الأرقام التي كشفت عنها المندوبية السامية للتخطيط حول البطالة، تستدعي وقفة وتأملا وقراءات من أجل استخلاص ماينبغي استخلاصه، لأنها أرقام تعبر عن أوضاع اجتماعية، وعن حقائق اقتصادية، وهما معا يشكلان بعض أوجه الاختيارات السياسية.
معدل البطالة «انخفض انخفاضا بطيئا» مقارنة بفترتين من السنة الماضية والحالية (انتقل من 10,7 في المئة إلى 10,5 في المئة). وهذا يدل أن سوق الشغل بمقاولاتها ومؤسساتها، لم تستوعب إلا نسبة ضئيلة من طالبي العمل، أي أن قاعة الانتظار التي تعج بمئات الآلاف وخاصة من الشباب لم يغادرها إلا نزر طفيف واستقبلت أفواجا جديدة.
هناك 52 بالمئة من العاملين لا يحملون أي شهادة، فيما يحمل 38 بالمئة شهادات التعليم العام و8،9 بالمئة يحملون شهادات التعليم المهني. وهذه أرقام تضع بالأساس منظومة التعليم والتكوين المهني موضع تساءل: لماذا لايستقبل سوق الشغل خريجي هذه المنظومة؟ إذن هناك عطب كبير بين الجسور التي يجب أن يعبر منها الخريجون من التعليم والتكوين المهني الى سوق الشغل.
وهذا التكوين المهني الذي بالكاد هناك 10 بالمئة تقريبا من حملة شهاداته بهذه السوق، ألا يعبر ذلك عن خلل في وضعه تكوينا وانسجاما مع متطلبات سوق الشغل؟
إن «الانخفاض البطيء للبطالة»، ماهو في الحقيقة إلا محصلة للسياسات التي انتهجتها الحكومة السابقة ومازالت آثارها تجثم على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا.
لقد عرف قطاع الشغل نزيفا متواصلا، حيث تقلص نصيب مساهمة الاقتصاد المغربي في إحداث مناصب الشغل من متوسط 166 ألف منصب سنويا في الفترة ما بين 2000 و2007 إلى 33 ألف منصب شغل سنة 2015. ومرد ذلك إلى إخلال الحكومة السابقة بوعودها المتمثلة في إحداث 130 ألف منصب شغل سنويا، إذ لم تستطع تجاوز 30 ألف منصب شغل سنويا بالنسبة للفترة ما بين 2011 و2016 مقابل معدل 156 ألف منصب شغل سنويا في الفترة ما بين 2000 و2010. ولم توف بالتزاماتها المتضمنة في التصريح الحكومي، والمتمثلة في تقليص نسبة البطالة إلى 8 % في أفق 2016، بل بالعكس من ذلك تماما ارتفعت نسبتها لتقارب 10 %.
وعموما، ونحن نستعرض هذه الأرقام، لابد من التذكير أن المغرب اليوم، ومن أجل أن يكون اقتصاده منتجا للثروة، وسوق شغله تعج بالعرض الذي يستقبل أساسا وبانسجام الخريجين من مختلف مؤسسات التعليم والتكوين ، من أجل ذلك وغيره، لابد له من أن يعتمد في أقرب وقت نموذجا تنمويا جديدا .
ولقد قدم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قبل أيام الخطوط الأولى لتصوره لهذا النموذج والمتمثلة بضرورة إسقاط الامتيازات عن بعض المستفيدين الحاليين، وتوزيعها بشكل عادل، مع مساندة الفئات الهشة ماديا، وترجمة الرأسمال المغربي إلى تنمية مجالية تهدف –أساسا- إلى إشراك المرأة والشباب، ومعالجة جميع الاختلالات الاجتماعية التي تشوب المغرب، وتجديد المقاربة القطاعية في الاستثمار لمواجهة التحديات الدولية، إضافة إلى تعزيز حضور المسألة الاجتماعية في النموذج الجديد.
وماالبطالة، سوى تعبير عن فشل نموذج تنموي وخيارات اقتصادية وسياسية، لذلك ستنطق الأرقام بحقائق مُرة لأوضاعنا الاجتماعية والاقتصادية، إذا لم نضع المغرب على السكة الحقيقية من أجل تنميته.