استخدام الفيتو الصيني- الروسي، المزدوج والسادس منذ اندلاع الأحداث السورية سنة 2011 داخل مجلس الأمن لعرقلة قرار دولي ضد سوريا منذ أيام مضت،لا ينم على حجم الانقسام الدولي داخل أروقة المجلس فحسب، ولا يؤكد تحدى أكبر قوتين شرقيتين على رقعة الأوراسيا للكتلة الغربية الأوراسية فقط، بل يشير إلى أي مدى وصلت الشراكة الاستراتيجية الشاملة لروسيا والصين والتي تُمهد الطريق لمبادرة الحزام الاقتصادي وطريق الحرير لحسم الصراع على رقعة الأوراسيا. تلك المساحة الممتدة من مدينة لشبونة في البرتغال وحتى مدينة فلاديفستوك بروسيا التي وضعها بريجنسكي على لوحة الشطرنج العظمى سنة 1997 وحدد عليها قواعد اللُعبة الأمريكية لحسم الصراع والبقاء على قمة عالم أحادى القطبية، شريطًة ألا يحدث اتحاد مستقبلي بين لاعبين جيوستراتيجيين من الشرق الأوراسي يهدد المصالح الجيوسياسية لأمريكا على هذه الرقعة، يُنهي أحلام القرن الأمريكي.
وبعد عقود من الغطرسة الأمريكية وبعد سنوات من تجبُر امبراطورية الفوضى على النظام العالمي يخيب ظن بريجنسكي بعد ان قرر لاعبا الجانب الشرقي من لوحة الشطرنج التحالف عبر شراكة استراتيجية شاملة، تُعلن بزوغ نجم القرن الأوراسي فى إطار سياسة الأمن الجماعي لآسيا والتى تمخض عنها صفقات الطاقة الضخمة بين «اليوان» و«الروبل» عبر اتفاقيتين للغاز الطبيعي الأولى في ماي 2014 بقيمة 400 مليار دولار لتوريد 38 مليار متر مكعب من الغاز سنويا إلى الصين لمدة 30 سنة عبر خط انابيب سيبيريا. وإُبرمت الاتفاقية الثانية في نوفمبر من نفس السنة بقيمة 325 مليار دولار لنقل أنابيب الغاز الناشئة من التاي بغرب سيبيريا والمُحدد تشغيله سنة 2019. ما يمثل تأمين قيمة 17% من احتياجات بكين من الغاز حتى سنة 2020. وهو ما دفع نائب رئيس الوزراء الروسي «أركادي دفوركوفيتش» بالذهاب لما هو أبعد من أن روسيا قد تنظر فى منح المستثمرين الصينيين أكثر من 50% فى حصص حقول النفط والغاز الاستراتيجية.
نوفمبر من نفس السنة أُبرمت اتفاقية جديدة لتشييد خط سكك حديد لقطارات الصين فائقة السرعة (400 كم/الساعة)، بين بكين–موسكو، عبر كازاخستان، مسافة 7000 كم بتكلفة قيمتها (60مليار دولار) لربط مواطنى الصين ببرلين عبر موسكو على طريق الحرير.
وهكذا تمكنت الصين من تسويق تكنولوجيا تصنيع القطارات فائقة السرعة جنبًا إلى جنب مع اتفاقيات تطوير البنية التحتية لشبكة السكك الحديدية وتحسين خدمات النقل، وشبكات الكهرباء داخل روسيا، ومن ناحية أخرى نجحت موسكو في كسر العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة عليها ومواجهة التداعيات السلبية الناجمة عن تدني الأسعار العالمية للنفط. خاصة مع إبرام اتفاقية تبادل العملات وجعل التسوية المباشرة بين رجال الأعمال والشركات في «اليوان» و«الروبل» لمواجهة مخاطر الدولار الأمريكي.
وفى اطار التعاون الاقتصادي السلمى وافقت الحكومة الروسية على استئجار الجانب الصيني 300 ألف هكتار  من هذه الأراضي للاستصلاح الزراعس بعقد مدته 49 سنة، وباستثمارات 24 مليار روبل. لتطوير قطاع الزراعة وتحسين المنتجات الزراعية التي يمكن ان تضخ للأسواق المشتركة بين الصين وروسيا. سيتم تقسيم المشروع إلى مرحلتين إذا تم الانتهاء من المرحلة الأولى بنجاح بحلول سنة 2018، سوف تحصل الشركة الصينية على عقد ايجار جديد لقطعة ثانية تقارب المساحة السابقة.
وفي ماي  2015 تأسس صندوق مشترك للاستثمار الزراعي بين روسيا والصين بقيمة 2 مليار دولار لتشجيع الاستثمار في قطاع الزراعة بين البلدين. نفس الشهر الذي شهد زيارة الرئيس «شي» لموسكو والإعلان عن ميلاد فضاء اقتصادي جديد بمذكرة تفاهم لربط التنمية لبلاد الاتحاد الاقتصادى الأوراسي (روسيا–بيلا روسيا- كازاخستان -قيرغيزستان- أرمينيا) بالمشروع الاقتصادي للحزام والطريق، كخطوة جادة لفتح آفاق جديدة للفضاء الاقتصادي الأوراسي. وقد صرح آنذاك وانغ يي وزير الخارجية الصيني أن حجم التجارة بين الصين وروسيا قد يصل إلى 100 مليار دولار سنة 2015. ما دفع الرئيس المنغولي إلى اندماج بلاده فى مبادرة الحزام والطريق والمشاركة في الممر الاقتصادي كحلقة وصل بين الاقتصاد الصيني والروسي في شتمبر 2014، وفي صيف 2015 كانت منغوليا قد انضمت بجوار الهند وباكستان إلى منظمة شنغهاى للتعاون.
كما قفزت هذه الشراكة الاستراتيجية إلى جبهة التكنولوجيا العسكرية الروسية–الصينية. إذ تلتزم روسيا والصين بالتدريبات العسكرية المشتركة على نطاق واسع بعد ان حظيت الصين بأنظمة الدفاعات الجوية الروسية المتطورة (أس 400) وهو ما سيفتح الطريق قريبًا لدخول منظومة الصواريخ (أس-500) الروسية إلى الدفاعات الجوية الصينية. وبحلول عام 2016 كلًا من القيادة العليا الصينية والروسية كانت قد أعلنت أن التعاون العسكري والأمني ​​المتبادل قد وصل أعلى المستويات في تاريخ العلاقات بين البلدين.
الاثنين 12 مارس 2018/ 24 جمادى الثانية 1439. هج

‫شاهد أيضًا‬

مقاربات عقلانيّة في الانتماء العربي. * د. عدنان عويّد

     سؤال مشروع يطرح نفسه علينا اليوم ونحن نعيش حالات عصيبة من فقدان ا…