومدرسته, وعند الشافعي  والمالكي  وأبي حسن الأشعري وابن تيمية وابن قيم الجوزية ومحمد بن عبد الوهاب, والشيخ البوطي وكل السلفيين المعاصرين, يعجز عن الإحاطة بالحقائق التي أوردها الدين لأن الدين صادر عن خالق الخلق, وقد تناول جميع الفطرة الإنسانية ماضيها وحاضرها ومستقبلها, والعقل لا يمكن أن يحيط بكل هذه الفطرة والسنة الإلهية. (7). فهذا ابن تيمية يقول في هذا الاتجاه مقرراً حقائق لا يأتيها الباطل من تحتها أو بين أيديها: ( وكان من أعظم ما أنعم الله به على أهل السلف, اعتصامهم بالكتاب والسنة, فكانت الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان, ولا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن برأيه ولا ذوقه ولا معقوله ولا قياسه ولا وجده, فإنه ثبت عنهم بالبراهين القطعيات والآيات البينات أن الرسول جاء بالهدى ودين الحق وأن القرآن الكريم يهدي للتي هي أقوم.). (8).

     إن الجبرية يريدون من هذا, القول بأن الله أمر أن يُنظر ويُفكر في خلق السموات والأرض, وعندها سيجد الإنسان ما يثبت وجود الله وقدرته, وأن كل  ما أوجده أو خلقه الله في الطبيعة وحياة الإنسان نفسه, يعجز الإنسان عن الإتيان به. ويؤكدون قناعتهم المطلقة هذه بالآية القائلة : ( ويأتونك بمثلٍ إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً.). (الفرقان – 33). وهم يدخلون في هذا الفهم أيضاً أن القرآن قد أشار إلى الكثير من الحقائق العلمية قبل أن يكتشفها عقل الإنسان أو يعلم بها. (9). وعلى هذا الفهم القاصر والسطحي والوثوقي  لدلالات النص القرآني , جاءت دعوة بعض السلفيين المعاصرين  من تيار (جماعة التكفير والهجرة ) أمثال مؤسس هذه الجماعة ” شكري مصطفى”, في تحريم التعامل مع العلوم الوضعية كلها حيث يقول: ( لا نتعلم إلا بقدر الحاجة, تماماً كما كانت أمة رسول الله, فقد كانت جماعة رسول الله لا تتعلم لمجرد العلم, ولا تتعلم للدنيا ولكن تتعلم  للعبادة.). (10). وهذا الموقف القاصر من العلم وتبخيس دور العقل الإنساني نجده عند شيخ الوهابية في مملكة آل سعود وهو ” عبد العزيز بن باز” رئيس هيئة الإفتاء في السعودية , حيث يفتي في مسألة الفكر ودوران الأرض قائلاً: ( الفكر والكفر واحد, بدليل أن حروفهما واحدة.), هذا في الوقت الذي تجيز فتواه قتل من يقول بدوران الأرض وكرويتها, ومصادرة أمواله وأملاكه بعد استتابته.  ومثل هذه المواقف المقاومة للحداثة نجدها عند سلفي الكويت  المعاصرين, وخاصة في فتوى الشيخ ” صالح بن العثيمين ” في التحذير من اقتناء صحن استقبال البث الإعلامي والاحتفاظ به, وذلك عندما خاطب المصلين في الخطبة الثانية من يوم الجمعة 25/3/ 1417هـ  للهجرة قائلاً: (من مات وخلف في بيته الدش, فقد غش رعيته فَحَرَم عليه الجنة.). والطريف في الأمر أن دولة الكويت الدستورية منذ عام 1963, تتبنى هذه الفتوى في 28/ 1/ و10/2 لعام 1998. (11).

       إن كل هذه المواقف المعادية للعقل والعلم الوضعي, ليست جديدة على تاريخ السلفية في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية. فكيف ننسى أيضاً في هذا السياق على سبيل المثال للحصر موقف مشايخ مصر السلفيين الجبريين من العلم  أيام “محمد علي باشا” عندما  كانوا يحرضون الشعب على عدم إدخال أولادهم المدارس التي افتتحها “محمد علي” بجهود “الطهطاوي”, للتعليم الحديث,  فكانت الأم تقوم بفقع عين ولدها كي لا يذهب إلى المدرسة, لأن مشايخهم قالوا لهم إن هذه المدارس الحديثة تعلم أولا دهم الكفر والإلحاد.

     عموماً إن كل هذه المواقف المعادية للعقل والحداثة في عصرنا الحاضر هي تعتمد على مواقف سابقة لمنظري التيار السلفي تعود إلى القرون الوسطى, كمقولة ابن حنبل (أصحاب العقل كلهم زناديق), أو مقولة ابن صلاح السيئة الصيت ( من تمنطق تزندق). أو موقف أبي حامد لغزلي من الفلسفة في كتابه المشهور (التهافت و كتابه (الجام العوام عن علم الكلام). والسيوطي في كتابه ( صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام).. وغيرها الكثير.

     أمام هذه المعطيات التجهيلية المحاربة للعقل والمعرفة, جاء موقف هؤلاء السلفيين التكفيريين تجاه الحداثة بكل مضامينها: فالمرأة ظلت عندهم ضلعاً قاصراً, وناقصة عقل ودين, وعورة كلها, وإذا كانت ظروف المجتمع في الجاهلية عند انتشار الدعوة الإسلامية هي ظروف  مجتمع الذكورة, وهو المجتمع الذي يعتبر الرجال قوامين دائماً على النساء عقلاً وجسداً ومكانة اجتماعية وأسرية, وهذا يرأيهم ما برر للنص الديني اعتبار شهادة المرأة الواحدة غير مقبولة, مثلما برر في بعض النصوص أيضاً تعدد الزوجات, وما ملكت أيمانكم وغير ذلك من نصوص تشير إلى دونية المرأة, إلا أن هناك نصوصاً أخرى كرمت المرآة وساوتها بالذكر كالآية: (وخلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها). (الأعراف 188). والآية : ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات). /35/ – الأحزاب

     إن ظروف عصرنا قد أثبت أن للمرأة إمكانات كبيرة في مجال استخدام العقل وتوظيفه في تربية أفراد أسرتها وتعلمها, فكانت كالرجل مدرسة وطبيبة ومهندسة, بل شاركت الرجل في كل نشاطات حياته, وكثير من النساء يبزن الرجال في رجاحة عقولهم ومعارفهن في مجال عملهن, فالأم مدرسة إذا أعددتها. كما نجد الموقف السلفي المتخلف هذا في فهمه لدور الدولة, فالدولة في فهمهم ظلت محكومة بخطاب ديني شمولي ومركزي مقدس, يقر بأن المشرع  الوحيد هنا هو الله, وأن الشرع الذي يجب أن يطبق على العالم كله هو الشرع الإسلامي كما فهمه السلف الصالح في القرون الهجرية الثلاث الأولى, وإن هذه الشريعة المقدسة والمطلقة في صحتها نزلت مرة واحدة وإلى الأبد ممثلة بالقرآن والحديث والإجماع والقياس الذي لا يسمح للعقل أن يتجاوز حدود المشابهة والمقايسة بين المحدثات من الأمور وما ورد في النصوص المقدسة, أي قياس الحاضر على الماضي دائماً, لذلك ليس باستطاعة أحد أن يتجاوز النص الديني المقدس, وإنما باستطاعتهم تفسيره وتأويله, وهذا التفسير والتأويل قد تم وأنجز منذ القرون الهجرية الثلاث الأولى وأقفل بعدها باب الاجتهاد. وفي سياق الدولة والحاكمية , يقررون بأن الدولة لا بد لها من حاكم يخلف رسول الله, الذي فوض بالسلطة من صاحب السلطة وهو الله, وهو ما يسمى بالخليفة أو الأمير أو الإمام, وهذا يترتب عليه عالمية الإسلام وعقيدة التوحيد, وبالتالي فلا يمكن أن توجد إلا دولة واحدة, ولا يمكن أن يوجد في زمن محدد إلا خليفة واحد, ولا يمكن تصور وجود سلطات شرعية أخرى إلا إذا استمدت سلطتها من الخليفة التي استمدها بدوره من سلطة الله. والحاكم هذا في أجندتهم التشريعية هو فوق الشبهات والنقد وعلى الرعية الخضوع له والاستكانة حتى لو ظلم, فهم يطالبون من الرعية أن: ( لا تسبوا الولاة فإنهم إن أحسنوا كان لهم الأجر وعليكم الشكر, وإن أساؤوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر, وإنما هم نقمته ينتقم الله بها ممن يشاء. فلا تستقبلوا نقمة الله بالحميّة والغضب, واستقبلوها بالاستكانة والتضرع.).(12).

       أما بالنسبة لآلية عمل ولاة أو حكام هذه الدولة كما يفهما أصحاب التيار السلفي المعاصر, فقد حددها الشيخ ” عبد الرحمن ساعاتي” والد “حسن البنا” في أول عدد من مجلة (الإخوان المسلمون) بقوله للجماعة : ( استعدوا يا جنود ليأخذ كل منكم أهبته ويعد سلاحه وامضوا إلى حقكم, إلى حيث تؤمرون خذوا هذه الأمة برفق, فما أحوجها إلى الرفق والعناية والتدليل, وضعوا لها الدواء, فكم على ضفاف النيل من قلب يعاني وجسم عليل, واعكفوا على إعداد الدواء في صيدليتكم, ولتقم على إعطائه فرقة الإنقاذ منكم, فإذا الأمة أبت فأوثقوا يديها بالقيود وأثقلوا ظهرها بالحديد وجرعوها الدواء بالقوة, وإن وجدتم في جسدها عضواً خبيثاً فاقطعوه أو سرطاناً خطيراً فأزيلوه, استعدوا يا جنوداً, فكثير من أبناء هذا الشعب في آذانهم وقر وفي عيونهم عمى. ). (13)

      إن الدولة التي تعتبر هي المؤسسة الأكثر فاعلية في بناء المجتمع ومؤسساته وفق المفهوم السلفي كما تبين معنا, هي دولة عقيدة بامتياز لكونها تمثل القيم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي جاءت في فترة ماضية, وباسم قدسية هذه القيم المستندة على النص المقدس, يسعى دعاتها إلى إعادة إنتاجها بحد السيف لمن يرفض أو لا يرغب في تشريعها وآلية عملها, أي حاكمتيها . وهذا ما يعطي الدولة في صيغتها المعاصرة كما يفهمها السلفيون المعاصرون سمات وخصائص ثابتة  تاريخيا. أما أهم هذه سماتها, فهي نزعتها الشمولية, كونها تعتبر القيم الدينية (التشريعات), كما وردت في النصوص المقدسة هي قيم صالحة لكل زمان ومكان, وهي قادرة على استيعاب حياة الإنسان في أدق تفاصيل حياته, حتى حالة (دخوله المرحاض والخروج منه). وهي أيضاً دولة مركزية كونها تعتبر الخليفة هو المسؤول الأول عن تنفيذ هذه القيم الدينية على كافة مساحة الدولة الجغرافية, وما الأمراء والولاة إلا لتنفيذ ما يأمر به الخليفة الحاكم بأمر الله. فمثل هذه الدولة في طبيعة حكمها لا تختلف في الحقيقة عن أي نظام استبدادي يقر بسلطة الفرد ويعتبر سلطته هي بأمر الله وإردته, وهي سلطة ستلغي بالضرورة العقل والإرادة والحرية لدى أفراد المجتمع, وتجذير السلطات الاستبدادية باسم الدين.

     إذن إن الخطاب الإسلامي الجبري / السلفي التكفيري, هو في المحصلة خطاب ضد الإنسان وحريته, وتسخير عقله خدمة لمستجدات حياته. فهو على المستوى الأيديولوجي يدعو إلى العودة للماضي, أو النبع الصافي, ورفض كل جديد وتبديعه. وإن كل ما يقوم الإنسان بإبداعه عبر حياته هو ليس أكثر من تفسير أو تطبيق لما أورده القرآن في هذا المجال الحياتي أو ذاك, فكل الكشوفات العلمية هي ليست أكثر من تجلي لما هو موجود أصلاً في النص المقدس. كما أن هذا التيار ينظر إلى البنية الاجتماعية نظرة عقيدية أيضاً فالناس يقيمون من موقف معياري ثابت فرضه فهمهم هم للعقيدة وتشريعاتها. فالفرد إما (كافر أو مؤمن أو زنديق أو ملحد).  ,وبالتالي يرافق ذلك, تلك النظرة الريبية لأصحاب الديانات الأخرى في دولتهم وحاكمتيهم, على أنهم كفار أو أهل ذمة وليسوا مواطنين. كما تنظر إلى أن العمل في هذه الحياة هو لكسب الآخرة وليس لتنمية المجتمع. كما يرفض هذا التيار كل الأيديولوجيات الوضعية واعتبارها فكراً تكفيرياً كونها لم تفتح باسم الله ولم يوقع عليها الرسول, لذلك فهي مردودة على أصحابها لا لكونها باطلة فحسب, بل لوجود الاستغناء عنها بكتاب الله وسنة رسوله. أما على مستوى الشكل, فهذا التيار يتمسك بسلوكيات السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين, من حيث اللباس والمسواك وحف الشارب وتطويل الدقن والضحك والعطاس , كما أقرت الوهابية في ذلك على سبيل المثال.

 

لنشرة المحرر :  د.عدنان عويّد . كاتب وباحث من سورية

الهوامش:
 1- فاطر – 62
 2- الروم- 43.
3- الروم – 10..
  4- د. مصطفى حلمي- الإسلام وفلاسفة الغرب- -دار الدعوة- الإسكندرية- دون تاريخ نشر –ص 99
 5- المرجع نفسه- ص-ص 101.
 6- النساء – 115.
7. د. مصطفى حلمي- الإسلام وفلاسفة الغرب- -دارالدعوة- الإسكندرية- دون تاريخ نشر –ص104
  8- المرجع نفسه . ص 104.
 9- د. مصطفى حلمي- الإسلام وفلاسفة الغرب- -دارالدعوة- الإسكندرية- دون تاريخ نشر –ص 109.
10- النهج – مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي – دمشق-  العدد /20/- خريف 1999. ص 193.
11-  النهج – مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي- دمشق العدد- /29/ – 2002. ص 19.
12- يراجع في ذلك- أبو يوسف – كتاب الخراج- – القاهرة – ص11. وكذلك يراجع – الفخري في الآداب السلطانية- بيروت – 1960- ص 33.
13- النهج – مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في لعالم العربي – دمشق-  العدد /20/- خريف 1999. ص 131.

 *الخميس : 10 ماي 2018.

‫شاهد أيضًا‬

الخلاف والاختلافأو الفصل بين الواحد والمتعدد * الدكتور سعيد بنكراد

عن موقع سعيد بنكراد  يميز المشتغلون بأصول الفقه عادة بين أربعة مستويات في تناول النص ومحاو…