إخوتي وأخواتي الأعزاء،
ضيوفنا الكرام الذين شرفوني بالحضور،
صَدِّقُوني، أمام هذا المحفل المَهيبِ المُبَجَّل، لا أجدُ الكلمات المُناسِبَة للتعبير عن مدى اعتزازي بكم جميعا، ولا أشُكُّ لحظةً في أن أحاسِيسَ الوفاء والإخلاصِ والتقديرِ مُتَبَادِلَةٌ بِصِدقٍ بيننا.
إن مُناسَبَةَ لقائنا، للِتَّقْدِيمِ الرَّسْمي لِلأجْزَاءِ الثَّلاثَةِ مِنَ الكُتُب التي تَجَشَّمَ الأخ مبارك بودرقة عَنَاءَ الإشراف عليها، بِدَعْمٍ من عدد من الإخوة الأَوْفياء، التي تَتَضَمَّنُ في جُزئِها الأول شَذَرَاتٍ من مُذكراتي وسيرتي، هي فُرصَةٌ لِنُجَدِّدَ الْعَهْدَ بيننا جميعا. وأيضا لِنُذَكِّرَ بعضنا بالقيم الوطنية التي شَكَّلتْ الأساسَ الصَّلْبَ لكل الدروس النضالية التي أبْدَعَتْهَا أَجْيَالٌ من المغاربة (في الدولة وفي المجتمع)، منذ تأسيس الحركة الوطنية في الثَّلاثِينَات من القرن الماضي.
وهي القِيمُ التي لا تزالُ تُشَكِّلُ السَّمَادَ الخِصْبَ، لِإتْمَامِ مَشْرُوعِ بناء مغرب اليوم والغد، مغربُ الحرياتِ والديمقراطيةِ ودولةِ المؤسسات، وأيضا حِمَايَةُ وَحْدَتِنا التُّرابية تحت قيادة عاهل البلاد جلالة الملك محمد السادس حفظه الله.
إن ما تَتَضَمَّنُهُ الأجزاءُ الثَّلاثَةُ من كتاب «أحاديثٌ في ما جرى»، هو بَعْضٌ من خُلاصاتِ تَجربةٍ سياسيَّةٍ، شَاءَ قَدَري أن أكُونَ طَرَفَا فيها، مِنْ مَوَاقِعَ مُتَعَدِّدَةٍ، سواءٌ في زَمَنِ مُقاومة الاستعمار أو في مَرْحَلةِ بِنَاءِ الاستقلال، وَسَواءٌ مِنْ مَوْقِعِ المُعارضةِ أو مِنْ مَوْقِعِ المُشَارَكَةِ في الحكومة. وأعتقدُ أن مَادَّتَها تُشكِّل جزءًا من إِرْثٍ مَغرِبِيٍّ غَنِيٍّ، نَعْتَزُّ أننا جميعا نَمْتَلِكُهُ، عُنْوانًا عَنْ ثَرْوَةٍ حَضارِيَّةٍ، صَنَعَتْهَا أجيالٌ مغربِيَّةٌ مُتَلاحِقَة. وأنها ستكون، بلا شك، مجالا لِاشْتِغَالِ أَهْلِ الاختصاص مِنْ عُلماء التَّاريخِ وعُلَماءِ السِّياسَةِ وعُلَمَاءِ القانون وعِلْمِ الاجتماع، مِثْلَمَا سَتُشَكِّلُ أيضا مَادَّةً لِتَأْويلاَتٍ وتَفْسيرَاتٍ إعْلامِيةٍ مُتَعَدِّدَة.
لكن، اسْمَحُوا لي في كَلمتي القصيرةِ هذه، أن أعبِّر أمامكم، عن اعْتزازي الكبير بِحُضور شخصياتٍ سِياسيةٍ مُحْترَمَةٍ، جَاءَتْ إِلَيْنا، هُنا، تَقْديرا لِلْمَغربِ والمَغارِبَة (فِي الدولة وفِي المُجتمع)، مِنْ قِيمَةِ صديقيِ الاشتراكي فيلليبي غُونزاليس، قائِد الانتقال الديمقراطِيِّ في جَارَتنا إسبانيا، وَمِنْ قِيمَةِ رَفيقي الْمَغَاربِيِّ الديبلوماسي الجزائري الأستاذ الأخضر الإبراهيمي، ومِنْ قِيمَةِ المُناضِل الحُقُوقي الْعَرَبي، صديقي المَصري الأستاذ محمد فايق.
كما أود أن أشكر، أيضا، باسمكم جميعا، الأستاذ إدريس جطو، على أيَادِيهِ البَيْضَاء لإنجاح هذه التَّظاهُرَةِ، مثلما أجُدِّدُ الشُّكْرَ لأخينا مُبارك بودرقة، على الْمَجْهُودِ الْكَبِير الذي بَذلَهُ حتى يَرَى هذا المَشْرُوعُ النُّور، بِحُلَّةٍ مُحْترمَةٍ وفي مُسْتَوىً لاَئِق. وأشكرُ كل الإخوة الذين كانُوا وَرَاءَ فِكرةِ تَنْظيم هذا الْحَفْلِ، بل واخْتيَارُهُم أن يَكُونَ ذلك يومَ ثَامِن مارس الذِّي يُصَادِفُ يَوْمَ مِيلادِي. وهُوَ التَّاريخُ الذِّي يُصادِفُ، كَما تَعْلمُونَ، الاحتفاء باليوم العالَمِي للمرأة. ولَسْتُ أشُكُّ أنَّكُمْ مُتَّفِقُونَ معي، ومُقْتَنِعُونَ مِثْلِي، أنَّ النِّساءَ والشَّبَابَ، هُمْ الطَّاقَةُ الكُبْرَى، التِّي سَتُحَقِّقُ التَّحَوُّلَ إيجَابِيًّا في مَسيرَةِ بَلَدٍ مِثْلَ بَلَدِنَا الْمَغْرِب.
إن رسالتي، في الختام، أُوَجِّهُهَا إلى الأجْيَالِ الجديدة بالمغرب، التي أُدْرِكُ جيدا مِقْدَارَ شَغَفِهَا بِتارِيخِ وَطَنِهَا، وأيضا مِقْدَارَ شَغَفِهَا بمُسْتَقْبَلِ بِلاَدِهَا. فأنا مُوقِنٌ أنَّهَا تَعْلَمُ جَيِّدًا أنَّ قُوَّةَ الأُمَمِ، قَدْ ظَلَّتْ دَوْمًا كامِنَةً في تَصَالُحِهَا مع مَاضِيهَا وحَاضِرِهَا، وَفِي حُسْنِ قِراءَتِهَا لذَلِكَ الماضي وذلك الحاضر، حتى يَسْهُلَ عليها بِنَاءُ المستقبل بِأَكْبَرِ قَدْرٍ مُمْكِنٍ مِنَ النجاح والتَّقَدُم. وُلاَ أُبَالِغُ إذا قلت، إنني على يقين أنَّهَا سَتُحْسِنُ صُنْعَ ذلِكَ المُسْتَقْبَل، ما دَامَتْ مُسَتَوْعِبَةً لِكُلِّ دُرُوسِ وَقِيمِ مَاضينَا وحاضِرنَا، قِيمُ الوطنية وَقِيمُ الوفاء وَقِيمُ الْبَذلِ وَالْعَطَاءِ، الْمُنْتَصِرَة للحوار بَدَلَ العُنْفِ، الْمُخْصِبَة للِتَّوَافُقِ بَدَلَ الاستبداد بِالرَّأْي.
شكرا لكم جميعا على تَشْريفِي بِحُضُورِكُم،
والسلام عليكم ورحمة لله تعالى وبركاته.