الديموقراطية، بدورها، قد تصير كمينا حربيا.
فخا..
ومصيدة لاستدراج الحرب..
هذا ما يتضح من ربيع أينعت فيه الرؤوس أكثر مما أينعت فيه الأفكار، وقد أمست مطالب الديموقراطية وإسقاط التسلط والدكتاتوريات، الناعمة منها والصلبة، مدخلا إلى حروب بلا هوادة..
وصار الشاعر يومئ إلى الديموقراطية فيصاب بالرهاب..
ويصاب بالحروب.
لنتذكر، قبل أن نتلمس ما يحدث في سوريا اليوم، كيف كانت البداية، وكيف صفق الجميع لشعب يخرج من الرماد إلى هواء التعبير الحر… ومن الحكم الطائفي إلى الشارع العام،
لا أحد عاب على السوريين نداءهم، أو بالأحرى، بيانهم من أجل الديموقراطية..
وكان وجود برهان غليون، رجل الثقافة الديموقراطية الصلبة، وصاحب اغتيال العقل وبيان من أجل الديموقراطية، مثلا، عربونا على أن الناس تريد فقط إصلاح الدولة بخروج من استولى عليها منها..ودخول منطق الإصلاح.
واليوم، عوض أن يجد السوريون صناديق الاقتراع،
الحر
والنزيه
بوصفة الغرب النقية الصالحة لشعوبه،
تسقط التوابيت عليهم من الطائرات،
كما تسقط براميل البارود والنظام..
ونسى الناس تماما المطلب الديموقراطي أو قل إنهم عرفوا حقيقته
وتاهوا في الاستراتيجيات وفي أدوار النفط في صناعة مزاج الغرب
ونقط التماس بين روسيا القيصرية وحدود القانون في صناعة التدخل الأجنبي..
لقد فكر سادة الغرب ووجدوا أن جريمة النظام كيماوية، قبل أن تكون شيئا آخر،
لا لأنها الحقيقة بل لأنه كان لا بد من مبرر ملتبس لخطوة واضحة تتعلق بالتوزيع الدولي للعمل..
وبتحديد دوائر النفوذ الجديدة، على ضوء عودة الوطنيات وتفسخ التكتلات الكبرى.
فالغرب يحتضن الحرب، لكي يستعيد بها وحدته التي تفككت في الألفية الجديدة
ومجيء ترامب إلى دفة الدولة الأولى
والشرق يستعيد حظه من الجغرافيا، بفعل التقاطب الدولي الجديد حول الشرق الأوسط..
فالدول القوية لا تفرط في مهنتها المحببة، في صناعة الخرائط وقتل الشعوب، مرورا بترويض الدببة على جغرافيا محدودة في آسيا..
حتى الذين، مثلنا، صدقوا أن البداية كانت من أجل الديموقراطية، عادوا فأجلوا أحلامهم إلى ما بعد الطلعات الحربية..
ولعل أكبر ضربة وجهتها القوات الغربية، منذ 2003 للديموقراطية في شرق المتوسط، قد فاقت بكثير ما تعرضت له من تنكيل من طرف الأنظمة الديكتاتورية..
من يصدق الديموقراطية من الآن فصاعدا؟
بكل صراحة، من سيصدق أن الحرب تدور من أجل أن يقول الشعب السوري كلمته في مخدع سري،
مثلما يمارس العاشق الحب في سريره خفية…؟
لا أحد..يعرف، من مناخ التاريخ، أن شمس الديموقراطية ستعقب وصول الطائرات
وانقشاع الغبار الحربي.
لا أحد ، سوى الذين يتماثلون بسهولة إلى الخيال!
قد نكون منهم لأننا نؤمن بالشعوب
وقد لا نكون منهم،
لأننا نؤمن بالشعوب. أيضا.
(***)
منذ سبع سنوات وهي تمطر
ديموقراطية
في سوريا
ولم يخضرَّ الخشب
في توابيت الاقتراع!!!
(***)
لقد غاب الحلم الديموقراطي، في سلة المجنزرات، كما غابت شعوب كثيرة…
ولا أحد يتصور الشرق القادم، كما ألفَهُ:هناك شرق يطلع من ظنون الغرب، شرق بشعوب جديدة
وعواصم لم يسبق أن كانت
شرق لا توسط فيها، سوى ما يمليه الغرب على الأرض من موازين قوى..
والعالم الذي ينهار، بسبب الحرب
ليس هو العالم الموجود في الشرق فقط
بل هو أيضا ما عشنا به وفيه
وعشناه..لهذا تصاب قطاعات واسعة بالعجز
أو برهاب الأرض الخلاء
شعور بالدوخة
والدوران، لأن الأرض تغير شرقها المتوسط بفعل الدم
والطبول الجديدة في يد المارشالات..
(***)
هنا، في علم الحرب الجديدة، تحول «التويتر» إلى منصة لإطلاق الصواريخ: من صفحة الرئيس إلى قلب دمشق، مسافة تصنعها الحرب من لاهوت «الفيسبوك»..
ونحن نتكئ على أرض لم تعد كما عهدناها..فتهرب منا، وندوخ
ونموت أيضا..
هذه أرض ..مباحة لألعاب «البلاي ستايشن»، لهذا نحتمي بما نملك من مقومات الوجود..
لهذا نحب السلام، وإن كنا على أهبة الخوف…