تُشكل مراهنة خصوم الوحدة الترابية على احتلال وعسكرة ما يُشار إليه بـ «المنطقة العازلة» من تراب الصحراء المغربية المسترجعة، طبعةً جديدة للدبلوماسية العسكرية التي يَلجأ إليها حكام الجزائر، كلما تعثرت مناوراتهم وأفلست مخططاتهم في ظل الدبلوماسية السياسية. وتندرج هذه المناورة العسكريتارية في إطار خطة تصعيدية في مسار النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
وتتأسس هذه الخطة على مقدمات، كما تترتب عنها تبعات ومسئوليات.
أولاً: فيما يتعلق بالمقدمات، فإنها تتجلى في ثلاثة تطورات هامة على مستوى علاقات القوى التي باتت مؤطرة لمسار النزاع.
أولها: انكشاف زيف الأسطورة الجزائرية التي تأسست على أسطورة «دعم الجزائر» لحركة «تحريرية»، البوليساريو، أضفت عليها صفـــة «التمثيل» لـِ «جمهورية صحراوية» وهميـــة، تقبــع في مخيمات الاحتجاز بـ تندوف، في انتظار «تتويجها» كياناً انفصالياً يتوهم السيطرة على جزء من تراب المملكة المغربية. ويترجم تراجع العديد من الدول عن الاعتراف بـ «الجمهورية» المزعومة إحدى المعطيات الدالة، في سياق هذا التطور.
ثاني التطورات، اقتناع الوسيط الأممي، بعد عقدين من جهود الوساطة الأممية (1988-2007)، بأن خيار الحل السياسي هو الخيار الوحيد المتاح لإنهاء النزاع، وأن مُقترح المغرب بمنح الأقاليم الجنوبية، الصحراوية، موضوع النزاع المفتعل، «حكماً ذاتياً» يمثل حلاً «واقعياً، جدياً، ذا مصداقية».
ويترجم هذا التطور في رؤية الأمم المتحدة – أميناً عاماً، ومجلس الأمن – نبذاً دولياً لمخطط الانفصال، كما توهمته، وخططت له سلطات الجزائر، غداة تحرير المغرب لصحرائه.
ثالث التطورات، واقع الحال الذي تعيشه ساكنة الأقاليم الصحراوية المغربية، في ظل مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنجزة، التي حولت هذه الأقاليم المحررة من أرض جرداء بلقع، إلى عمران مدني مزدهر، بفضل جهود الدولة، وانخراط ساكنة هذه الأقاليم، في سياق دينامية تنموية، إدماجية، نهضوية، تؤطرها مؤسسات تمثيلية، ديمقراطية، محلية وجهوية ووطنية.
ثانياً: أما التبعات الناجمة عن مخطط اختراق وعسكرة «المنطقة العازلة» التي هي جزء لا يتجزأ من تراب الصحراء المغربية، فإنها تنصب على التصرفات العدوانية لخصوم وحدتنا الترابية، بشقيهم: شق الأصيل: الجزائر، وشق الوكيل: البوليساريو من جانب، كما تطال مسئولية الوسيط الأممي في ملف النزاع من جانب ثان، وتستدعي حق المملكة المغربية في الدفاع عن حوزة ترابها الوطني من جانب ثالث.
(1) فيما يخص التبعات المترتبة عن فعل التحرشات والاختراقات التي يمارسها خصوم وحدتنا الترابية، فإنها تضع سلطات الجزائر – لكونها الطرف الأصيل في النزاع – أما مسئولية انهيار اتفاق «وقف إطلاق النار» المبرم في شتنبر 1991، وارتكاس المساعي الأممية من أجل حل سلمي، سياسي للنزاع.
وفي هذا المضمار، فإن الالتفاف على مسار الدبلوماسية السياسية التي لم تعد قادرة على خدمة مخطط الانفصال، في ظل التطورات السالفة الذكر، والتوجه نحو استدعاء خيار الدبلوماسية العسكرية، ليفسران بكل تأكيد إقدام خصوم وحدتنا الترابية على تنفيذ خطة مبيتة، لاقتحام وعسكرة «المنطقة العازلة» التي جعل منها المغرب – في سياق تفاهماته مع الوسيط الأممي – فضاءً أمنياً، عازلاً، يمتد على مسافة من خط التماس مع الجيش الجزائري المرابط في شرق الصحراء المغربية.
وغني عن الإشارة أن استهداف هذه المنطقة المغربية اختراقاً وعسكرة، إنما يندرج في إطار صيغة جديدة لاستراتيجية المزاوجة بين الدبلوماسية السياسية والدبلوماسية العسكرية، وهي الاستراتيجية التي دأبت سلطات الجزائر على التوسل بها لتمرير مخطط الانفصال.
I/ وعندما نستحضر متغيرات هذه الاستراتيجية المكرسة، ونفكر ملياً في المسارات التي سلكتها، على مدى أزيد من أربعة عقود، فإننا لا نعجب لما يجري اليوم على صعيد جزء ليس بيسير من تراب أقاليمنا الجنوبية.
أولى متغيرات هذه الاستراتيجية يتمثل بسياسة المزاوجة بين الفعل العسكري والتحريض الدبلوماسي، في سياق عملية تكاملية بين التدخل العسكري الذي يتم استثماره في التحريض الدبلوماسي. ولقد تم تفعيل هذا المتغير الاستراتيجي مباشرة بعد تحرير المغرب لأقاليمه الجنوبية، فكان التدخل العسكري الجزائري المباشر في «أمجالا» (يناير-فبراير 1976)، وإطلاق الحرب الاستنزافية في تخومها، وفي شمالها (الهجومات المسلحة على مدينة طنطا، ومعارك وركزيز،الخ…)، على مدى عقد ونصف (1976-1991)، مصحوبة بحملات دبلوماسية مكثفة ومسترسلة، تحاول شرعنة العدوان، وتبرير جرائمه.
ثاني متغيرات هذه الاستراتيجية، يتجلى في محاولات الاحتواء المنهجي للوساطة الأممية في ملف النزاع المفتعل.
وقد فرض هذا المتغير قانونه في مرحلة من عمر النزاع، عزز فيها المغرب استراتيجيته الدفاعية، بفضل بنائه الجدار الأمني الدفاعي، من جانب أول، وأمسكت فيها الأمم المتحدة بناصية الوساطة الدولية في النزاع من جانب ثان، واقتحمت فيها العلاقات الدولية حقبة ما بعد «الحرب الباردة»، الأولى، من جانب ثالث.
وفي سياق هذا المتغير الجديد في استراتيجيته المعاكسة الجزائرية للوحدة الترابية للمغرب، أضحى رهان السياسة الجزائرية المعادية هو محاولة تكييف مسار الوساطة الأممية في النزاع مع الإطار المرجعي للموقف الجزائري، وهو مخطط فصل الأقاليم المغربية المسترجعة عن وطنها الأم: المغرب.
ولعل أفصح تعبير عن هذه السياسة الاحتوائية للوساطة الأممية في النزاع، ما سبق لفخامة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أن اقترحه على السيد جيمس بيكر، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة من تَبن لـ «خيار رابع»، ضمن الخيارات التي كانت مطروحة في جعبة المبعوث الشخصي آنئذ، وهو خيار تقسيم الأقاليم المغربية بين «طرفي النزاع»!
ثالث المتغيرات في هذه الاستراتيجية العدوانية، ينصب على السياسة الاختراقية التي تمت صياغة وأجرأة أجندتها غداة تقدم المغرب بمقترح إقامة «حكم ذاتي» لساكنة الأقاليم الجنوبية المغربية، موضوع النزاع، كأرضية رصينة لـِ «الحل السياسي» المقترح (أبريل 2007). ويروم هذا المتغير الاستراتيجي، إحباط خيار الحل السياسي للنزاع، كما أقرته الأمم المتحدة، منذ سنة 2004. وفي سياق هذا المتغير، تواترت المناورات والدسائس، ابتداء من محاولات نقل ميدان النزاع إلى داخل الأقاليم الصحراوية المغربية، عن طريق دس ذراع انفصالية تحت مسمى «بوليساريو الداخل»، مروراً برفع شعار «توسيع ولاية المينورسو»، لتشمل «مراقبة حقوق الإنسان» في الأقاليم المغربية، موضوع النزاع، وتواصلاً بتلغيم عملية «التفاوض» التي تبنتها الأمم المتحدة – باعتبارها آلية ضرورية للحل السياسي المقترح – من أجل نسف ذات العملية التفاوضية من داخلها…
وهكذا، فخلف هذه المتغيرات الاستراتيجية المتواترة، وفق شروط كل مرحلة من مراحل تطور النزاع المفتعل، يقبع توجه مركزي، متوارث عن عهد حكم الراحل هواري بومدين، هو توجه المنازعة المستدامة لحق المغرب في استجماع واستكمال مجاله الترابي، الصحراوي الذي تصرفت فيه القوى الاستعمارية، سلباً وتبديداً، في شروط تاريخية معروفة، من أجل مطامع توسعية عفى عليها الزمن.
ولم يعد اليوم سراً ما كان يكنه الرئيس الجزائري الراحل، هواري بومدين، من عداء مكين للوحدة الترابية المغربية؛ فقد وثق خلفه الرئيس الجزائري السابق، المرحوم الشاذلي بنجديد، في مذكراته أن بومدين كان «منشغلاً يومياً بالعلاقة مع المغرب وقضية الصحراء الغربية، وكنتُ ألاحظ ذلك عليه في اجتماعات مجلس قيادة الثورة، وأثناء زياراته المتكررة إلى الناحية العسكرية الثانية. وكانت القضية الأخيرة بالنسبة إليه مسألة شرف وتحد. وكان يردد دائماً أنه لن يسمح للملك بالاستيلاء على الصحراء على حساب الصحراويين»! (مذكرات الشاذلي بنجديد، الجزء الأول: 1929-1979، الجزائر، ط. قصبة، ص.298).
II/ أما المتغير الاستراتيجي الجديد، فهو يجسد في الحقيقة عوداً على بدء، إذ أنه يروم تجاوز الأزمة السياسية والجيوسياسية الذي آلت إليه الدبلوماسية الجزائرية، وذلك عبر العودة المبرمجة – فيما يبدو – إلى ممارسة الدبلوماسية العسكرية من جديد، سبيلاً إلى تغيير منطق ومسار النزاع.
وتشكل العمليات العسكرية الجارية، منذ صيف 2017 بصفة خاصة، لاحتلال وعسكرة «المنطقة العازلة»، بنقل البنيات العسكرية واللوجيستيكية والإدارية للبوليساريو، من تندوف بالجزائر، إلى تيفاريتي، والبئر لحلو، والمحبس في «المنطقة العازلة».
ويشكل اللجوء إلى هذا المتغير الاستراتيجي الجديد تحقيق أمرين اثنين أولهما: توفير اللوجيستيك الضروري، في شرق الجدار الأمني الدفاعي المغربي، من أجل تنفيذ أجندة استئناف الاستنزاف الميداني، العسكري ضد المغرب.
ثانيهما: إيهام الرأي العام بأن هناك «مناطق محررة» من «الصحراء الغربية» (تيفاريتي/بئر لحلو/المحبس…) تتهيأ لاستقبال «البنيات العسكرية والإدارية والسياسية» لـِ «الجمهورية الصحراوية» المزعومة. وتروم هذه الإجراءات العدوانية – إذا لم يتحرك المجتمع الدولي لوقفها – إلى تقويض خيار، الحل السياسي للنزاع، وبالتالي إلى العودة بعقارب الساعة الأممية إلى الوراء فيما يتعلق بجهود التسوية السياسية له.
(2) مسئولية المجتمع الأممي:
إن فعل التصعيد الذي يمارسه خصوم الوحدة الترابية للمغرب، في سياق المتغير الاستراتيجي الجديد، لا يشكل تهديداً بالغ الخطورة لأمن وسيادة المغرب وحسب، بل إنه يجسد تقويضاً سافراً لجهود الأمم المتحدة – على مدى عقود من عمر النزاع – لإنجاز عملية تسوية سياسية، سلمية للنزاع، كما تشكل تهديداً جدياً لشروط الأمن والاستقرار بالحوض الغربي للمتوسط.
وفي ظل ما يمارسه الثنائي الجزائري-البوليساريوي من استهانة واستخفاف بمساعي الأمم المتحدة، للحفاظ على الوضع القانوني القائم (Statu quo) بالنسبة لـ «المنطقة العازلة»، كما أقرته تفاهمات وأوفاق «وقف إطلاق النار» – فإن عملية الاحتلال والعسكرة الجارية على قدم وساق في تيفاريتي، وبئر لحلو، والمحبس…، ضداً على تنبيهات ودعوات الأمين العام للأمم المتحدة المتكررة بـ «تفادي تصعيد التواترات» – إنما يشكل إذاية بالغة التأثير لِمصداقية الوساطة الأممية في ملف النزاع، في غياب موقف حازم من لدنها لفرض احترام الالتزامات المعقودة تحت رعايتها، وتكريس منطق الشرعية، المؤطرة لوساطتها في ملف النزاع المفتعل.
إن تقاعس المنتظم الأممي تجاه مسلسل الانتهاكات السافرة التي يمارسها الطرف الجزائري-البوليساريوي، بجرأة ووقاحة، لمن شأنه إعطاء الانطباع بـ «تآكل» قدرة الأمم المتحدة على معالجة النزاع، وأن يشجع بالتالي خصوم الوحدة الترابية للمغرب على التمادي في غيهم والاستمرار في تنفيذ مخططهم العدواني، التوسعي. وإزاء هذه التطورات المؤسفة التي تسمم شروط الأمن والاستقرار في المنطقة، وتهدد بتقويض مسار التسوية السياسية للنزاع – فإن مجلس الأمن الدولي مطالب على وجه الاستعجال بـ «استخدام سلطته لفرض احترام وقف إطلاق النار، والاتفاقات العسكرية (ذات الصلة)، والتزام البوليساريو بالانسحاب الفوري، غير المشروط والكامل من المنطقة الواقعة شرق الجدار الأمني، الدفاعي للصحراء المغربية» كما جاء في رسالة المغرب إلى رئيس مجلس الأمن الدولي.
إن هاجس «التوازن» الدبلوماسي – في تعبيرات الموقف من أطراف النزاعات الإقليمية أو الدولية – الذي يطبع عادة مواقف الأمم المتحدة، لا ينبغي أن يحيد عن مبدأ العدالة التي هي قوام الشرعية الدولية.
وغني عن البيان أن تحرك المجتمع الدولي، بحزم واستعجال، لوقف مسلسل التحرشات العسكرية، العدوانية في منطقة أوكلها المغرب إلى الأمم المتحدة، في إطار «اتفاق وقف إطلاق النار»، لا تستدعيه ضرورة احترام أمن وسيادة واستقرار المملكة المغربية وحسب، بل تفرضه كذلك ضرورة تأمين شروط الأمن والاستقرار في الفضاء المغاربي الذي أضحى عرضة للاختراق والتهديد من قبل حركات عسكرية إرهابية إقليمية، تجمعها شبكة متحركة من التقاطعات الفكرية، والتشابكات المصلحية.
(3) حق المغرب في الدفاع عن النفس:
إن المغرب الذي تحمل حرباً استنزافية، ميدانية ودبلوماسية وجيوسياسية، على مدى أربعة عقود، وتعامل مع مسلسل الاعتداءات بحكمة وروية وضبط نفس، مراهناً في ذلك على عودة سلطات الجزائر الشقيقة إلى رشدها – لَيُواجه اليوم تحدياً جسيماً من نوع جديد: تحدي اقتحام وعسكرة جزء غير يسير من صحرائه المسترجعة.
ومما لا شك فيه فإن استئناف خصوم وحدتنا الترابية لعمليات العدوان العسكري المباشر، ليعود بذاكرة المغاربة، بل بذاكرة المغاربيين أجمعين، إلى ملابسات ووقائع العدوان على «أمجالا»، ومرتفعات وركزيز، وطنطا، وغيرها من الاعتداءات العسكرية الغاشمة التي تعرضت لها مناطق متعددة في أقاليمنا الجنوبية.
إن الرأي العام الوطني والأممي والدولي ليعاين اليوم ما يمارسه التنائي الجزائري-البوليساريوي من تصعيد للاستفزازات، وإيغال في الاختراقات: فهل يُلام المغرب على إعلان إرادته الحازمة في مواجهة ما يتطلبه الوضع الخطير في «المنطقة العازلة»؟
وإذا ما أبانت الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، تحديداً، عن عجز أو تقاعس في تحمل مسئوليتهما إزاء ما تتعرض له سيادة المغرب من انتهاك موصوف، فهل يلام المغرب على تصديه للعدوان؟
إن المملكة المغربية التي ظلت حريصة على دعم وتعزيز جهود الأمم المتحدة من أجل إنجاز تسوية سياسية للنزاع، في إطار السيادة المغربية على صحراء المغرب المسترجعة، لتظل متأهبة ومعبأة لتفعيل حق الدفاع عن النفس، كما يكرسه القانون الدولي، وينص عليه البند الواحد والخمسون (51) من ميثاق الأمم المتحدة.وللتذكير، فقد نص هذا البند الميثاقي، الأممي، في صيغته الأصلية – الإنجليزية – التي لا تحتمل أي تأول مغرض، على:
«Nothing in the present Charter shall impair the inherent right of individual or collective self-defense if an armed attack occurs against a Member of the United Nation…»
«لا شيء في هذا الميثاق يمكن أن يحد من الحق الطبيعي، الفردي أو الجماعي، في الدفاع عن النفس، إذا ما وقع هجوم مسلح على عضو من أعضاء الأمم المتحدة…».
وهو مدلول الموقف الصارم الذي عبر عنه جلالة الملك محمد السادس، في رسالته إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، معبراً في ذلك، باسم كافة القوى الوطنية المغربية، عن رفض المغرب الصارم لاختراقات وتوغلات الثنائي الجزائري-البوليساريوي في «المنطقة العازلة»، وهي الأفعال التحرشية التي تشكل خرقاً صارخاً لاتفاق وقف إطلاق النار، وانتهاكاً سافراً للقانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة، وإجراءً متعمداً لتقويض المسلسل الأممي للتسوية السياسية، السلمية للنزاع.
وقد وجه الاجتماع الحاشد الذي عقدته الأحزاب الوطنية، المغربية، أغلبية ومعارضة، في مدينة العيون، بمشاركة ساكنة أقاليمنا الجنوبية، عبر منتخبيها وأعيانها وشيوخ قبائلها، ومختلف فعالياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، رسالة واضحة، صارمة، بالغة الدلالة على استعداد وتعبئة الأمة المغربية جمعاء وراء قائد مسيرتها المظفرة، جلالة الملك محمد السادس، للتصدي الحازم لكل المناورات والاعتداءات التي تستهدف النيل من وحدتنا الترابية، كيفما كان مصدرها ومأتاها.
كما ترجم «إعلان العيون» (10 أبريل 2018) الذي وقعته الأحزاب الوطنية وممثلو الساكنة الصحراوية بالأقاليم الجنوبية المغربية، المستوى العالي للتعبئة الشعبية المغربية، من أجل التصدي لمناورات وخطط خصوم وحدتنا الترابية، كما تَرجم قوة ومتانة التفاف الأمة المغربية وراء قيادة جلالة الملك لمواجهة كل التحديات، والتصدي لكل القرارات…
خاتمة:
إن المفارقة المتفاقمة ما بين جدية المغرب في التعاون مع الأمم المتحدة، أميناً عاماً، ومبعوثاً شخصياً، وممثلاً خاصاً، في إنجاز عملية التسوية السياسية للنزاع من جهة، وبين السلوك التناوري للطرف الآخر، الجزائري-البوليساريوي، من جهة ثانية، بات يفرض على وكلاء الوساطة الأممية، في ملف النزاع، التعامل مع هذا المعطى السياسي، المعرقل للحل السياسي المنشود، بحزم وصراحة وصرامة.
ومن تم فإن إماطة اللثام عن موقع ودور الجزائر في افتعال النزاع وتغذيته، لوجيستيكياً وسياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً، وبالتالي مُطالبتها بتحمل المسئولية الكاملة في الانخراط الحقيقي، الفعلي، بجدية وحسن نية، في مسلسل التسوية السياسية الأممي، على قدر مسئوليتها في نشأة النزاع المفتعل وتطوره – إنما يشكل اليوم – في ظل ما يتعرض له المسلسل الأممي من عراقيل وتعثرات – شرطاً حيوياً، وخطوة ضرورية لضمان نجاح المسلسل الأممي في تحقيق أهدافه: إنجاز حل سياسي، توافقي، تفاوضي، عادل ودائم للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية في إطار السيادة المغربية.
إن نزوع الهيمنة الإقليمية الذي يتخذ من محاكاة «النموذج» العسكتريتاري البسماركي الذي قام على قاعدة هيمنة بروسيا (Prusse) وتوسعها على الصعيدين الألماني (1862-1890) والقاري الأوربي (1871-1890)، مرتكزاً وإطاراً للسياسة المغاربية لحكام الجزائر، منذ منتصف الستينات من القرن الماضي، قد زج بهذا البلد الشقيق في دوامة من النزاعات والتوترات الإقليمية، لم يكن أقلها النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
ولقد آن الأوان للتخلص من هذا الوهم اللعين الذي تسبب في إحباط مسلسل الوحدة المغاربية، وإعادة الارتباط بالمبادئ والقيم النبيلة التي أطرت ثورة الفاتح من نونبر 1954، مبادئ الحرية والعدالة والتنمية، وقيم التضامن والوحدة المغاربية التي نشدتها ولم تنفك تنشدها شعوب المغرب العربي.