أمام ما قامت به القوى الأصولية التكفيرية وفي مقدمتها داعش ومن لف لفها من تدمير للكنائس ودور للعبادة, وقتل للمختلف في الدين من الأخوة المسيحين والأزديين والصابئة وغيرهم من الأقليات الدينية, أو من اختلف معهم في المذهب أو الموقف الفكري في تفسير النص الديني وتأويله داخل الدين الإسلامي نفسه, تحت ذريعة أنهم كفرة وغير مسلمين ومن الفرق النارية. منطلقين من فهم خاطئ لهذا الدين الحنيف بسبب اعتمادهم على الكثير من الآيات المتشابهات التي حذرنا الله عز وجل من التعامل معها أو الأخذ بها (ابتغاء الفتنة أو ابتغاء تأويله) لمصالح أنانية ضيقة, كأخذهم على سبيل المثال لاالحصر بالآية (المتشابهة) التالية: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾. سورة آل عمران (19). فهم يفسرون قوله تعالى : ( إن الدين عند الله الإسلام ) على أنه إخبار من الله تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام الذي بشر به محمد (ص)، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين، حتى ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم . كما اعتمدوا أيضاً في مواقفهم التكفيرية هذه للمختلف, على آيات متشابهات أخر في القرآن لها مواقف سلبية من غير المسلمين الذين عملوا على تكذيب دعوة الرسول, حيث وجد فيها بعض اليهود والنصارى تهديداً مباشراً لمصالحهم. كما جاء في نص الآية التالية على سبيل المثال لا الحصر: (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120). (سورة البقرة). متناسين بقية الآيات في السورة نفسها التي تؤكد على أن الدين الذي بشر به الرسول محمد (ص), هو ليس بديلاً عن الديانتين السماويّتين (اليهودية والمسحية), وأن هناك من آمن من أهل الكتاب بما أنزل عليهم وعلى الرسول محمد من عند الله, وهم يتلونه حق تلاوته, كما جاء في الآية التالية: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ). ). سورة البقرة – 121). كما تجاهلوا في هذا الاتجاه ذاته, أن القرآن جاء مصدقا للتورة والإنجيل وليس بديلاً عنهما, كما جاء في الآيات المحكمات (البينات) التالية: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ *). (سورة الصف الآيات 6و7و8 ). وكذلك الآية : (قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ).( سورة الأحقاف- 30). أما الآية التالية فهي أكثر توضيحاً في مسألة الاعتراف بالآخر, وأن الدين الإسلامي الذي بشر به الرسول محمد هو ليس بديلاً عن الديانات الأخرى, وبالتالي ليس من المنطق ولا من طبيعة وتعاليم الدين الإسلامي الصحيح الدعوة إلى تدمير كنائسهم وصوامعهم ودور عبادتهم. بل إن إجرامهم وصل إلى تحليل تهديم جوامع المسلمين المختلفين معهم في المذهب أو الموقف الفكري. ({إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.. [البقرة :62]. وهذا حديث للرسول الكريم يعبر فيه خير تعبير أيضاً عن أن الرسول جاء للمسلمين بما جاء للأنبياء والرسل من قبله, وقد جاءهم بجامع الكلم كما يقول: (يا أيها الناس إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه, واختصر لي اختصاراً. ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تنتهكوا ولا يغرنكم المتهتكون). (1) والرسول بحديثه هذا أراد تأكيد مضمون التوراة والإنجيل ككتب سماوية, وإن حاول بعض معتنقيها تحريف بعض الشيئي فيها حتى يقفوا أمام دعوة الرسول ويحدوا من انتشارها, ولكن المطلع على التوراة والأناجيل يجد أن الكثير من تعاليم الإسلام الواردة في القرآن الكريم التي بشر بها الرسول لا تخرج عن جوهر هذين الديانتين السماويتين, وإن كان هناك من خرج عن مضمونها من أهل الكتاب آنذاك أو اليوم, فالقرآن يعيد لهما وجههما الصحيح. والأمثلة كثيرة. فما يدل على تلك العلاقة العميقة بين الديانات الثلاثة ورود الكثير من القضايا المشتركة, مثل قضية الخلق وقصص الأنبياء وغيرها الكثير, إن كان في مسألة القصاص أو قضايا الأحوال الشخصية, أو تحليل أو تحريم بعض الأطعمة, والأهم من كل هذا وذاك تأتي الدعوة إلى التوحيد ورفض الشرك بالله أهم قاسم مشترك بين الديانات السماويّة.
إن المسلم في السياق العام كما يدل عليه مضمون النص القرآني ذاته : هو من آمن بالله وكتبه ورسله واليوم الآخرة, وعمل صالحاً لنفسه وللآخرين كما بينا في مقدمة هذا المقال.
فالمسلم إذا, هو من يؤمن بان لا إله إلا الله لا شريك له. .. وهو من يؤمن بربوبية الله ووحدانية. (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4). (سورة الإخلاص). وكذلك كما جاء في الآية: ( وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ). (سورة مريم -36).
والمسلم هو من آمن بالأنبياء والرسل وما أنزل عليهم من كتب. كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها. كما جاء في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً﴾. (سورة النساء الآية: 136).
والمسلم هو من عمل صالحاً لنفسه :﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ. [ سورة الجاثية -15]. والعمل الصالح للنفس ليس خاصاً بالنفس أو ذات الفرد فحسب, بل هو مرتبط بالجماعة بالضرورة, كون هذا العمل الصالح سينعكس على الآخرين, والأعمال الصالحة هي مقاصد الدين أساساً في بعدها الاجتماعي والأخلاقي.
نقول: إذا كانت هذه سمات وخصائص المسلم, بغض النظر عن الدين الذي يتبعه, أو مذهبه, أو لونه وجنسه.. إلخ… هذا الدين الذي حدده الله في القرآن الكريم بإسم الإسلام بقوله : ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ). سورة آل عمران (19). فمن هذا التحديد لمعنى الإسلام ومن يمثله, دعونا نتابع النص الديني كما ورد في القرآن لتأكيد هذا التحديد.
كقول الآية : وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما }. سورة الرحمن . الآية (63)
وقول الآية: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31). (سورة النمل. 29, 30, 31.).
والآية :﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾. (سورة البقرة 132).
وقول الآية” (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ). 0 سورة يوسف 101).
وقول الآية: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ). (سورة آل عمرن (52).
وأخيراً قوله تعالى مخاطباً الذين كفروا من أهل الكتاب أو غيرهم واتخذوا غير دين الإسلام ديناً: (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) .( سورة آل عمران) .
على العموم : إن دين الإسلام كما أراده الله وحدده في هذه الآيات القرآنية الكريمة هو ليس الدين الذي بشر به محمد فحسب, بل كل دين يأخذ بما ورد في الكتب التي أنزلها الله على ملائكته ورسله جميعاً ولا تفريق بين أحد منهم في هذا الشأن. أما مقاصد هذا الإسلام فنجدها واضحة في ما انزله الله على الرسول محمد (ص). كما تقول الآية التالية : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ). المائدة – 3).
وفي تفسير هذه الآية اختلف الفقهاء وأهل العلم على خمسة أقوال كما يقول ابن الجوزي:
أحدها : أنه إكمال فرائضه وحدوده ، ولم ينزل بعد هذه الآية تحليل ولا تحريم ، قاله السدي ، فعلى هذا يكون المعنى : اليوم أكملت لكم شرائع دينكم .
والثاني : أنه بنفي المشركين عن البيت ، فلم يحج معهم مشرك عامئذ ، قاله سعيد بن جبير ، وقتادة .
وقال الشعبي : كمال الدين هاهنا : عزه وظهوره ، وذل الشرك ودروسه، لا تكامل الفرائض والسنن ، لأنها لم تزل تنزل إلى أن قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعلى هذا يكون المعنى : اليوم أكملت لكم نصر دينكم .
والثالث : أنه رفع النسخ عنه ، وأما الفرائض فلم تزل تنزل عليه حتى قبض ، روي عن ابن جبير أيضا .
والرابع : أنه زوال الخوف من العدو ، والظهور عليهم ، قاله الزجاج .
والخامس : أنه أمن هذه الشريعة من أن تنسخ بأخرى بعدها ، كما نسخ بها ما تقدمها “. (2). والراجح من هذه الآراء كلها, يتبين أن المراد من كمال الدّين في الآية المتأتى عليها أعلاه هو : كمال أصول الإسلام ، وقواعد الأخلاق، وكليّات الشرع, وليس إلغاء بقية الديانات السماوية, أو من يقول بجوهرها كالصابئة وغيرهم.
هذا وأن أهم ما يدعو إليه جوهر الإسلام كما أراده الله في كتابه, وكما عبر عنه الرسول الكريم في تعامله أو سلوكياته, هو دين يسر وليس دين عسر: كقوله تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ) سورة الحج 78). والآية : (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه). (البقرة -173). وقوله تعالى: (يريد أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً). ( سورة النساء- 28). وقول الرسول: ( إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه). هذا وهناك أيات وأحاديث كثيرة تدل على سماحة الدين ورحمته ورفض القمع للآخر ورايه. وهل هناك أرقى من حرية الرأي واحترام الرأي الآخر في الدين الإسلامي؟! . ألم يعلمنا الله في حواره مع الملائكة وابليس في مسألة تكليف آدم بالخلافة على الأرض كيف نحترم الرأي الاخر ونرد عليه بالحسنى وليس بالسيف: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ سورة البقرة -30). ثم هل هناك أكثر احتراماً لحرية الإنسان كما احترمها الله بقوله: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). (سورة الكهف الآية 29). أما (الظالمون) ولم يقل الكافرون, أي الذين يتعدون على حقوق الله والبشر. فلهم عذاب أليم كما جاء في تتمة الآية: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا}سورة الكهف الآية 29). هذا مع تأكيدنا هنا أن مسألة الكفر بالله, هي خروج عن الإسلام الذي يريده الله, ولكن نص الآية واضح فالعقاب للظالمين وليس للكافرين, ومفهوم الكفر هنا ودرجته في هذه الآية غير محددة. فمسألة الكفر تدخل في ما يسمى من الناحية القنانونية بـ (الحق العام), والله هو من يحاسب الناس على كفرهم به كقوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10). و قوله: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (سورة التغابن -12). ومع ذلك فرحمة الله ومغفرته ليس لها حدود وهو القائل: (إن الله غفور رحيم).
اما الحق الخاص في مسألة الكفر والتعدي على حقوق الناس والخروج عن أومر الله فيما نهانا عنه, فلها جزاءاتها أوعقوباتها الدنيوية, إما بما حدده الله من عقوبات, أو بما يراه القضاة وأصحاب الأمر في هذا الشأن أو ذاك إذا لم يرد فيه نص: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). (سورة البقرة 179) . ومع ذلك يظل العفو والدعوة إليه من قبل الله تعالى تجب القانون حتى في الحق الخاص : (وإن تعفوا فهو خير لكم). أو قوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.) (45). سورة المائدة.
هذا هو الإسلام, وهذا هو موقفه من الناس بغض النظر عن دينهم أو مذهبهم أو طائفتهم, طالما أنهم يؤمنون بالله وكتبه ورسله واليوم الاخرة ويعملون صالحاً, ولا يظلمون أحداً.
ملاحظة:
ليس كل اليهود صهاينة. وليس كل المسيحين مستعمرين. وليس كل انتمى لهذا المذهب الإسلامي أو الفرقة الإسلامية, هو من الفرقة الناجية. فالإسلام واحد وجوهره الإنساني واحد وعلينا إعادة قرأة النص المقدس كي نصل إلى جوهرة الإنساني.