موقف البعض من المرأة متعارض مع جوهر الدين والإنساتية ..* بقلم مصطفى المتوكل الساحلي
قال تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً )سورة الإسراء.
إن إعمار الأرض وبناء العدل فيها مسؤولية الإنسان كل حسب طاقته وقدرته وموقعه , فالمرأة والرجل سواء في التكاليف والمهام والواجبات ..وهم شقائق في الأحكام الوضعية والشرعية ..
وفي علاقة بموضوع المرأة والرجل خارج التوجه العادل والمنطقي والحقوقي شرعا وعقلا .. نجد توجهين متناقضين غير صالحين إنسانيا وأخلاقيا وديموقراطيا …..
..الأول يعتبر المرأة عورة وأنها إبليسية النفس , وأنها ما خلقت إلا لتخذم الرجل , وأن مكانها الحجز داخل البيت , وأنها كالمتاع و لارأي لها ولا إرادة أمام الرجل …
..الثاني يراها سلعة استهلاكية نفعية وبضاعة استعراضية لاتكون كما تريد هي , بل كما يريد المنسلخون عن كل القيم الإنسانية والأخلاقية …
ويقال للطرفين المتناقضين أنه لا إكراه في الإيمان والإختيار و الدين.. ولا إجبار في الولاية والوصاية ..ولا إلزام في التوجهات والعواطف والميولات ..ولا سلب ولا تعطيل لإرادة الإنسان لتوافق رغبة ومبتغى الآخر سواء كان رجلا أو امراة ..
إن العلاقات التي تجتمع وتؤطر بين الناس تخضع كل عناوينها وأنواعها وتفاصيلها لنفس المعايير ..فالعدل والحرية والكرامة والتعاون والإحترام والعمل والتفكير والتقرير حق عيني واجب على الجميع ومن حق الجميع وليس كفائيا إذا قام به أو تطفل أو تسلط عليه البعض سقط عن الآخرين …
إن النصوص الجامعة والمنظمة والمؤطرة للإنسان وعلاقاته وحقوقه وواجباته ومسؤولياته واحدة , فالرجل والمرأة مستأمنان على رعاية وإدارة كل شؤون الأسرة , وماموران بالتشاور في كل قضايا البيت والأبناء , ومطالبان بالتعاون على البر والتقوى الذي من أهدافه الحرص على سعادة الوطن والمجتمع والافراد , وأنه لاتمييز ولا تفاضل ولا تبخيس في الحقوق , ولا تقصير في الواجبات , ولا إكراه في الرأي والمعاملات , وأن المعاشرة بين الرجل والمرأة في الإجمال , وبينهما كزوجين يجب أن تكون بالمعروف مشبعة بالعدل والاحسان في كل شيئ.
إن آراء العلماء وما خلصت إليه بعض المذاهب في فهمها واسنتاجاتها ليس ملزما وإنما يستأنس به إما للإقتداء بأفضلها وأصلحها , أو عدم اعتمادها وترك الأخذ بها , بل وحتى ضرورة منع بعضها من الإنتشار لخطورة النتائج المترتبة عليه والتي تتعارض مع روح الدين والعقل وسلامة الوحدة داخل الأسرة والمجتمع , وقد تقتضي المصلحة ترك كل الآراء والاجتهادات والبحث للوصول إلى رأي ومذهب معاصر أفضل في مسألة أو موضوع أو مجال ما ولو خالف كل آراء وتفاسير مذاهب دون تعارض مع جوهر الكتاب والسنة الصحيحة ..
إن الله لايكلف نفسا إلا وسعها وطاقتها وقدراتها التي تختلف من شخص إلى آخر , ومن بيئة إلى أخرى , ولا يمكن القبول بأن يتعسف أي كان ومن أي موقع على غيره ليلزمه بما يراه ويهواه ويميل إليه , ومنطلق اليسر وعدم التشدد في التكليف النواة الأساسية بالمجتمع الأسرة التي من الخير أن تبنى على التوافق واحترام الإختلاف ومراعاة التآلف والتعاضد بدل أن تصبح “مؤسسة” ديكتاتورية بين الزوج وزوجته ويعكسان سلوكهما على الأبناء لتمتد آثاره إلى الشارع والمجتمع والمؤسسات الأكبر فتتعطل قاعدة “لاضرر ولاضرار” و” أمرهم شورى بينهم” …
وهنا لابد أن نشير إلى أن المذاهب الإسلامية المعروفة ترى أنه ليس على الزوجة القيام بما يطلق عليه الواجبات المنزلية من طبخ وكنس وتنظيف و..الخ ..إلا إن تطوعت هي للقيام بذلك , أو إن كان الزوج معسرا ويتعذر عليه أن يستأجر من يقوم بأشغال البيت ..
وكذلك ممتلكات وأموال المرأة ليس عليها ان تنفقها على بيت الزوجية ولا تلزم إلا إن أرادت ذلك ولو كانت غنية والرجل دخله محدود , كما أن من حقها الإتجار والعمل وإدارة الأعمال ..
إن إسقاط وضعية المجتمعات المتخلفة بمعتقداتها وعاداتها بشبه الجزيرة العربية وخارجها والتي وجد عليها الإسلام تلك المناطق والتي ترسخت في ثقافات مختلفة بما في ذلك موقفهم السلبي من المرأة ليس من الحق ولا الإسلام في شيئ …
إنه لولا عمل المرأة وكدها وتضحياتها وقدرتها على التحمل وتحدي الصعاب داخل البيت رعاية وتربية وتنشئة – عبر التاريخ وإلى يومنا هذا – و خارجه في الفلاحة والزراعة والرعي و في مختلف المجالات الإنتاجية وفي الوظائف وحتى في الحروب لأفلس الناس والعالم , ولتشردت أسر كثيرة , ولضاع أكثر من ثلث المجتمعات حيث العديد من الرجال لاحول لهم ولاقوة ولا قدرة على العمل ولا العطاء لعجز أو مرض أوفشل أو جبن أو جهل , بما في ذلك مسؤولية الرعاية وتربية الأبناء , وحسن تدبير أمور البيت المالية والإقتصادية , والغريب في الأمر أن البعض من الناس لولا المرأة / الأم لأصبح عالة على نفسه وعلى الناس , ما إن يخالط الغير من الذين يحتقرون النساء حتى يتحول إلى متشدد لايهنأ باله إلا بتحويل البيت إلى منفى ومعتقل يخضع لمزاجه ينفذ فيه تعسفه وتحقيره وتسلطه على أخواته وأهل الدار , ويضاعف إجراءات التضييق عندما يتزوج ..وهو لايستطيع فهم المقصود بالأمهات في الحديث الشريف “” الجنة تحت أقدام الأمهات ” .” ومعنى حديث : ( خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي )
إن هذه الجنة التي تحت أقدام الأمهات , وإن أفضليتهن في البرور والوفاء على الآباء يوضح بعض تجلياتها الحديث المروي عن أبي هريرة – (ض) قال: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ : أُمُّكَ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ : أُمُّكَ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ : أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ : ثُمَّ أَبُوكَ »(أخرجه الشيخان) ..
إن مكانة المرأة / الأم في الإسلام لايمكن أن تكون عبثا أو مجرد كلام للإستهلاك , فمكانتهن عند الله متميزة وهذا ما يتجاهله البعض من المشايخ فيسعون إلى تبخيس مكانتها , وإلى تقديمها في بعض كلامهم في المساجد وبالفضائيات وكأنها دون الرجل وليست من طينته , وليس لها من الحياة إلا أن تكون تابعة وخاذمة ومطيعة , بل ويتطاول بعضهم ليحولها إلى موضوع للإستهزاء والتحقير والفرجة , ؟! وعندما يخرجون عن القاعدة في الوقت الذي يتحدثون عن المرأة الأم يقدمون خطابا متناقضا يقبل يد ورجل والدته ويطيعها وفق ما يقول ويدعي , وفي خطب أخرى يحط من قيمة زوجته أم أبنائه أدرك ذلك أم لا , ويسيئ لأمهات الآخرين واللواتي هن بنات وخالات وعمات وأخوات ونساء أخريات لهن ما للرجال وعليهن ما عليهم …
قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) سورة الحجرات.
تارودانت :الخميس 08 مارس 2018./20 جمادى الثانية 1439. هج