سبع سنوات كافية، في التقويم الدستوري لكي نرسم المسافة التي قطعناها منذ خطاب الملك التاريخي …
ولعل أول شيء يمكن أن يتفق عليه الفاعلون ، من مختلف حقول النشاط الوطني هو أن خطاب المناسبة ، أنقذ المغرب من استحالة سياسية كان المحيط برمته ، إقليميا وعربيا يعيشها، بل أفضت به الى حروب أهلية مواجهات عنيفة.…
وهي استحالة أبانت عن قدرة المؤسسة المركزية في الدولة، و عن أن الدولة نفسها لا تعدم القدرة على إيجاد الحلول السلمية لكل استعصاء سياسي كما عشناه في تلك الفترة.…
غير أن الذي يمكن أن نتفق عليه، كتفرع من هذا الجدع الكبير، هو »تبييء« فكرة الاصلاح الشامل والجذري، بكثير من المرونة والذكاء … بعد أن كان الفصل الأول فيها قد جاء مع نهاية العهد السابق، وبداية الاصلاحات في التسعينيات القرن الماضي، والشروع في تناوب توافقي لمزيد من الاصلاح..الذي غاب عن الأجندة الوطنية طيلة أربعة عقود تقريبا.…
والشيء الثالث الذي يعرف الكثير من الفاعلين أنه كان في حكم الوارد، هو أن هذا الإصلاح، الشامل والقوي، كان يملك قابلية تحققه قبل أحداث فبراير والربيع العربي بسنتين على الاقل، والدليل هنا هو الحس المنطقي الذي تحكم في توالي الاصلاحات..
فقد دخلت البلاد في دورة جديدة بالكامل، وبدأ الشعور العام يتلمس ضرورة ملء الفراغات التي تركتها الممارسة السياسية المبنية على دستور 1996، والذي دشن لعهد سياسي جديد، لكنه تأسيسي وفي بداياته الهشة…، وحصلت القناعة بضرورة إعادة النظر في طبيعة الحقل السياسي والممارسة السياسية ، على مستويات عديدة منها السلط الثلاث ومؤسسات الحكامة والجهوية.
وكان طبيعيا أن يتوج كل ذلك بمشروع شامل لإصلاح قوي ومتقدم.
لهذا كان ملك البلاد قد وضع الدولة والمجتمع في مجرى الإصلاح، بل وضعها في منطقه الجذري قبل مجيء الربيع العربي بسنتين.
وكانت القوى الفاعلة عادة في تقديم العرض الاصلاحي قد بادرت فعليا بهذا الاتجاه….
وبالعودة الى الخطاب الذي رسم ورسَّم الطريق الاصلاحية، سنجد أن ما تم إعلانه كأجندة إصلاحية ، كان واردا العمل فيه ، كما هو حال توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وإصلاح القضاء.
كما أن العودة الى تلك اللحطة الوطنية الكبيرة، تضع أمام أعيننا المتحكمات الرئيسة في هذا التحول الكبير في البلاد.
ولا بأس من التذكير بها، هنا، لكي نقيس فعليا ما حدث في ظرف سبع سنوات من التجديد والاصلاح والعمل المشترك، وما زال عالقا في حكم الغيب واللامحتمل….
فقد أعلن ملك البلاد عن أسس التحول الوطني من خلال قراره «إجراء تعديل دستوري شامل، يستند على سبعة مرتكزات أساسية:
*التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة؛
* ترسيخ دولة الحق والمؤسسات، وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية، وضمان ممارستها، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان، بكل أبعادها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية، والثقافية والبيئية، ولاسيما بدسترة التوصيات الوجيهة لهيأة الإنصاف والمصالحة، والالتزامات الدولية للمغرب؛
*الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري، توطيدا لسمو الدستور، ولسيادة القانون، والمساواة أمامه ؛
* توطيد مبدأ فصل السلط وتوازنها، وتعميق دمقرطة وتحديث المؤسسات وعقلنتها، من خلال:
برلمان نابع من انتخابات حرة ونزيهة، يتبوأ فيه مجلس النواب مكانة الصدارة، مع توسيع مجال القانون، وتخويله اختصاصات جديدة، كفيلة بنهوضه بمهامه التمثيلية والتشريعية والرقابية.
حكومة منتخبة بانبثاقها عن الإرادة الشعبية، المعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع، وتحظى بثقة أغلبية مجلس النواب ؛
تكريس تعيين الوزير الأول من الحزب السياسي، الذي تصدر انتخابات مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها ؛
تقوية مكانة الوزير الأول، كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية، يتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة والإدارة العمومية، وقيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي؛
دسترة مؤسسة مجلس الحكومة، وتوضيح اختصاصاته ؛
* تعزيز الآليات الدستورية لتأطير المواطنين، بتقوية دور الأحزاب السياسية، في نطاق تعددية حقيقية، وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية، والمجتمع المدني ؛
*تقوية آليات تخليق الحياة العامة، وربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة ؛
* دسترة هيئات الحكامة الجيدة، وحقوق الإنسان، وحماية الحريات«.
وسيكون من المنطقي أن تتحدد قراءة سبع سنوات من تنزيل الدستور الجديد بهذه الثوابت الواضحة على ضوء مدى تفعيل هذه الأسس، ومدى تجذرها في التربة السياسية الوطنية.…