يحرص عدد من المؤلفين على إهداء كتبهم للشخصيات السامية من أصحاب السلطة والجاه والمال ، ويبيعونها بأثمان مرتفعة للبسطاء من عموم الناس ، مع العلم أن الشخصيات السامية لا تقرأ ما أهدي إليها من كتب ، ولا تتفاعل معها لا إيجابا ولا سلبا ، زيادة على أنها ترى في كل إهداء شكلا من أشكال التملق والتزلف …
إنما يقرأ البسطاء من الناس ، ويتفاعلون مع المقروء مناقشة وتحليلا واعتراضا . ولولا البسطاء لماتت الثقافة ، ونضب الفكر ، وتوقف التفلسف والتأمل والبحث والتفكير ، وبهم يصير المؤلف مؤلفا ، وبهم يعترف به كمنتج للنصوص والأفكار .
عندما ألف أرسطو كتابه العظيم ” دعوة للفلسفة ” أهداه لملك قبرص وقال له في الإهداء : ” ما من أحدمثلك أهلته الظروف ليهب حياته للفلسفة ، فأنت ثري ، ومرموق المكانة …”، لكن الكتاب ضاع ، وملك قبرص لم يفعل بما قال أرسطو لأجل الفلسفة ، بل لم يقرأ الكتاب أصلا…
وألف أقراطيس الكلبي ، تلميذ ديوجين ، كتابا قيما في الفلسفة فأهداه لصديقه الإسكافي ” الخراز ” وقال له :
” أعتقد أنني سأهديك كتابا في الفلسفة ، فإنك في رأيي أهل للحياة الفلسفية أكثر من ذلك الذي أهداه أرسطو كتابه ” .
إن مغزى الحكايتين واضح ، وعلى المؤلفين أن يختاروا من يستحقون أن تهدى لهم كتبهم ، عوض التزلف بها لشخصيات سامية لا تقدر الكتب ولا الثقافة ولا المؤلفين …