أعترف بأنني سمحت لنفسي بترف استعادة الكثير من إعجابي بالرئيس السابق للحكومة الاسبانية ، فيليبي غونزاليث، وهو يتحدث ليلة الخميس 8 مارس في لقاء تقديم مذكرات المجاهد عبد الرحمان اليوسفي.
مرت بذهني كل الأحاديث ، العاقل منها والانطباعي، التي تخصه، منذ دخلنا في تسخينات الانتقال الديمقراطي في منتصف تسعينيات القرن الماضي.…
كان الإغراء الاسباني دائما حاضرا في التخطيط للمستقبل المغربي، بالرغم من الاعتزاز السيادي الشديد بتجربة النضال الديمقراطي من جهة وبطبيعة التجربة المغربية برمتها من جهة ثانية، وكذا طبيعة الدولة المغربية ، من التأسيس إلى التغيير من جهة ثالثة..
ظهر السياسي الاسباني قريبا منا للغاية ذلك المساء…،
وهو يستل منا ضحكات جماعية عند الحديث عن حديثه بالفرنسية، لأنه لا يعرف العربية
أو عند حديثه عن شكه في أن الماء،عند الحديث أمام
المنبر الخطابي قد يكون من أجل إخفاء الحقيقة…
قال فيليبي غونزاليث، إن صديقا له خاطبه ذات يوم أن الماء يمنعك من قول الحقيقة، وأنت في محفل خطابي..
ضحك الأخضر الإبراهيمي الذي يسبقه من على المنصة، وكان قد ارتشف بعض ماء بسبب تأثر واضح وهو يتحدث عن فشل جيلين في قضية فلسطين
وهو يتحدث عن عهد التميمي..
وحرم المصري الشيخ محمد فايق الذي جاء بعده من شرب الماء..
مما زاد من صعوبة مواصلته الحديث … على الريق!
لكن الرجل، أيضا أثار احترامنا وهو يتحدث عن اليوسفي ، وعن التزامه بالمبادئ التي صنعت الحركة الديمقراطية الاشتراكية، وأيضا التاريخ الوطني..
غونزاليث قال بالواضح إنه معجب برجل ” ناضل من أجل وحدة بلاده الترابية”!
وكان ذلك وحده كافيا لكي نفرط في احترامه الكبير أصلا..!
فالرئيس السابق تربى في محيط سياسي يساري، إسباني، وقاده إلى مفارق التاريخ والسياسة، وتشرب منه العداء التاريخي للمغرب في وحدته الترابية..
واستطاع التحرر فعلا أمام رجل نضال من أجل التحرير..
غونزاليث، قد نجيد الاستماع إليه عن تجربة التحولات الديمقراطية، ونزيد من إعجابنا كلما تحدث عن قيم الاشتراكية الديمقراطية، لكن نستمتع به وهو يعود إلى حقوقنا الوطنية ويعلنها بلا مواربة في اعتزازه بمن يدافعون عنها….
بين الرجلين عقدان من الزمن
فالإسباني الذي رأى النور في دوهرماناس، التحق بالحزب العمالي سنة 1963، في الوقت ذاته الذي كان اليوسفي يقف أمام محكمة “مؤامرة يوليوز الشهيرة”..
غونزاليث، انتخب زعيما للحزب الاشتراكي منتصف السبعينيات في المنفى، تماما كما كان اليوسفي وقتها ، يساند من الخارج، بواسطة الرسالة الصوتية الشهرية إلى المؤتمر الاستثنائي .. من منفاه في فرنسا!
يشتركان مع ذلك في الذوق المتقشف إزاء الحياة السياسية وما تمنحه… من ألقاب وجاه!
غادر غونزاليث الحياة السياسية الاسبانية، منذ أن أزاح خليفته خوصي لويس ساباتيرو كل مساعديه من قيادة الحزب الاشتراكي…العمالي، لم يقبل الجحود..
فصار مسافرا زاده التجربة بين بلدان أمريكا اللاتينية..
قبل هذا المساء المترف بالتاريخ والقيم ، جاورت حديث فيليبي، من خلال أحاديث الملك خوان كارلوس عنه.
في كتاب «السيرة»، يظهر تواطؤ الملك الذي قاد الثورة الديمقراطية المؤسساتية، والاشتراكي الشاب الذي كان الشعب الاسباني قد فوض له بتدبير هذه المرحلة من خلال التدبير الحكومي..
من أجل أن ينجح البلد في الانتقال السلس إلى مرحلة متقدمة من التطور المشترك…
لهذا يكون في حديث فيليبي عن المغرب الموحد
وعن رجالاته الوطنيين، دلالة خاصة.
و يكون ذا طعم مفرد في المشهد الاحتفالي ليلتها..
وما من شك أن الكلام الذي قاله غونزاليث لم يكن هدفه دغدغة غرورنا الوطني المستحق والمشروع، بقدر ما كان موجها أيضا إلى الضفة الشمالية للبلاد
وإلى يسارها بالأساس وصناع القرار الاستراتيجي فيها..