نظمت كلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش، خلال الأسبوع الماضي، مؤتمرا دوليا في موضوع اللسانيات ولسانيات الترجمة في الوطن العربي، تكريما للأساتذة سعد مصلوح ومصطفى غلفان ومحمد الدرويش، وكان المؤتمر،بالفعل، مناسبة أكاديمية شارك فيها العديد من الأكاديميين والجامعيين والخبراء في اللسانيات من مختلف البلدان، وبقدر ما كانت ورشاته وجلساته العلمية قيمة وذات فائدة، خاصة بالنسبة للطلبة، بقدر ما كانت مناسبة للأطر الجامعية في هذه البلدان لتبادل الخبرات وتعميق النقاش في مجال حيوي مهم ومثير في نقاشه الأكاديمي،دوليا، كاللسانيات، لكن أقوى لحظات هذا المؤتمر هي لحظات تكريم أهرامات وقامات لها موقعها الأساسي في مجال اللسانيات، ومن ضمنها المناضل السياسي والنقابي الجامعي والأكاديمي محمد الدرويش الذي تميزت جلسة تكريمه بحضور وازن من جامعيين وأكاديميين وعمداء كليات وإعلاميين وطلبة…
لحظة كشفت لنا شخصية رجل وطني مناضل في شتى الواجهات، كجامعي أكاديمي وكنقابي وكرجل سياسة بامتياز..
لم نشعر بالملل رغم كثرة الشهادات وطولها، والتي أجمعت على أننا أمام رجل استثنائي من طينة الوطنيين ممن غرفوا من النضال الوطني وممن جعلوا من التعليم الجامعي قاطرة علمية تقود الوطن نحو المستقبل المشرق..
شهادات جعلتنا نكتشف الكثير من الأشياء في رجل قليل الكلام كثير العمل يعرف كيف يجمع بدل أن يفرق..
رجل يحظى بتقدير الخصوم قبل الأصدقاء، لما عرف عنه من صدق وجدية ووفاء للوطن قبل أي شيء، وما اتسم به من نكران للذات..
لو أردنا أن نورد كل شهادات التقدير والاعتراف التي أدلى بها زملاؤه ومعارفه من مختلف الأجيال لن تكفينا كل صفحات جريدتنا.. العميد مولاي الحسن أحبيط، الأستاذ مولاي احمد العلوي، المحلل السياسي والأستاذ الجامعي الدكتور الموساوي العجلاوي، الأستاذ محمد السيدي، الأستاذ عبد الجليل الأزدي، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي، رئيس جامعة القاضي عياض، الذي اعتذر لظروف عملية.. شهادات كل هؤلاء أعادت للحاضرين رسم شخصية رجل.. قدم خدمات جليلة للتعليم العالي وللجسم الجامعي من خلال قيادته للنقابة الوطنية للتعليم العالي وكمناضل في الواجهة السياسية…
شهادات تعبر عن إعجاب وتقدير حتى من أساتذته بل من مختلف الأجيال، وهو ما جعلنا بالفعل نكتشف الكثير من المزايا النضالية لهذا الرجل الاستثنائي المتشبع ببعد إنساني عميق جعل الإجماع حوله، إنه رجل له قدرة متميزة في إبداع التجميع ونبذ الصراعات..
جلسة التكريم التي نسق فقراتها الأستاذ مولاي يوسف الإدريسي والذي تفوق في أن يقرب الحاضرين من شخصية الرجل، وكذا من الشخصيات الوازنة التي تحدثت عن خصال ومناقب الرجل، جعلتنا كإعلاميين نزيد اقتناعا بأن الجامعة المغربية حين يقودها رجال من مدرسة النضال والإحساس بالعمق الوطني تستطيع أن تبصم أفقا مستقبليا لمغرب يروم التغيير..
وكانت أقوى لحظة في هذا التكريم هي الكلمة التي ألقاها الأستاذ محمد الدرويش الذي عبر في مستهلها عن سعادته،
مشيرا إلى أن في التكريم يكون دائما الصدق، والصدق ترجمة لتعبير داخلي لا يجوز فيه التصنع والمبالغة، وأضاف: «اكتشفت أنني من بين ثلاثة، أو أنا ثالث مكرمين أعمدة مشهود لهم بالعطاء: سعد مصلوح، الذي كنت أود أن ألتقي به والزميل الصديق الدكتور مصطفى غلفان الذي أكن له دائما تقديرا خاصا منذ سنوات الثمانينيات، لكن ما فاجأني هو شعار اللقاء «دفاعا عن لسانيات ملتزمة» فلم أفهم ما معنى اللسانيات الملتزمة، هل هناك لسانيات غير ملتزمة؟ لكنني اقتربت من الفهم حين ربطت أو أحسست بوجود علاقة بين الجانب المعرفي ومسار الاجتماع الجمعوي السياسي فقلت إذن المطلوب ألا أثقل أذانكم وأسماعكم بالمسارات اللسانيات في العالم بدءا من فرديناند دي سوسير ومرورا بجاكوستين وسووت ودجاكوبسون وغيرها من الأسماء، قلت مع نفسي المؤتمر ابتدأ من يوم الاثنين، إلى يوم الخميس فصعب علي أن أزيدكم ما استمعتم إليه، من البنية ومن علاقة اللسانيات وأنواعها، لسانيات الكلمة، لسانيات النص النحو العربي الى آخره… لذلك اخترت أن أكلمكم في أشياء أخرى ..›
وقال محمد الدرويش إن الفضل في مساره الجامعي يعود بالفعل إلى ثلاثة أشياء، كانت أساسا في صناعة شخصه، أولا أسرته الصغيرة، ثانيا الأستاذ مولاي أحمد العلوي، وهو على رأس جيل كامل مع كل أسف اليوم في الجامعة المغربية وقال الدرويش:
«لن أقول بدأنا نفتقد، هذا النوع- يقصد مولاي أحمد العلوي – لكنني أحس، وأنا أجمع بين كل هاته الأشياء، أننا نعيش في المغرب خصوصا وفي العالم العربي على وجه أخص ويمكن في العالم أننا نعيش مرحلة انتقالية تؤسس لتاريخ جديد للبشرية، وهذا أساسه هو ما يسمى بعالم العولمة أوالمعرفة أو اقتصاد المعرفة أو الرقمية او ما شئتم من الأسماء، اليوم ابتدأت أخلاق جديدة قد نسميها بمنطق معين أننا نعيش أزمة قيم في المجتمع، وقد لا نتفق مع أزمة قيم بل نقول إن جيلا وأجيالا متعددة بالخصوص التي أسست للجامعة المغربية ، وسرني أنني وجدت في مبادرة الزملاء الأعزاء أن كل الاجيال في الجامعة المغربية ممثلة في الشهادات، وكم سررت لأن مولاي يوسف الادريسي أخذ المبادرة ودخل بها إلى الطريق السيار ولم أستطع أن أوقفه، وعلمت أنه اتصل بعدة أسماء أحيانا هم من يخبرونني وأحيانا قد يخبرني خطأ أنه كان لا يعطيني كل شيء، وهذه هي قواعد التكريم، إذ تكون فيه المفاجآت».
وأضاف محمد الدرويش في هذا الصدد:
«أن يقبل لحسن الداودي،وزير الحكامة، بالمجيء لإلقاء شهادة ويعطي الموافقة فهذه أخلاق أعتبرها عالية، لأن ما قلته في لحسن الداودي منتقدا إياه على الهواء مباشرة عند شخص أخر قد يجعلني العدو رقم واحد في علاقاته. هذه المفاجأة الأولى، أما المفاجأة الثانية فقد كانت سارة أكثر من الأولى وهي أن يصادف تنظيم المؤتمر وجود مولاي احمد العلوي في المغرب لأنه اليوم يقيم في كندا.
الأمر الثالث هو أن يكون بيننا العميد الأستاذ حسن أحبيط، الأخ والزميل الذي أجدد التعازي الشخصية في وفاة والده مولاي عبد الرحمان رحمة الله عليه، سافر لمدة أسبوع ويعود الليلة، والأمر كذلك بالنسبة للأخ العزيز السي عبد الرحيم بن علي، عميد الكلية والسي عبد الكريم مادون، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي، الذي أقر أمامكم أنه بالفعل ورث عني ملفا ثقيلا وليس سهلا، لكن مع كل الأسف قد تكون الظروف العامة لم تساعد النقابة الوطنية للتعليم العالي اليوم في تحقيق كل ما نتمناه لأسرة التعليم العالي، لم أنس أن أذكر الأخ الزميل والصديق العزيز الموساوي العجلاوي، الذي أكن له، كما قال مدة ثلاثين سنة، تقديرا خاصا لأنه رجل بأخلاق عالية، وسيأتي اليوم الذي سأقول فيه ما قاله مالك في الخمر ليس ما لم يقله «.
ثم تحدث عن أستاذه محمد السيدي واعتبره واحدا من الجيل الذي تحدث عن بعضهم وقال:
«درست عنده سنة 1983 مادة الصوتيات وكان شابا، وبالمناسبة لما حصلت على شهادة الباكالوريا، لتعرفوا أن مسار الإنسان لا يحدده بنفسه كما يشاء وإنما هناك برنامج سموه كما شئتم، الإنسان برنامج ينفذ من ولادته إلى وفاته، أنا كنت أرغب في الحقوق ولم أكن أفكر أبدا في الآداب وذهبت لمدة ثلاثة أشهر لأدرس عند مولاي عبد الرحمان القادري،رحمه لله، وفي تلك السنة وجدت أن هناك كثرة الكتب فقلت يجب أن أتوجه إلى الفلسفة، حاولت التسجيل في الفلسفة فقالوا لم تعد هناك فلسفة، الحكومة المغربية آنذاك، لا سامحها لله، كانت قد ألغت الفلسفة، ويمكن أنها ضيعت الكثير في تاريخ المعرفة، بعد ذلك سجلت في الآداب العربي، السنة الأولى والثانية. وعلاقتي باللسانيات مع شخصين اثنين قبل مولاي أحمد العلوي، محمد السيدي ومحمد الشكيري، الأمر الذي أثر في أن اختار اللسانيات، لأن السيدي والشكيري كنت صديقا لهما، وهما من قرّباني إليهما وليس أنا من تقرب إليهما، لعدة اعتبارات حدثكم عنها الأستاذ محمد السيدي…».
وقال محمد درويش إن العالم كله لعب في التسمية، وبالنسبة له اليوم فقد اقتنع بأن ما يسمى باللسانيات المعاصرة أو غير المعاصرة كلها وسائل للدول المتقدمة من أجل التحكم في العالم كله، والتفريق الذي نراه اليوم في المعاهد والكليات والشعب هو تفريق بيداغوجي، اللسانيات الأمريكية عند نومان شومسكي تدرس عند الإيم أيتي والإيم أيتي تموله المؤسسة العسكرية، لذلك حتى ترون حجم وقدر الأموال التي تصرفها الولايات المتحدة الأمريكية مثلا، لضبط الشعوب، وما نلاحظه اليوم من واقع لعبت فيه اللسانيات دورا، وعلم الاجتماع لعب دورا، وكذا البعثات الأمريكية إذ استقبلنا كلنا أمريكيا أو أمريكية في جبل أو في مدينة أو قرية، كانوا يدعون أنهم سياح ولكن وظيفتهم في الحقيقة كانت هي إعداد تقارير عن المجتمع من الداخل، لذلك نجحت خطتهم اليوم وتحكموا في العالم، ما قامت به عدة بعثات في كل دول العالم، هذه مجرد إشارة فقط ليس إلا…».
وبعد أن تحدث عن أستاذه مولاي أحمد العلوي، الذي اعتبره أبا حقيقيا له، قال عن تأخره في مناقشة دكتوراه الدولة:» لا يمكن أن أقدم عملا قد يُساء له ويسيء للكثير من أساتذتي، وحصل أنني آخر الطلبة ممن ناقشوا دكتوراه الدولة وكان هذا في السنة الماضية، يعني كلما اقتربت من أساتذتي دائما، كلما تعقد عندي الدور في علاقتي بهم، وهذا ما جعلني أنني كنت قريبا جدا من مولاي أحمد العلوي، قريبا من مولاي أحمد المتوكل، وقريبا من مولاي أحمد الإدريسي..›
وبعدما أشار بحميمية وصدق إلى الكثير من الأشياء في مساره قال إن مبادرة التكريم هاته تتزامن مع إعلان الأجهزة الوطنية في النقابة الوطنية للتعليم العالي، عن تاريخ مؤتمرها الحادي عشر، وهي لحظة تزيده اعتزازا وتشعره بفخر الانتماء..
ودعا الأساتذة الباحثين إلى الوحدة النقابية، كما ظلت موحدة لأجيال متعددة منذ 1959 ..
كما عبر الأستاذ محمد الدرويش عن فخره واعتزازه حين يقام حفل تكريمه ضمن مؤتمر دولي للسانيات تشارك في أشغاله ثلة محترمة مناضلة عالمة حريصة على أمانة الأستاذية والوطنية وقال:» إن لحظات التكريم هاته التفاتة كريمة ومبادرة طيبة، تبعث على الاعتزاز والتقدير، وتعد مصدر قوة لمزيد من العطاء وبذل كل الجهود خدمة لأسرة التعليم العالي بل إنها لحظة تزيدني اعتزازا وفخرا للانتماء للجسم الجامعي، كيف لا وقد كانت هذه اللحظة وأخرى قبلها لحظة تجسيد أواصر المحبة وتعميق وتوثيق العلاقات الإنسانية، وهي التي نعدكم أننا سنعمقها بين أفراد الأسرة في إطار جمعية الخدمات الاجتماعية للتعليم العالي ..».
مراكش: محمد المبارك البومسهولي
الجمعة 09 مارس 2018./ 21 جمادى الثانية 1439.هج