يبدو البلاغ الذي صدر عن وزارة الخارجية والتعاون الدولي، بخصوص اللقاء المبرمج الثلاثاء في لشبونة، بلاغا إخباريا، في ظاهره، كما يعطي الانطباع بأنه بلاغ لا يختلف، من حيث اقتضابه وتركيزه، عن البلاغات التي تخبرنا بأحداث لا تبدو استثنائية.
والحال أنه بلاغ ثقيل للغاية ومفعم بالدلالات.
فهو يضع الإطار الدقيق لطبيعة اللقاء من حيث،
1 – أنه جاء بطلب من مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الألماني هورست كوهلر.
2 – أنه جاء في إطار التعاون مع الأمم المتحدة، مع التشديد على أن هذا التعاون له مظلة معروفة وهي الوصول إلى حل سياسي نهائي..
3 – أنه جاء تحت مظلة أوسع هي مظلة الثوابت الوطنية كما أكدها خطاب 6 نونبر بمناسبة المسيرة لسنة 2017..
وهذه التأكيدات تحيل، إن لم نقل تحبل بمنظومة كاملة لقراءة اللقاء الحالي…:
أولا من حيث الثوابت التي أكدها خطاب المسيرة.
– أنها تنص على أنه: لا لأي حل خارج السيادة الترابية والوطنية للمغرب على صحرائه.
– اتخاذ العبر والدروس والتأكيد على أن الجميع مع الحل السياسي لكن المسارات التي توصل إليه غير سليمة.
وهنا لا يمكن أن نغفل هذا التذكير من خلال البلاغ، في سياق يبدو عاديا.
فالمسارات التي عرفتها القضية إلى حد الساعة، كان أبرزها مسار مانهاست. والذي عرف لقاءات ومفاوضات مع الانفصاليين، لكنها لم تفض لنتيجة.
واليوم هناك حديث محدد تريده الجزائر ورديفها الانفصالي أن يشكل عنوان اللقاءات الحالية من خلال التوهيم بوجود مفاوضات. لهذا أراد المغرب من خلال عدم الحضور في برلين، التوجيه الإرادي لرسالة مفادها أنه «لا لتكرار تجربة منهاست.»…
لهذا تغير المكان وتغير الزمان في لقاء المغرب بالمبعوث الشخصي للسيد غرتيريس.
وهناك رمزية أخرى قد لا تكون مقصودة، لكن اللقاءات مع موريتانيا والجزائر تمت في برلين الألمانية، بلاد المبعوث الخاص، ولشبونة البرتغالية، بلاد الأمين العام غوتيريس احتضنت اللقاء مع المغرب .. والحال أن المبعوث ما هو إلا مساعد في الملف، الذي يعتبر الأمين العام مخاطبا فيه لدى مجلس الأمن..
-الرفض لأية إعادة نضطر في المرجعيات الثابتة للحل والعمل عليه، وتثبيت دور مجلس الأمن باعتباره الوحيد الذي يتملك القضية.
وهنا أيضا إشارة كبرى إلى محاولات السيد كوهلر، والتي تسببت في احتقان بارد مع المغرب، عندما حاول إدماج الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي معا في التداول حول الحل.
وهو ما يعني إضافة منصتين إلى مناورات الخصوم، لاسيما وقد عرفت المرحلة التي نودعها رهانات قوة، كان الاتحادان بؤرتها.
ولعل الحكم الأخير لمحكمة الاتحاد الأوروبي كفيل بأن يضعنا في صورة ما قد يتوجس منه المغرب عن صواب، من أن يكون «تعدد» المتدخلين، فرصة لتعدد الضغوط عليه، إضافة إلى إخراج الملف من الهيئة التي بدأها منذ عدة عقود إلى هيئات تتغير حسب التوازنات السياسية والأغلبيات والمكونات فيها..
في الإحالة على الثوابت الوطنية رسالة مضمنة إلى أنه لا يمكن للمغرب أن «يأتي» بجديد! لأن الجديد عنده مطروح من خلال الحكم الذاتي والذي يعد العرض السياسي والترابي الوحيد اليوم خارج اسطوانة الاستفتاء المنتهية صلاحيتها.
ومعنى ذلك أن المغرب في هذا اللقاء سيكون في انتظار ما يقدمه المبعوث الشخصي، وهي فرصة للاطلاع على مبادرات السيد كوهلر في تنزيل خطته للحل السياسي الذي تحدث عنه الأمين العام نفسه في تقرير أمام مجلس الأمن..لا يمكن فصل اللقاء الحالي أيضا عن المستقبل القريب، والمتعلق بموعد أبريل من كل سنة، وهو الموعد الأممي الذي يكون فيه الأمين العام مطالبا بتقديم تقرير حول الصحراء إلى مجلس الأمن وتتفرع عنه قرارات مصدرها مجلس الأمن. وهنا لا يمكن أن نغفل أن اللقاء يأتي تحت ضغط زمني مفهوم، يكون فيه المبعوث الأممي مطالبا بتقديم عناصر جديدة في ملف ما زال قديمه لم يحسم بعد!..