ألقى الرئيس الأمريكي «أيزنهاور» خطابًا شهيرًا في نهاية ولايته أنذر فيه مواطنيه، بأنه ترك فيهم جماعة ضغط عسكرية صناعية قوية جدًا، تستطيع الانقلاب على الديمقراطية الأمريكية فى أي وقت. هكذا قال أيزنهاور وبالتأكيد هذا المجمع ليس بمنأى عن المنظمات السرية التي تحدثنا عنها فى الحلقات السابقة (مجلس العلاقات الخارجية–البيلدربيرغ–الهيئة الثلاثية).
ولأن جون كينيدي لم يكن عضوا فى هذه المنظمات، وقد أزعج الجمهوري ريتشارد نيكسون نائب الرئيس أيزنهاور كثيرًا في انتخابات 1960، فقد جاء أعضاء قمة الهيئة الاستشارية لحملة كينيدي مثلما العديد من أعضاء حملة دونالد ترامب من المنظمات الثلاث لبيت روتشيلد ومورجان وروكفلور. قال عنهم جون كينيث مستشاركينيدي الخاص: إن الذين كانوا معنا فى حملة انتخابات كينيدي قد تم قبولهم في الحكومة لهذا السبب، وكان لهم قول مسموع، وإن السياسة الخارجية لا تزال فى يد مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية.
هذا الفيض الوافر من أعضاء المجلس في حكومة كينيدى لفت انتباه الرئيس كينيدي سريعًا الذي أبدى ملاحظته قائلًا:
أرغب في الحصول على وجوه جديدة هنا، ولكن كل ما أحصل عليه هي ذات الوجوه القديمة.
سنة 1961 رفض كينيدي دعم عملية الإنزال بالطيران الجوي في جزيرة الخنازير للخلاص من فيدل كاستروا الذي قام بثورة على نظام حكم العميل الأمريكي فولجنسيو باتيستا، وتمكن من إسقاطه وطرد شركات بارونات المال، ستاندرد اويل ـ شيراتون ـ هيلتون ـ جنرال إليكتريك، التي كانت تسيطر على ثروات كوبا. عملية الإنزال البحري هذه خُطط لها دون علم كينيدي، وهو ما دفعه بعزل آلان داليس مدير CIA، ومساعده تشارلزكابل.
هنا بدأت تحذيرات أيزنهاور تظهر ملامحها حينما بدأت جماعات اللوبي المالي والعسكري بالضغط على الرئيس الأمريكي، وتدخل الجنرال ليمنيتز رئيس هيئة الأركان المشتركة بعرض خطة «الغابات الشمالية» على الرئيس كينيدي في 13 مارس 1962 والتي ستمنح الذريعة لأمريكا وتقدم الحُجة للمجتمع الدولي بالتدخل العسكري الأمريكي في كوبا. رفض كينيدي الخطة وقام بإقالة ليمنيتزر من منصبه، وتم تعيينه قائدًا لقيادة القوات الأمريكية في أوروبا.
سرعان ما تبين إن كينيدي على عكس أسلافه يرفض الخضوع لحكم المنظمات السرية الثلاث، فقد كشف كينيدي عن عداوته لعمالقة التجارة ربيع 1962، حين أجبر شركات الفولاذ على إلغاء زيادة الأسعار نتيجة لعدم التزامها بالاتفاقية التي تنص على عدم زيادة الأسعار، إلا في مقابل امتيازات عُمالية أي زيادة الأجور، وأمر أخاه روبيرت كينيدي النائب العام بفتح تحقيق موسع لتثبيت الأسعار، وهدد بإلغاء عقود شركات الفولاذ مع وزارة الدفاع.
أعضاء مجلس إدارة الشركة التى يسيطر عليها مورجان كانوا هم أعضاء مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية
ازدادت مراقبة الرئيس كينيدي لمجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي، ودفع وزير المالية جيمس ساكسون لتشجيع استثمارات أوسع مع مصارف من خارج مصارف الاحتياطي الفيدرالي، التي يهمين عليها بيوت البارونات وشرع في دعم ضمانات هذه المصارف لالتزامات أمريكا لإضعاف هيمنة الاحتياطى الفيدرالي.
يونيو 1963 اتخذ كينيدي الإجراء المؤلم ضد الاحتياطي الفيدرالي، حينما أصدر أوامره بطبع مبلغ 20 مليار دولار من الخزانة الأمريكية وليس عبر الاحتياطي الفيدرالي، الذي احتكر صك العملة في مخالفة للدستور الأمريكي، الذي منح الكونجرس فقط حق صك العملة. هدف كينيدي من هذه الخطوة تقليل الدين القومي المرتفع الذي كبل أمريكا بقيود الاحتياطي الفيدرالي من خلال الفوائد المدفوعة على أصل الدين الذي تقترضه الحكومة من مصرف الاحتياطي الفيدرالي.
وفي خطوة لتسوية مشاكل أمريكا الاقتصادية قام كينيدي بمجموعة من الإصلاحات عَمَّقَتْ من عداوة شارع المال )الوول ستريت(. تمحورت حول فرض ضرائب وتشجيع استثمارات وإلغاء الامتيازات الضريبية، وكلها خطوات أتت ضد مصالح شركات روتشيلد ومورجان وروكفلر، وهي شبيهة بالإصلاحات الاقتصادية التي أعلن عنها دونالد ترامب أثناء حملته الرئاسية منذ اسابيع.
بعد مضي 5 أشهر وفي 22 نوفمبر 1963 تم اغتيال الرئيس كينيدي بعد أن سعى في سياسته الخارجية لإظهار عداوته للسيطرة الاستعمارية الأمريكية على الحياة المالية والسياسية لدول أخرى مثل كوبا وفيتنام، ورفض التورط فى أي عمل عسكرى بري لأمريكا خارج حدودها، وبدا أكثر ارتيابًا في تقارير وكالات الاستخبارات الأمريكية، وهي نفس أفكار ترامب المعلنة.
قُتل كينيدي بعد أن عَمُّقَ هُوَيَّة الخلاف مع بارونات المال وإضعاف سيطرة الاحتياطى الفيدرالي على الاقتصاد الأمريكي.
دونالد جيبسون البروفيسور بجامعة بيتسبرج قال في كتابه الصادر سنة 1994 بعنوان: «مقارعة وول ستريت- رئاسة كينيدي»: إن رفض المؤسسة لكينيدي أصبح كثيفًا بشكل متزايد خلال فترة إدارته. وبشكل متزايد اقترب دارسو اغتيال كينيدي للاعتقاد بأن معارضته لبرنامج بارونات المال ربما تكون قد لعبت دورا مهمًا فى لغز اغتياله
في نفس العام أقر الكاتب إيه جيه ويبرمان : بأن زوجة القاتل المتهم «لي هارفي اوزوولد» ذكرت ان الجواب على اغتيال كينيدى هو بنك الاحتياطى الفيدرالي، وانه من الخطأ أن تضعوا اللوم على مسؤل المخابرات )CIA( جيمس آنجلتون، فالمخابرات هي أصبع واحد من ذات يد–الناس الذين يقدمون المال هم فوق CIA.
الرئيس دونالد ترامب وفق أنماط سياساته الخارجية المستقبلية ووفقًا لخطة الإصلاح الاقتصادي المعلنة من قبل حملته الرئاسية فالعالم اليوم أمام عملية استنساخ لأفكار كينيدي بصورة شبه متطابقة، وكلاهما لم يكونا عضوا في المنظمات الثلاث السرية لبارونات المال، ولكن ضمت حملتهم الانتخابية مستشارين وثيقي الصلة بهذه المنظمات.
حينما قدم ترامب أوراق اعتمادة مرشحًا للحزب الجمهوري، اعتقد بارونات المال أنه سيفسح الطريق لوصول هيلاري كلينتون عضو مجلس العلاقات الخارجية إلى البيت الأبيض وحينما فوجئ الجميع بصعود ترامب بدأت حملات التشكيك والتزييف التي فشلت فى تغيير المزاج العام للناخب الأمريكي الذي التقط الخيط من جملة ترامب «لقد حان الوقت للخلاص من العائلة الأمريكية الواحدة التي تحكمنا منذ عقود مضت» ليقوم بزعزعة وليمة المال العالمي.
وحينما نجح ترامب ظهرت ملصقات جورج سوورس على حوائط شوارع كاليفورنيا تحث الشباب على التظاهر ضد الرئيس المنتخب مقابل 200 دولار.. الهدف هنا الضغط المبكر على ترامب ليعلم انهم قادرون على تحريك الشارع ضده فى أي وقت.
هل سينجح ترامب فيما قام به الرئيس آندرو جاكسون الذي ألغى عقد البنك الأمريكي فواجه محاولة اغتياله، أم سيقوم بمعاكسة نظام الاحتياطي الفيدرالي وريث البنك مثلما فعلها كينيدي فتم قتله؟! أم سينجح «الوول ستريت» في تطويعه عبر مستشاريه لإعادة صياغة برامجهم المصرفية في مواجهة القطب الآسيوي الصاعد بقوة للقضاء على هذا النظام في عالم حتمًا أصبح متعدد الأقطاب.. وحتى مع احتمالية إعادة فرز أصوات المجمع الإنتخابي لمحاولة إقصاء ترامب .. وداعًا أمريكا.