في مسرحية ” يوليوس قيصر ” لشكسبير ، يخاطب قيصر جليسه المفضل أنطونيوس بقوله :
” دع من الرجال من هم خالو البال يتحلقون حولي ، من هم مسطحو الرؤوس ، عديمو الضمير ، وينامون في الليل جيدا..”

أما ” كاسيوس ” في نظر قيصر ، فلا يصلح للمجالسة ، لأنه يقرأ كثيرا ، ويتفلسف ، ويضحك نادرا ، ويفكر أكثر مما ينبغي ، ويزعج بنقده ، فهو خطير …

لقد حددت المسرحية نمطين من المجالسين والمصاحبين والمرافقين لأصحاب السلطة والجاه والمال :
نمط هوايته اللغو والسلوك النفاقي ، وهمه الاستمتاع وتحصيل المنافع ، ونهب ما يمكن نهبه ، وكسب المزيد..
ونمط آخر همه الدفاع عن الحقيقة ، وإنتاج المعارف النقدية ، ونشر الأنوار ، وتقويم ما يجب تقويمه ، ولا تهمه الصور والأشكال وظواهر الأشياء …

فالنمط الأول هو الذي يريده قيصر ، ويريده كل قياصرة الدنيا في القديم والحديث . وهو المرحب به في المجالس الخاصة والعامة ، والندوات ، واللقاءات ، وهو الأكثر حضورا ورجحانا في الإعلام ، في مناصب القرار ، في الدعوات ، وفي كل مكان .

أما النمط الثاني ، فهو المغضوب عليه ، المحصور بالقهر الاجتماعي والسياسي ، وحضوره إما ثانوي أو هامشي أو مخالف للقانون !

لا يسأل عنه إذا غاب ، ولا يؤبه به إذا حضر . إذا قال لا يسمع ، وإذا كتب لا يقرأ ، وإذا اقترح لا يعتبر ما اقترح..

النمط الأول هو الذي أفسد كل شيء في البلاد ، زور الحقيقة ، وضلل ، عطل مسيرة النمو ، وغطى ، ودافع عن الفساد ، ويسر التطبيع معه ، وشرع له ..

ولو ترك الأمر للنمط الثاني لكان واقعنا على أحسن ما يمكن أن يكون عليه . جربوا في الرفقة أصحاب الضمير الحي ، والغيرة على الحق والحقيقة ، والقدرة على التفكير العقلي الموضوعي ، والجرأة على الاعتراض ، والتفاني في خدمة الوطن..

إن بين الجليس المنافق ، المصفق ، الملفق ، والجليس الصريح ، العاقل ، المارق ، مسافة طويلة يصعب على أولي الأمر قطعها ، فيكتفون بالنمط الأول ، ويحاصرون النمط الثاني ، ويستمر التخلف والفساد…

 

السبت 07 أبريل 2018.

 

‫شاهد أيضًا‬

حضور الخيل وفرسان التبوريدة في غناء فن العيطة المغربية * أحمد فردوس

حين تصهل العاديات في محرك الخيل والخير، تنتصب هامات “الشُّجْعَانْ” على صهواتها…