مع توالي الأيام على حكم دعاة الإسلام، لم يعد عسيرا على أحد اكتشاف واقع وحقيقة “الإخوان”، في كل من الحزب الإسلامي الأغلبي “العدالة والتنمية” وذراعه الدعوية “حركة التوحيد والإصلاح”، وانجلاء الغبار عن زيف حروبهم “الأخلاقية” وخطابهم التضليلي، إذ سقط القناع وانكشفت وجوههم البشعة، واتضح للملأ أنهم إنما يسعون إلى التلاعب بالعقول ومحاولة قلب الحقائق عبر ممارسة التقية السياسية، بهدف الاستيلاء فقط على مفاصل الدولة ومقاليد السلطة والانقلاب على الديمقراطية.

      فهذا المدعو أحمد الريسوني، أحد كبار المتفيقهين في حركة “الإخوان المضللين” الذي منذ أن وصل حزبهم إلى قيادة الحكومة ذات “ربيع عربي”، وهو لا يتوانى عن إصدار فتاواه الغريبة يحل بواسطتها ما يشاء ويحرم ما يشاء، لا يكل ولا يمل من توزيع صكوك الاتهام يمينا ويسارا، مستغلا في ذلك رئاسته السابقة للحركة ومنصبه الحالي كنائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. يعود ثانية للانحياز إلى مدير نشر جريدة “أخبار اليوم” توفيق بوعشرين المحسوب على تيارهم، المتهم بجرائم جنسية خطيرة موثقة بالصورة والصوت في خمسين شريطا، لا لشيء سوى أنه كان يسخر قلمه في تلميع صورة رئيس الحكومة السابق عبد الإله ابن كيران ويمثل بخصومه السياسيين ومعارضي حزبه.

      وقد جاء هذا الانحياز الأرعن وغير المنصف بعد مرور زهاء شهر عن اعتقال “تلميذهم النجيب”، دون أن يجشم نفسه عناء استحضار إخفاقه الشهير في محاولة طمس حقائق الفضيحة المدوية، التي أطلق عليها فضيحة “الكوبل الدعوي” بين عمار بنحماد وفاطمة النجار، القياديين البارزين في الحركة السالفة الذكر، اللذين ضبطا في خلوة غير شرعية داخل سيارة خاصة في أحد الصباحات على شاطئ البحر، يمارسان الرذيلة أو ما زعمت المتهمة من كونه مجرد “مساعدة على القذف”، دون أن يكون ادعاؤه “زواجهما العرفي”  قادرا على إسقاط تهمة “الفساد والخيانة الزوجية” عنهما.

      ولأن الرجل كغيره من القياديين والأتباع، في تقديم الولاء للحزب والامتثال لتعاليم الحركة، والاسترشاد بالأفكار الملغومة للاتحاد العالمي ل”الأغبياء”، اعتاد الاصطياد في المياه العكرة، كان من الطبيعي أن تأتي تدوينته الأخيرة مكتوبة بمداد من الجبن والكراهية، مضمخة برائحة المكر والخبث، لتزكم أنوف السياسيين والحقوقيين، حيث أنه وبدون وجل ولا خجل، ولا مراعاة للبياض الذي يكسو رأسه ولحيته، نزل تجريحا بصحفيات ضحايا اعتداءات جنسية، متهما إياهن بالتورط في اغتصاب صاحب “القلم” الحاد داخل مكتبه، وتسليط “العفاريت” عليه في تسجيل أشرطة إباحية له للإيقاع به، ضاربا كعادته عرض الحائط بمحاضر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية.

      ألا يعلم الفقيه “العلامة” الذي يزعم أنه وصحبه “طائفة” من البررة الأفذاذ، الذين لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم وجاؤوا لتطهير البلاد والعباد من سموم الفساد، أنه باستعجاله المس بالأعراض وقذف المحصنات، يكون قد أقدم على ارتكاب جرم لا يغتفر ومعصية منهي عنها شرعيا،  وألحق أضرارا جسيمة بالمشتكيات، اللواتي لا ذنب لهن سوى أنهن وجدن أنفسهن في المكان الخطأ أمام “مصاص دماء”؟ وهل كان من الضروري أن يصمت دهرا وينطق كفرا، من خلال تدوينته الباهتة والمليئة بالتناقضات الصارخة؟

      فما يثير الضحك والاستغراب، أن الفقيه “المقاصدي” أضاع البوصلة والقصد وأساء إلى “موكله” أكثر مما حاول تبرئته، وأنه اتجه من حيث يدري أو لا يدري إلى إضفاء الشرعية على فعل الاغتصاب، وتنزيه صاحبه مما نسب إليه من ممارسات دنيئة ومرفوضة، مجيزا لنفسه خارج القانون وتعاليم ديننا الحنيف نكء جراح الضخايا، واصفا إياهن بأقذع النعوت، حين يقول جهارا وبعنجهيته المعهودة: “إن النسوة اللائي يتم إخفاؤهن في القاعة المغلقة. فمن المؤكد الآن أنهن قد ساهمن أو استعملن في اغتصاب رجل، في أمنه وعرضه وحريته وكرامته ومهنته…” ثم يتساءل بوقاحة ومكر: “أما هل تعرضن للاغتصاب؟ وهل تم الاتجار بهن؟ فهذا مازال في طور “الادعاء” وينتظر حكم القضاء والقدر.”

      أما كان يجدر به التريث والتزام الحياد في قضية مازالت رائجة أمام المحكمة ولم يفصل فيها بعد، عوض رمي الضحايا بالعهر والتلفيق، معتمدا في بناء حكمه الجائر على ما استقاه من آراء موالين لرمز المصباح، الذين بسبب تعطيل عقولهم يدينون اعتقال صاحب “القضيب الذهبي” ويعتبرون قضيته مؤامرة خسيسة؟ فماذا لو تتحول تدوينته/فتواه إلى شهادة جور إذا ما ثبتت إدانة المتهم، وهو يعلم أن شهادة الزور من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، مصداقا لقوله تعالى: “فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور”؟

      إن الريسوني أبان من خلال تدوينته/الكارثة، على أنه لا يختلف كثيرا عن البيجيديين في اندفاعهم وسعيهم المفضوح إلى محاولة تسييس قضية بوعشرين وتقسيم المجتمع، واتضح جليا بأن أي شخص يتقاسم معهم نفس القناعات، يمكن أن يحظى بما يلزم من الدعم مهما اقترفت يداه من شنيع الأفعال، ويتحول من مذنب إلى بريء ومن مغتصب (بالكسر) إلى مغتصب (بالفتح). ألم يكتف بانتداب الحزب “كتيبة” من المحامين للدفاع عن المتهم ضد “مغتصباته”؟ وهل أغلق ملف “حامي بوعشرين” المتهم باغتيال الطالب بنعيسى آيت الجيد، للانتقال إلى ملف “بوعشرين” نفسه؟ الآن وبعد أن أصدر حكمه قبل المحكمة، فما عليه إلا أن يتدبر قليلا في الآية 31 الكريمة من سورة الزمر، لعلها تعيده إلى جادة الصواب: “ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون”.

 

الجمعة : 23 مارس 2018.

 

 

‫شاهد أيضًا‬

باب ما جاء في أن بوحمارة كان عميلا لفرنسا الإستعمارية..* لحسن العسبي

يحتاج التاريخ دوما لإعادة تحيين، كونه مادة لإنتاج المعنى انطلاقا من “الواقعة التاريخ…