كلام يتردد في كل المجالس و في خطب الساسة و وسط الأسر عن التعليم و الصحة و الامن و القضاء .
و في تقديري الشخصي فإن المغرب يملك من المؤهلات البشرية و الطبيعية و من التطلعات و البرامج الإستراتيجية ما يجعله رائدا ليس على المستوى الإفريقي و المغاربي و لكن على المستويين الاوروبي و العالمي .
القائمون على هذه البلاد محكومون بتوازنات الدولة و حسابات موازين القوى الإقليمية و الدولية ؛وتلميع او إبراز صورة المغرب و ضمان مكانة له بين الكبار كدولة حداثية و منفتحة ؛ وإنخراط بناء في التوجهات الدولية كبلد محب للسلم و السلام متسامح دينيا و ضابط لأقلياته المحلية و متموقع في موقع مريح في الملفات و النزاعات الدولية كصديق للجميع ….
امام هذا المجهود الجبار و الاستثنائي الذي يعطي للمغرب خصوصيته التي يتباهى بها فإن السؤال المحير :
لماذا تصر الدولة على إهمال ركائز الفرد / المواطن من تعليم وصحة و أمن وقضاء ؟
كيف يفسر أن مغاربة العالم هم رواد في مجالات مختلفة وصلت حتى( النازا) و تمكن مغاربة من الوصول الى مراكز المسؤولية في برلمانات العالم كما في حكومات المهجر ؟ … فيما تعليمنا الوطني لا يبارح مكانه بين مناهج بالية و سياسات متقلبة و إهمال للعنصر البشري و تفكك للبنيات الدراسية …
و المواطن الذي يقاتل و يكافح من أجل لقمة العيش يجد ان أكبر ما يتهدده هو الخوف من المرض ؛فلا المستشفيات معممة بمجموع التراب الوطني ولا الكفاية موجودة من الأطباء و الممرضين ولا التغطية الصحية منصفة للمأجورين و محرومة منها فئات عريضة من ممتهني مهن كثيرة .
و المواطن الذي ينخرط في المؤسسات و الحياة العامة و يعمل من أجل ارضه و عرضه تنتابه الريبة و القلق كلما أحس بحيف او تسلط او ظلم لأنه مدرك ان القضاء ببلادنا مساطره طويلة و أحكامه عجيبة و مسالكه شائكة ؛ فالداخل الى المحكمة مفقود والخارج من دهاليزها مولود …
أما الأمن ففي وقت يسوق المغرب نفسه كجهاز استخباراتي قوي دوليا ؛ و قدرته على فك ألغاز أكبر الجرائم و التي تهدد أمن الدولة الداخلي في سياسة أمنية إستباقية نموذجية؛
فإن الأمن يفتقد الى سياسة حمائية للمواطن من جرائم التحرش و السرقة و العنف و إعتراض سبيل المارة و تفشي اللانظام وسط الأحياء الشعبية …
فكيف لدولة أن تعيش كل هذا الإنفصام في تدبير مستقبلها ؟
وضع أفرز جوا من اللاثقة في الدولة و في المستقبل ؛و كرس النفعية و الأنانية على حساب الوطنية و المواطنة ؛و جعل المغرب يتذيل لوائح مؤشرات التنمية عالميا ؛وجعل إقتصاده عبدا لصندوق النقد الدولي و مخططات الموازنة على حساب الشغل و الحقوق المدنية الأساسية .
مغرب بدأ يتفكك أسريا و عشائريا و قبليا و مؤسساتيا و أصبح الإنتماء النفعي هو القاعدة مما تسبب في إنحطاط القيم و تفشي الفساد و طغيان نظم ريعية غير مهيكلة في الإقتصاد و المجتمع على حد سواء.
أمام هذا الوضع و هذه النظرة التشخيصية السوداء فلا حل للمغرب إن هو أراد ان لا يسقط في الهشاشة و تقلبات المستقبل سوى أن يعتني بالثوابت الأساسية للعيش الكريم للمواطن و هي التعليم و الصحة و الأمن و القضاء
وهذا يتطلب منا تعبئة وطنية شاملة بعيدا عن الشعارات و الخطب الرنانة وذلك بوضع خطط قابلة للتنفيذ وواقعية .
فكفى من العبث بمستقبل أمتنا و وطننا.