(1)
قالت الرسالة الملكية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، انطونيو غوتيريس ما كان يجب أن يقال، بلا لغة دبلوماسية ولا مسايفة بلاغية تتم بين السطور.
نظام الجزائر هو الخصم
والخصم هو نظام الجزائر..
كلمات الملك، التي يعرف المغاربة، وجل أقطار العالم مضامينها منذ عقود من الزمن، جاءت لكي تعطي لهذه المضامين «الضمنية» تعبيرها الصريح، وتسمي الأشياء بمسمياتها وتسمي نظام الجزائر خصما وتسمي الخصم نظام الجزائر….
جلالة الملك ذكر أن الجزائر، «تتحمل مسؤولية صارخة،إن الجزائر هي التي تمول، والجزائر هي التي تحتضن وتساند وتقدم دعمها الدبلوماسي للبوليساريو».
وبمعنى أوضح، ما كان للملف أن يبقى قيد السياسة الدولية، لولا هذا التبني الجزائري، «والتصوف» الجيواستراتيجي الذي اختارته الجزائر في خلوتها مع قادة الانفصال الذين أسعفوها في الحرب على بلدهم الأصلي.…
وللتاريخ كلمته في هذا الباب، تلك الكلمة التي تزكي ما ذهب إليه المغرب دوما، بدون أن يكون تورط الجزائر «مجرد استنتاج ذهني من معادلات رياضية مجردة»..
فبعد أن حسم المغرب الخيار العسكري، وبدأت القضية تدخل مسارات التفاوض، أصبح الدور المكتوب والواضح للعيان والمسجل في أدبيات الأمم المتحدة يتكرس أكثر فأكثر..
وأصبح الأثر على ارتكاب الجريمة يتخذ طابعه التوثيقي الأممي.
وإذا اقتصرنا على الألفية الثالثة وحدها، تاركين وراءنا حرب السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي سنكتشف هذا التورط الذي لا تخفيه الجزائر:
“1” لما تقدم جيمس بيكر، المعين حديثا في شهر ماي من سنة 2001 بمقترح الاتفاق الإطار، خرجت الجزائر عن طوعها وراسلت الأمم المتحدة ومبعوث الأمين العام رافضة الخطة، وقد تذرعت وقتها، حسب ما ورد في رسالة رئيس الجمهورية، الذي هو عبد العزيز بوتفليقة نفسه، بأن رفض اعتراضات الجزائر هو إهمال فاعل مهم»!
وبذلك تكون الجزائر قد حددت موقعها..
والبوليساريو لم يفعل أكثر من أنه راسل نفس الجهات، بعد أسبوع فقط من الرسالة الجزائرية … بنفس الموقف طبعا!
“2” في لقاء هيوستن، الذي شمل المفاوضات حول الحل السياسي السلمي، لوضع الإطار الذي تتم فيه المبادرات، بعيد تنصيب السيد جيمس بيكر مبعوثا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، تقدمت بمقترح تقسيم أراضي الصحراء..وبذلك تصرفت في مصير «أرض وشعب» تقول إنها تساعدهم فقط على تقرير المصير. وتكون الجزائر قد عرت نفسها بما هي عنصر في تحديد المصير..
“3” بعد ثلاث سنوات، أي في فبراير 2003، نفس الدولة ستعلن مساندتها لاتفاق آخر ورد في خطة بيكر المعدلة وقد ورد في رسالة أخرى للرئاسة الجزائرية إلى الأمانة العامة أن «الجزائر تدعم بقوة خطة التسوية»..
“4” عندما نعيد التسلسل الزمني حول مفاوضات السلام، نجد أن آخر ما دعمته الجزائر كتابيا وبموقف من الرئاسة، وخارج لغة الإنشاء الدعائي، هو هذه الخطة التي تنص على:
– تطبيق تسوية بدون اتفاق مسبق للأطراف.
– مراجعة الاتفاق الإطار بدون مفاوضات.
– تقسيم الصحراء.
– الانسحاب النهائي للمينورسو.
ولنا أن نتساءل: أين ستضع الجزائر أسطوانتها حول تقرير المصير وحرية الشعب الصحراوي في كافة أراضيه ووووو…
طبعا هذا» الشعب» أرسل رسالة، أيضا وأيضا، بنفس الموقف بعد أقل من شهر من رسالة الجزائر حول دعمها القوي لاتفاق التقسيم!!
هذا سجال، نعرفه نحن المغاربة، وإذا كان الوضع في ما سبق(لاسيما مع وجود أزيد من 80 دولة في القرن الماضي كانت تعترف بجمهورية تندوف الوهمية)، فإن المعطيات بدأت تتغير ابتداء من شتنبر 2004، عندما تقدم المغرب بمذكرة واضحة، حول دور الجزائر، إلى الأمم المتحدة يسمي فيها القط قطا، والكركوز كركوزا…
(2)
الرسالة التي أخبر بها وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، حول مضامين ما قاله ملك البلاد إلى الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس، يوم 5 أبريل 2018، هي في العمق تذكير، ورجع صدى قوي، بمبررات تشاؤم أكثر، للرسالة المذكرة التي رفعها المغرب إلى كوفي عنان، الأمين العام الأسبق حول التدخل الجزائري…
“1” لقد قال ملك البلاد، وقائد قواتها المسلحة إن «الجزائر تتحمل مسؤولية صارخة. الجزائر هي التي تمول، والجزائر هي التي تحتضن وتساند وتقدم دعمها الدبلوماسي للبوليساريو».
وأضاف أن «المغرب طالب ويطالب دوما بأن تشارك الجزائر في المسلسل السياسي، وأن تتحمل المسؤولية الكاملة في البحث عن الحل»، مشددا على أنه «بإمكان الجزائر أن تلعب دورا على قدر مسؤوليتها في نشأة وتطور هذا النزاع الإقليمي».
وهو ما يحيلنا على مضامين الموقف المعبر عنه في مذكرة البلاد الموقعة في تاريخ شتنبر 2004.
فقد جاء فيها « إن الجزائر ظلت منذ عام 1973متمسكة بشكل منتظم بمعاكسة استكمال الوحدة الترابية للمغرب.
وأن التورط الجزائري في قضية الصحراء اتخذ أشكالا عديدة ومتنوعة متمثلة في التزام عسكري ودعم مالي ولوجيستي وتعبئة وتأطير ديبلوماسيين ومخالفات للقانون الدولي الإنساني».
الجزائر وعكس ما تردده منذ تقرير الأمين العام، ليست طرفا محايدا، ويعلن تضامنا إنسانيا، بل هي صاحبة حقوق التأليف الحصرية، في ملف شائك يعطل تاريخ وتطور منطقة بكاملها…
وكما قالت مذكرة المغرب فهي «أكثر من مجرد مراقب في مسلسل التسوية».
“2” المذكرة المغربية سبقها ما يجعل الجزائر عاجزة عن تبرئة نفسها، من خلال تدخل الرئيس الجزائري نفسه، عبد العزيز بوتفليقة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها لتلك السنة.
إضافة إلى المذكرات الرسمية، والتي صارت جزءا من أدبيات الأمم المتحدة التي وجهتها الدبلوماسية الجزائرية إلى كوفي عنان.
“3” خطاب الرئيس بوتفليقة أمام الجمعية العامة كان في سياق محموم للغاية. ذكرناه في الجزء الأول من العمود، عندما ذكرنا بدعمها لخطة التسوية التي كانت مناهضة تماما للشعب المغربي… الشقيق !
الشعب الذي تدعي بأنها تساعده على تفاهمه مع «شعب الصحراء الشقيق!!!»
وقتها صفقت الجزائر لتقسيم الصحراء، والانسحاب النهائي للمينورسو، وتطبيق تسوية بدون موافقة الأطراف عليها.
والظاهر أن موافقتها لوحدها كافية في نـظرها لإنهاء النزاع لفائدة دولة تعتبر امتدادا للجزائر!
“4”قبل خطابه، كان الرئيس قد وجه رسالة، في 17 شتنبر 2004 يتحدث فيها بوقاحة «عن الشعب الصحراوي وقوة الاحتلال، أي المغرب»، مدعيا بأن الجزائر تتصرف باعتبارها عضوا في الأمم المتحدة!!
نفس الأمم المتحدة التي لا تعترف له بشعبه في الصحراء ولا بدولته!
“5” رسالة من نفس الرئيس بعد سنتين من هذا التاريخ ( 20فبراير 2006) إلى الأمين العام للأمم المتحدة يتحدث فيها «عن نزاع بين المغرب والشعب الصحراوي»!!
“6” مذكرة جديدة للجزائر وزعتها في الأمم المتحدة في شتنبر 2006، حول مزاعمها حول الصحراء، دفعت المغرب مجددا إلى توزيع مذكرة جديدة، بنفس روح مذكرة 2004 القوية والحادة..
على الأرض، لا وجود للجمهورية إلا في أرض الجمهورية الأم، بل في عقول السياسيين الجزائريين.
وليس لها وجود في التفاوض بغير وجود الجزائر، والدليل أن الجزائر تقود الرد، وكل الرسائل والمواقف المفصلية ( الموقف من مخططات التسوية، بالقبول أو بالرفض) تكون أولا من العاصمة الجزائرية، قبل أن يعبر عنها ممثلو البوليزاريو، المفترضين أو الحقيقيين..
إضافة إلى أن الجزائر، وهو أمر لا يمكن أن تنفيه، تحضر في المفاوضات أو حضرت في المفاوضات التي تمت في مانهاست، بعيدا عن وضعها كعضو مراقب كما تدعي…
والموضوع الأهم، هو أن الجارة تقدم أرضها لانطلاق المنازعات، وأرضها هي منطلق الانتهاكات، إضافة إلى أن «البنيات» الدالة على الوهم موجودة فوق أراضيها وسيتم نقلها من الأرض الجزائرية إلى الأرض المغربية.
وهو قرار لا يتم بدون تصور تام للأوضاع العامة في المنطقة… وبدون مصلحة مباشرة لأرض الجنرالات..
سوف لن نتكلم عن الشرعية السياسية المفتقدة في سلم الجمهورية إلا عبر محاربة المغرب، الذي يستعمل كأسمنت داخلي ، ولا عن مآلات الصراع الداخلي الذي وجد في ورقة الصحراء نقطة لتغليب موازين القوى وتوزيعها من جديد، وسنكتفي بأن الآلة الوحيدة اليوم، بعد تفكك آلة ليبيا القذافي، وتراجع العديد من عواصم إفريقيا عن التحرك السلبي ضد بلادنا، هي آلة الجزائر..
وقد سمعنا من زعيم جبهة التحرير الوطني، السعديني، كيف أنه قال» لو تحدثت عن حقيقة قضية الصحراء لخرج الشعب الجزائري في تظاهرات كبيرة…».