.
عرفت الإمبريالية الأمريكية طريقها وفق التأويل الخاطئ لمبدأ “مونرو”،من قبل أسلافه،هذا التأويل الذي نقل أمريكا من قوة إقليمية منعزلة إلى قوة إمبريالية متغطرسة.
(جيمس مونرو) الرئيس الأمريكي الخامس، حينما أصدر بيانه في رسالة إلى الكونغرس يوم 2دجنبر سنة 1823,دعا إلى استقلالية كل دول نصف الكرة الغربية من الاستعمار الأوروبي، وعدم التدخل في مصير ومقدرات شعوب الأمريكيتين.
وفقا لهذا المبدأ لن تسمح واشنطن بمستعمرات أوروبية جديدة أو التوسع بحدود المستعمرات القائمة. فقهد هدف الرئيس مونرو إلى الرد على مخرجات مرتمر فيينا سنة 1815,الذي أشار إلى إحياء الملكية النمساوية على أراضي أمريكا اللاتينية.أي أن مبدأ مونرو في الأساس كان مبدأ دفاعيا في مواجهة الحلف المقدس لمؤتمر فيينا.
وقد نادى بأن تكون أمريكا للامريكيين ،وأوروبا للأوروبيين.وبالتالي لم يكن مبدأ مونرو بحال من الأحوال يحمل أي أهداف توسعية بل كان مضمونا دفاعيا.
في هذا الوقت كان العديد من بلدان أمريكا الحنوبية على وشك الإستقلال عن إسبانيا. ففي سنة 1821 كانت الارجنتين و الشيلي حصلتا على استقلالهما،وتبعهما في السنة التالية ،كل من البيرو ،كولومبيا،والمكسيك،كما أعلنت البرازيل في نفس السنة استقلالها عن البرتغال،بينما ظلت كوبا على ولائها لاسبانيا.وخشيت أمريكا من مطامع فرنسا،وروسيا،واسبانيا،في العودة الى مستعمراتهم القديمة.
بنهاية القرن التاسع عشر ؛دخلت حركات التمرد داخل كوبا في مواجهات مسلحة ضد إسبانيا للحصول على الإستقلال. ومع تفجير البارجة الأمريكية في أبريل 1898،بعد ايام قليلة من وصول ميناء هافانا بغرض حماية الأمريكيين داخل الجزيرة.
اندلعت الحرب الأمريكية الإسبانية في ابريل 1898، بموجب قرار من الكونغرس الأمريكي دعا الى التدخل العسكري،وامتثل للقرار الرئيس الامريكي ويليام مكينلي.
الشعب  الكوبي تخلص من الإستعمار من الإسباني ليقع تحت وصاية مستعمر جديد،إذ منحت الولايات المتحدة الشعب الكوبي استقلاله،وتم الإعلان عن تأسيس جمهورية كوبا في ظل دستور يمنح الحق للولايات المتحدة التدخل في الشؤون الكوبية،والإشراف على شؤونها المالية وعلاقاتها الخارجية.
كما إستأجرت أمريكا قاعدة خليج كوانتانامو البحرية من الرئيس الكوبي الموالي للبيت الأبيض.والذي تحول بمرور الوقت إلى معسكرات لتدريب الجماعات الإرهابية تحت مسمى  معتقلات كوانتانامو،ومن ثم الزج بهم في أتون الحرب في ليبيا وسوريا و اليمن والعراق.
فقدت إسبانيا مستعمراتها في المحيط الهادئ لصالح أمريكا،التي تحولت من قوة إقليمية إلى قوة عالمية امتدت بعيدا إلى المحيط الهادئ وإلى ما وراء هاواي والفيليبين،حينما طالب الرئيس الأمريكي المنتصر ويليام مكينلي  بضم جزر الفلبيين على بحر الصين الجنوبي،وجزر هاواي المنعزلة شمال المحيط الهادئ،لتصبح خاضعة للولايات المتحدة الأمريكية.
ورغم إقرار نائب الرئيس الأمريكي(روزفلت) الذي تولى مهام منصبه كرئيس للولايات المتحدة على إثر إغتيال مكينلي سنة 1901,بحق الأوروبيين في التدخل لحماية مواطينيهم في أمريكا الوسطى والجنوبية و جمع الضرائب المستحقة. فإن روزفلت أوجد بعدا جديدا لمبدأ مونرو ،حينما قرر منع هذا التدخل المبرر من قبل أوروبا،بالتدخل العسكري نفسه.
وتحت سياسة العصا الغليظة،أرسلت أمريكا جيوشها إلى جمهورية الدومينيكان سنة 1905، ونيكاراجوا سنة1912.
ومع وصول الرئيس الأمريكي وودرو ويسلون إلى البيت الأبيض سنة 1913،إحتلت أمريكا هايتي سنة1915,وبذلك تمكنت من السيطرة على بحر الكريبي.
بافتتاح أمريكا قناة بانما المطلة أيضا على البحر الكاريبي سنة1914،والتي ربطت شمال المحيط الأطلسي بجنوب المحيط الهادئ،كانت قد عززت أمريكا من وضعها كحارس أوحد على أمن نصف الكرة الغربية وفق نظرية السيطرة على البحار للجغرافي البريطاني (السير هالفورد ماكيندر) بعد ان سيطرت على حقوق إدارة القناة،والمنطقة البحرية الشاسعة المحيطة بها.
عمدت السياسية الخارجية الأمريكية-خلال فترتي إدارة الرئيس  الأمريكي هربرت هوفر(1929-1933)ومن بعده فرانكلين روزفلت (1933-1945)تطبيق  سياسة حسن الجوار.
إذ سحبت أمريكا قواتها تدريجيا من الدول الصغيرة التي احتلتها،وتنازلت عن امتيازاتها الخاصة التي تحصلت عليها
،بعد أن نجحت في تأمين سلسلة من الاتفاقيات التجارية ضمنت لها السيطرة عن بعد على هذه الدول.
بنشوب الحرب العالمية الاولى ،اصبحت القوة الاقتصادية المتنامية لأمريكا تمثل 33% من الدخل القومي السنوي العالمي،وأصبحت مؤهلة لتحل مكان بريطانيا كأكبر قوة صناعية بعد أن فقدت دول اوروبا خلال هذه الحرب قوتها السياسية والاقتصادية والثقافية ،وبدت غير قادرة على حسم المعركة إلا بتدخل قوى أخرى صاعدة غير أوروبية وهي أمريكا.لتصبح الدول الأوروبية الذراع السياسي لامريكا لسيطرة على رقعة الاوراسيا.
ولكن كيف تحولت أمريكا من قوة عسكرية متواضعة الى قوة عسكرية ضخمة شاركت في السنة الاخيرة للحرب العالمية الأولى  لتجني ثمار النصر منفردة؟ وكيف أصبحت قوة  اقتصادية  هائلة  تمثل أكثر من ثلث الدخل القومي للعالم؟
ساجيبكم على هذين السؤالين في مقال لاحق.
الاحد 18 فبراير 2018./ 02 جمادى الثانية 1439. هج

‫شاهد أيضًا‬

الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس يناقض أفكاره الخاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث غزة * آصف بيات

(*) المقال منقول عن : مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية ألقى أحد الفلاسفة الأكثر…