الجماعة بين المواجهة والمراجعة

الكاتب د. حسن نافعة :

كيف ستتعامل جماعة الإخوان مع المحنة التي تواجهها في الوقت الراهن، وهى الأخطر في تاريخها؟ أظن أن تفاعلاتها الداخلية ستفضي بها إلى تبنى واحدة من إستراتيجيتين: الأولى تدفعها للمواجهة والعمل على تحقيق الأهداف التي تسعى إليها

بكل السبل الممكنة، بما في ذلك استخدام العنف، والثانية تجذبها نحو التهدئة والمراجعة والنقد الذاتي وإعادة صياغة أهدافها القابلة للتحقيق في ضوء المعطيات المحلية والإقليمية والدولية المتغيرة.

المروجون لإستراتيجية المواجهة يستندون إلى مبررات وحجج عديدة أهمها:

1- أن الجماعة جربت الوسائل والطرق السلمية، وحصلت على ثقة الشعب في عدة استفتاءات وانتخابات متتالية، غير أن القوى «غير الإسلامية» التي «لا تريد الحكم بما أنزل الله» لم ولن تسمح لها باستخدام حقها في ممارسة السلطة وتغيير المجتمع وفقا لرؤيتها الخاصة، استنادا إلى إرادة الشعب المعبر عنها في صناديق الاقتراع.

2- أن حرمانها من حقها في ممارسة السلطة التي وصلت إليها بإرادة الشعب تم بقوة السلاح وبالاعتماد على الجيش، وليس على صندوق الاقتراع. ولأن «ما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة». فليس هناك من سبيل آخر لاسترداد السلطة.

3- أن القبول بالأمر الواقع وتبنى سياسة المهادنة والخنوع سيزيد من عناد وجبروت الطرف الآخر، ولن يؤدى إلا إلى تفتت واضمحلال الجماعة من داخلها.

أما المروجون لإستراتيجية المراجعة والنقد الذاتي فيستندون إلى حجج ومبررات مضادة، أهمها:

1- أن المحنة التي تواجه الجماعة حاليا ليست من فعل الطرف «الآخر» وحده، وإنما تسببت فيها أيضا أخطاء عديدة ارتكبتها القيادة الحالية للجماعة، بقصد أو دون قصد، ومن ثم فعليها التحلي بما يكفى من الشجاعة للقيام بعملية نقد ذاتى يساعد على الاستفادة من أخطاء الماضي، وتجنب الوقوع في أخطاء مماثلة في المستقبل.

2- لن يكون اللجوء إلى العنف في مصلحة الجماعة هذه المرة، لأن الأوضاع وموازين القوى على الأرض تغيرت واختلت لغير صالح الجماعة، ومن ثم فقد يؤدى إلى محوها من الوجود وطي صفحتها إلى الأبد.

3- على الجماعة الانتباه إلى أن هناك أطرافا محلية وإقليمية ودولية تسعى إلى الإيقاع بينها وبين الجيش وافتعال صدام مسلح بينهما، وهو ما قد يؤدى إلى كارثة.

والسؤال: إلى أي من هاتين الإستراتيجيتين ستنحاز الجماعة في نهاية المطاف: إستراتيجية التحدي والمواجهة واستخدام العنف، أم إستراتيجية المراجعة والنقد الذاتي والحوار؟.. الواقع أنه ليس من السهل الإجابة عن هذا السؤال. فعقيدة الجماعة وبنيتها التنظيمية والفكرية تدفعان بها في اتجاه ترجيح كفة المواجهة واللجوء إلى العنف، أما سياساتها ومواقفها في أوقات الأزمات، والتي يغلب عليها الطابع البراجماتى في العادة، فسوف تدفع بها نحو التهدئة والحوار.

جماعة الإخوان، كما يصورها مؤسسها حسن البنا، هي: «دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية». و«إسلام الإخوان»، عند مؤسس الجماعة، هو: «عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف». لذا يبدو واضحا أنها جماعة ولدت لكي تذوب عن المجتمع وتحل محله، بالعمل على «أخونته» تدريجيا، لا أن تشارك فيه وتعمل على تطويره مع الآخرين، وأنها تستهدف الوصول إلى السلطة لاستخدامها كوسيلة لتغيير المجتمع وفقا لرؤيتها الخاصة، وليس لتتداولها سلميا مع الآخرين استنادا إلى قواعد المنافسة العادلة والشريفة.

يسهل تبرير اللجوء إلى العنف في جماعة يقوم تنظيمها على مبدأ «السمع والطاعة العمياء للقيادة»، وليس على التفكير الحر وممارسة النقد الذاتي، ويتم ضمان الولاء للقيادة الأعلى في التنظيم الخاص من خلال «البيعة والقسم على مصحف وسيف»، وليس على الاقتناع والتفاعل الحر بين متنافسين متساوين، كما يسهل إضفاء هالة من القداسة على استخدامه وتصويره باعتباره «جهادا فى سبيل الله». ولأن القيادة القطبية الحالية لجماعة الإخوان تبدو متشددة إلى حد التطرف، فمن المرجح أن تميل كفة التفاعلات الجارية الآن لصالح إستراتيجية المواجهة. غير أن هذه القيادة يجب أن تدرك أن المواجهة هذه المرة لن تكون مع نظام حكم مستبد وظالم، لكن مع شعب سُرقت ثورته وفى حالة توحد تام مع جيش وطني لا يمكنه أن يقف متفرجا على جماعة تصر على العبث بأمن مصر الوطني.

نأمل أن يسود العقل والحكمة وأن تشرع الجماعة، بعد أن تهدأ مشاعر الغضب والانفعال، في ممارسة عملية نقد ذاتي تقودها إلى مراجعة شاملة لأفكارها وسياساتها وبنيتها التنظيمية.

التجديد العربي

‫شاهد أيضًا‬

الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يناقض أفكاره الخاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث غزة * آصف بيات

(*) المقال منقول عن : مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ألقى أحد الفلاسفة الأكثر…