لقد مات الحسين الملكي يومه 2 أبريل 2018، وشاءت الأقدار أن أزوره بالمصحة التي فارق فيها الحياة بالرباط،قبي ل وفاته بساعتين فقط، وبوفاة هذه الشخصية فقدالشعب صاحب نظرية الكد والسعاية، المعروفةً في الأعراف الأمازيغية باسم TamazzaltأوTighrad ، وتعرف في الدارجة المغربية تحت اسم “جرية “Jrya “والتي خصص لها من حياته ليالي وأيام ، ابتداء من سنة 1999ليؤلف في هذه النظرية القانونيةالموروثة عن أجداد وجدات سكان شمال افريقيا الأقدمين، كتابا طبعه على نفقته في جزأين ،تحت عنوان”نظام الكد والسعاية،من الحقوق المالية للمرأة” ليصبح بهذا الكتاب صاحب نظرية قانونية، برز بها ضد من يسعون الى منع القوانين العرفية،ومن يجترون ويكرسون القوانين الدينية،والقوانين المستوردة من فرنساوالشرق الأوسط….
وكان هذا الكتاب بداية لتجديد الدراسات القانونية حول العرف الأمازيغي، الذي شنت عليه الأحزاب التقليدية ،والسلطات المخزنية وبعض الفقهاء حربا، انطلقت مماسموه بالظهير “البربري”ابتداء من سنة 1930،وبلغت أسوأ درجاتها بصدور قوانين ماسمي بالمغربة والتوحيد والتعريب للقضاء سنة 1965.
وقضى (( الملكي)) بكسر الميم جزءا آخر من حياته وهو يحاضر في منتديات الجمعيات الثقافية، ومنظمات الحركة النسائية،يشرح ويدافع عن نظريته القانونية، ويتصل بالصحافة والمجتمع المدني كلما سنحت له الفرصة، حتى اشتهر في الأوساط القانونية من محامين وقضاة ،وقاضيات، بكتابه الذي أصبح مرجعا، وجعل صاحبه يدخل بتواضع وصمت وهدوء في صف علماء النظرية القانونية الذين لن ينساهم التا ريخ،وترك بعده رصيدا من المحاضرات،والمداخلات وتسجيلات في التلفزة والإذاعة،تتطلب أن يبادرالناس الى جمعها لكي لاتضيع….
.وجوهر هذه النظرية استوحت منه الإصلاحات التي فرضتها الحركة النسائية المغربية في قوانين الأسرة الفصل المتعلق بحق الزوجة في اقتسام المال المكتسب أثناء مدة الزواج بعد طلاق الزوج أو وفاته ولو سجل المال في اسم الزوج وحده.
وبعد شهرة كتاب الكد والسعاية ،وتضلع مؤلفه في الحقوق العرفية الف كتابا ثانيا تحت اسم”أراضي الجماعات السلالية،وجماعات القبائل”في جزأين، طبعهما على نفقته، وهذا الكتاب جعل هذا الفقيد منظرا بارزا، وخبيرا في حقوق وأنظمة هذا النوع من الأراضي،وهو المحرك الفكري والمناضل المتواضع الذي يعمل في الظل،ولايتهافت على الشهرة والمصالح الضيقة،قام بمواكبة وتنوير الحراك الشعبي الشامل في المغرب،حول أراضي الجماعات السلالية،وأراضي القبائل،وبذلك فقد فيه الشعب عالما في القانون ،لامثيل له،في جو طبخ قوانين نزع الأراضي،والاستيلاء على ثروات الشعب،من طرف النافذين،ووجود أطراف تزعم أنها تحتكر التشريع ومعرفة علوم القانون وهي لاتعدوا أن تكون ممن يجهل القانون العرفي،ويجتر نظريات الغير،ولاينطلق من الثرات القانوني للشعب.
واجتهد المرحوم في وضع وثائق حول القانون المنظم للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية فتح بهانقاش عام في صفوف النشطاء الأمازيغ وكل المهتمين بشؤن اللغات والثقافة المغربية اقتبس منه الكثيرون،وتحمل مشاق التنقلات والقاء العروض في أماكن متعددة حوله،ونفس الشئ أنجزه في محاضراته ومقالاته حول مشروع القانون التنظيمي للأمازيغية الذي ينص عليه دستور سنة 2011،كما داوم لعدة سنوات على نشر أبحاث قانونية في جريدة العلم….
ومن جانب آخر قضى الحسين الملكي جزءا من حياته بالعمل الجمعوي في قيادة جمعية الخصاص للتنمية،وهي جمعية أنجزت كثيرا من الخدمات الاجتماعية والإنسانية صرف عليها جزء امن ماله الخاص الذي اكتسبه من مهنته في المحاماة، كما كان دائما رغم معاناته الكثيرة مع مرض الضيقة التي كان يواجها بقوة الإرادة والصبر الجميل يتنقل الى موقع الجمعية في سوس بسبب إيمانه العميق بالتنمية المحلية للجماعة السكانية التي ينتمي اليها،رغم مشاغله الثقافية والمهنية،واشتغاله لعدة سنوات كعضو في مجلس هيأة المحامين بالرباط،عمل فيه كمبدع للإصلاحات المهنية،وتقديم مشاريع الرقي بمستوى المهنة والحفاظ على حسن سيرها،كما عمل على دعم فتح أول مقر لجمعية تاماينوت بالرباط،وساهم في كثير من أنشطتها لعدة سنوات، الى جانب أصدقاء وصديقات أتمنى أن يحتفظوا جميعا بذكرياته ،والوفاء لتاريخه.
كما كان المرحوم مشاركا بصفته كمحام في الدفاع في ملفات المحاكمات السياسية ،على سبيل التطوع لمناهضة الظلم والتعسف،وكان نموذجا مهنيا للإلتزام بتطبيق القانون،وتوثيق المحاكمات،وعشنا معه تجربة دفاعية لاتنسي في دعوى وزارة الداخلية ضد الحزب الديموقراطي الأمازيغي سنة 2007 ولإزالت مذكراته تكون وثائق قانونية هامة،وأخيرا كتبنا هده الكلمات ،من أجل الوفاء لهذا الرجل الذي عرفنا عنه الخير الكثير،وعزاء لعائلته الصغيرة والكبيرة،ونتمنى أن يشارك غيرنا في تخليد ذكراه.